شعار قسم مدونات

هل نحن عنصريون أمام اللاجئين؟

blogs مهاجرين

في كل مرة يتم فيها توثيق حالة اعتداء على أحد المهاجرين أو اللاجئين أو الوافدين العاملين في بلادنا، يصدم الجميع غالبا من هول ما تحمله الفيديوهات والصور الموثقة لذلك والتي تنتشر بيننا على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، لكن مثل هذه الأحداث تفتح أعيننا دائما على سؤال مهم لطالما أصرينا على تجاهله: هل نحن حقا عنصريون؟ ومنذ مدة ليست بالقصيرة لم يعد بالأمر الغريب مشاهدة اعتداءات عنصرية خطيرة في بلداننا العربية، سواء كانت جسدية أو معنوية تستهدف مهاجرين أو لاجئين من دول مزقتها الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية، جاؤوا إلى بلداننا بحثا عن ملاذات آمنة تقيهم المعاناة الأليمة المستمرة منذ أعوام.

ورغم أننا دول مصدرة أساسا للهجرة، ورغم أن مهاجرينا في الغرب يعانون ما يعانونه من عنصرية ومعاداة لدينهم وثقافتهم، خصوصا من أحزاب اليمين المتطرف، إلا أن الكثيرين في بلداننا يعاملون اللاجئين والمهاجرين في وطننا العربي بطريقة أقل ما يقال عنها أنها غير لائقة، في نفس الوقت الذي يهاجمون فيه متطرفي وعنصريي الغرب على معاملتهم لإخواننا في بلدانهم. كما أن خلفيتنا الدينية والاجتماعية والتي عرفت بانفتاحها وتقبلها للأجنبي الضعيف والمظلوم، المستجير بنا وإيواءه وحمايته، كل هذه الأمور لم تقنع الكثيرين بضرورة التعامل مع هذه الفئة المجتمعية بما يراعي كل ما سبق.

ورغم أننا لا نريد هنا أن نعمم أو نتهم جميع أفراد مجتمعاتنا بالعنصرية، إلا أنه من غير الممكن تغطية الشمس بالغربال أو اعتبار أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد حالات معزولة، إذ أن الكثير من الوقائع توثق لتطور هذه الظاهرة وانتشارها مع الأسف الشديد، لكن هل تعتبر المسوغات التي يستند عليها بعض هؤلاء العنصريون كافية لتبرير مشاعر العداء نحو اللاجئين والمهاجرين؟

تقبل مجتمعاتنا للمهاجرين واللاجئين ومعاملتهم بطريقة إنسانية أمر ضروري، فهو يتماشى مع قيمنا المجتمعية والدينية في المقام الأول، لكنه كذلك قد يعود لا محالة بالنفع على مجتمعاتنا

يبرر الكثيرون تصرفاتهم الحادة والمناهضة لهذه الفئة من الوافدين على بلداننا بكونهم يشكلون عبئا إضافيا على المجتمعات المحلية التي تعاني أصلا من الكثير من المشاكل البنيوية كالبطالة والهشاشة والفقر وغياب الخدمات الأساسية، وبالتالي فإن أصحاب البلاد أولى بالاهتمام من الأجانب كيفما كانت وضعيتهم. وإذا انضاف إلى ذلك المعاناة التي يعيشها هؤلاء في بلداننا والممثلة أساسا في الصعوبة البالغة في الحصول على عمل شرعي، ما يضطرهم إلى الانخراط في نشاطات غير شرعية كالتسول أو النصب والدعارة فإن ذلك يزيد من مستوى الحنق اتجاههم ويعطي مصداقية إضافية لوجهة نظر مناهضيهم.

إن لا أحد يستطيع أن ينفي المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الحكومات المحلية والمتمثلة في ضرورة توفير الظروف الملائمة لاستقرار المهاجرين واللاجئين في بلداننا، كما أن لا أحد يستطيع أن ينفي الصعوبات والتحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الحكومات والتي قد تكون في بعض الأحيان أكبر بكثير من إمكانياتها الخاصة ما قد يتطلب مساعدة ودعما من لدن جهات خارجية.

كما أنه لا يجب أن ننسى أن هؤلاء المهاجرين الذين أصبحوا بحكم الأمر الواقع مستقرين في بلادنا منذ سنوات طويلة ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا خصوصا مع صعوبة المرور إلى دول أوروبية أكثر تقدما، بدأوا شيئا فشيئا يندمجون رغم كل الصعوبات في نسيج مجتمعاتنا، فتعلم الكثير منهم لغاتنا ولهجاتنا وأتقنوها، كما وتعرفوا إلى عاداتنا وتقاليدنا، وبالإضافة إلى بعض الاختلافات على المستوى الثقافي أو الديني والتي يجب علينا تقبلها، فإن أبناءهم الذين ولدوا على تراب أوطاننا أو الذين جاءوا صغارا ولم يعرفوا لهم أوطانا غير هذه يصعب أن نستمر في اعتبارهم مجرد مهاجرين أو أبناء مهاجرين، كما أن الوضع يصعب أن يستمر مع استمرار تقدمهم في العمر. إن تقبل مجتمعاتنا للمهاجرين واللاجئين ومعاملتهم بطريقة إنسانية أمر ضروري، فهو يتماشى مع قيمنا المجتمعية والدينية في المقام الأول، لكنه كذلك قد يعود لا محالة بالنفع على مجتمعاتنا، من خلال تبني وإدماج هؤلاء الفئة، مع ما قد يخلقه لها من قيمة مضافة في المستقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.