شعار قسم مدونات

الإنقاذ.. تسعة وعشرون عاما من الفشل

مدونات - البشير السودان

"لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال علي المواطن الحصول علي ضرورياتهم إما لانعدامها أو ارتفاع الأسعار مما جعل الكثير من أبناء الوطن يعيشون علي حافة المجاعة، وقد أدى التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسئولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراءً يوما بعد يوم بسبب فساد المسئولين وتهاونهم في ضباط الحياة والنظم".
 
بهذه الكلمات افتتح نظام الإنقاذ عهده الجديد مخاطبا أهل السودان بأنهم جاءوا منقذين لهم من شبح الفقر والدمار الذي حل بهم وأنهم ملائكة الرحمة التي ستنتشلهم من البأس والمصير الأسود ومن الضنك ليرفل المواطن في أحسن حال. وبعد تسعة وعشرون عاما من عمر التاريخ اتضح أنهم ملائكة عذاب أحالوا بلادنا لكومة من الفشل والخراب فساموا هذه البلاد خوفا وظلما وعذابا وخسفا.
   

في أيام الإنقاذ الأولى رفع أحد كهنتها ممن كان على رأس الاقتصاد آنذاك بأن الدولار كان سيصل إلى سبع جنيهات لولا تدخلهم، وبعد ما يزيد على ربع قرن من الزمن وصل الدولار على أيدي هؤلاء القوم إلى أكثر من أربعين جنيها، لم يقف الأمر على هذا بل وصل شبح الإنقاذ الأسود إلى كل مرافق الدولة وبنيتها التحتية بدءا من مشروع الجزيرة أكبر المشاريع الزراعية في المنطقة بأسرها بحجة أن أصحابه تربية شيوعية فلا هو ترك المشروع لتربية الشيوعيين ولا هو أقامه، ولم تنته فصول الخراب لهذا بل جاء هذا النظام المشؤوم على السكك الحديدية مفخرة السودان وكانت الحجة أن العاملين فيه شيوعيين فدمره ودمر بذلك أسر بكاملها، لم تكتف أيادي هذا النظام بهذا الدمار بل وصلت إلى سودانير وإلى الخطوط البحرية فدمرت سودانير إلى أن أعلنت إفلاسها وباعت خط هيثرو وابتلعت ثمن البيع ودمرت الخطوط البحرية التي كانت تجوب المحيطات والبحار فباعت كل قطعها البحرية في سوق الخردة.

   

 أصبح السودان رهينة لرجل واحد منبوذ من كل الأنظمة الصديقة والمعادية
 أصبح السودان رهينة لرجل واحد منبوذ من كل الأنظمة الصديقة والمعادية
  

تسعة وعشرون عاما بدد هذا النظام المشؤوم كل موارد الدولة فذهبت عائدات البترول قبل الانفصال والذهب وكل مواردها في الأمن ليحتمي هذا النظام خلف آلته الأمنية، فأنشأ جمهورية من الخوف وبدد مواردها في البذخ والفساد فكان لزما أن تدخل البلاد في نقف مظلم وتنعدم الرؤية لمستقبل السودان، الأمر الذي استحالت معه سبل العيش الكريم واستصعبت فيه حياة الناس وأصبح المواطن غير قادر على توفير حتى الضروريات البسيطة وأصبحت معظم الأسر الكريمة على حافية الهاوية.

تسعة وعشرون عاما دمر فيها هذا النظام كل ما هو جميل في هذه البلاد وأتى عليها حتى علاقتنا الخارجية أفسدها هذا النظام المشؤوم. تسعة وعشرون عاماً، سارت فيه قافلة الإنقاذ بقوة حاملة القهر والأحزان وجالباً معه سيلاً من الدمار والخراب، يجرف الفرح ويجتاح الأمل ويأسر الأشواق ويصادر الحرية ويغتال الكرامة، يزرع البؤس والغمة والكمد وينشر الفقر والخوف والعناء والشقاء، وإضافة لكل ذلك أن السودان أصبح رهينة لرجل واحد منبوذ من كل الأنظمة الصديقة والمعادية، انقطعت كل أسباب التواصل مع الأنظمة الدولية التي في إمكانها إخراج البلد من عنق الزجاجة، وما ذلك إلا ليضمن هذا الرجل عدم الملاحقة الجنائية.

 
كل هذا يثبت للجميع أن هؤلاء القوم لم ينقذوا سوى أنفسهم. يقول الأديب الطيب صالح: "ﻣِﻦ ﺃﻳﻦ ﺟﺎﺀ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻨّﺎﺱ؟ ﺃﻣﺎ ﺃﺭﺿﻌﺘﻬﻢ ﺍﻷﻣّﻬﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﻤّﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﺎﻻﺕ؟ ﺃﻣﺎ ﺃﺻﻐﻮﺍ ﻟﻠﺮﻳﺎﺡ ﺗﻬﺐُّ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺠﻨﻮﺏ؟ ﺃﻣﺎ ﺭﺃﻭﺍ ﺑﺮﻭﻕ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺗﺸﻴﻞ ﻭﺗﺤﻂ؟ ﺃﻣﺎ ﺷﺎﻓﻮﺍ ﺍﻟﻘﻤﺢ ﻳﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻝ ﻭﺳﺒﺎﺋﻂ ﺍﻟﺘﻤﺮ ﻣﺜﻘﻠﺔ ﻓﻮﻕ ﻫﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ؟ﺃﻣﺎ ﻗﺮﺃﻭﺍ ﺷﻌﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻭﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺏ؟ ﺃﻣﺎ ﺳﻤﻌﻮﺍ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﺃﺣﺴُّﻮﺍ ﺍﻷﺷﻮﺍﻕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﺃﻻ ﻳﺤﺒّﻮﻥ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻛﻤﺎ ﻧﺤﺒّﻪ؟ ﺇﺫﺍً ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻳﺤﺒّﻮﻧﻪ ﻭﻛﺄﻧّﻬﻢ ﻳﻜﺮﻫﻮﻧﻪ ﻭﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﻤﺎﺭﻩ ﻭﻛﺄﻧّﻬﻢ ﻣﺴﺨّﺮﻭﻥ ﻟﺨﺮﺍﺑﻪ؟؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.