شعار قسم مدونات

جرائم الشرف.. إطلالة من خلال رواية "شرفة العار"

مدونات - شرفة العار

لقد كانت المرأة منذ وجودها وهي ينظر اليها بنظرة ناقصة ومن بين الأسباب التي جعلت المجتمع ينظر اليها كذلك هو حب التسلط والترؤس والتملك الذي يكمن داخل الانسان، الذي جعل الرجل يفرض سلطته على المرأة ليمارس عليها دور الحاكم المستبد، وكما أن طبيعتها المختلفة عن الرجل مثل الحمل والولادة والإرضاع وظروفها الشهرية الخاصة التي جعل نظرة الرجل اليها نظرتا مختلفة ليس من حيث التكوين فقط بل من حيث المكانة أيضا، ولكن عندما يتعلق الأمر بشرفها تقتل تحت شعار حماية الشرف وكأن شرف الانسان العربي يتمحور في بضعة سنتيمترات بين فخذي المرأة، أما الخيانة والسرقة والكذب والفساد والافساد، والرشوة والنصب والاحتيال.. إلخ هذه ليست داخلة في الشرف.

 
لقد أصدر الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله روايته "شرفة العار" سنة 2010 تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، وهي الرواية الثالثة من ضمن مشروعه الروائي: الشرفات والذي يضم عدداً من الروايات لكن هذه الرواية مستقلة عن سابقاتها، تتمحور الرواية حول قتل المرأة بدوافع تطهير الشرف المدنس سواء كان ذلك الشرف دنسته برضاها أو غصبا عنها كما سنرى مع "منار" بطلة رواية "شرفة العار" التي يفتتحها كاتبها – ابراهيم نصر الله- بتقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة عام 2009 والذي يشير الى: أن عدد ضحايا جرائم الشرف في العالم هو 5000 امرأة.. حيث تشير الأرقام إلى وقوع 15الى 20 جريمة قتل سنويا في الأردن.. وفي مصر عام 2009 كان عدد جرائم الشرف 52 جريمة، وفي العراق 34 جريمة في العام 2007، وفي الأردن 28 جريمة في العام 2005، وفي لبنان 12 جريمة في العام 1998.

 

حتى وإن كان بعض الكلمات المستعملة في رواية "شرفة العار" تدل على أن أحداث الرواية تدور في الأردن إلا أن الروائي لم يحدد بلدا معينا كي تبقى هذه الرواية قضية جميع العرب

وما خفي كان أعظم، من خلال هذه الرواية أراد الروائي أن يلفت النظر إلى الواقع التي تعيشه المرأة العربية، خصوصا في الطبقة المتوسطة والفقيرة، من خلال تشخيصها في بطلة الرواية "منار" التي أصر والدها على تعليمها وقدم لها يد المساعدة رغم إصرار باقي الأسرة على أن تترك دراستها خصوصا عمها "سالم" الذي يمثل المجتمع، فبطلة الرواية "منار" بريئة لقد ثم اغتصابها ببشاعة من طرف سائق تكسي الذي كان يعمل سابقا بالأجرة على سيارة أبيها الذي أصيب بمرض في عموده الفقري -مما جعله حبيس كرسي متحرك- جراء عمله السابق في معمل الاسمنت قبل أن يشتري سيارة تكسي، وسبب اغتصابها أن أخاها الأكبر "أمين" استدان من السائق المغتصب "يونس" -وهو زميله في الحانات وممارسة الدعارة مع المومسات، رغم أنه متزوج وأب لطفة- مبلغا من المال، لكن هذا الأخير لم يرد المبلغ إلى يونس، مما سيجعل يونس ينتقم منه باغتصاب شقيقته "منار" التي أنهت دراستها الجامعية في علم الاجتماع، وعملت في إحدى المدارس كمساعدة اجتماعية، التي تتعرف فيها إلى ضحية أخرى أنها تغريد الطفلة اليتيمة الأب التي تدرس في الصف التاسع، لقد ثم اغتصابها من طرف أخيها عدة مرات وحملت منه.

 

وعندما هددته بأنها ستخبر والدتهما قتلها بعدة طعنات متتالية، عندما أخبرت تغريد منار بقصتها لم يكن ثم الاعتداء على منار بعد. عندما أمسكت نبيلة زوجها أمين متلبسا بالرذيلة مع إحدى مطلقات الحي تزوج أمين هذه الأخيرة كي تكون الزوجة الثانية له، ويوم الزفاف ثم الاعتداء على منار مما جعل يونس يرسلها إلى أخيها كهدية يوم زفافه، لكنها لم تستطع إخبار أحد، لم يمضي الوقت طويلا إلا وبدأت بطنها تتكور معلنة بمولود جديد بفضيحة آتية في الطريقة، لكن أمرها افتضح أخيرا رغم المحاولان الكثيرة المبدولة من طرفها أو من طرف أمها وأخيها في النهاية، لإجهاد الجنين إلا أن كل تلك المحاولات باتت بالفشل لرغم توفر المبلغ تارة ولرفد الدكتور اجراء العملية تارة أخرى، وأما عمها سالم الذي كان ضدها منذ البداية لرفض أبيها تزويجها لأحد أبناءه، عند سماعه للخبر أتى بالراية السوداء راية العار وواضعها فوق باب أخيه قائلا؛ لن يستطيع أحد أن ينتشل هذه الراية إلا من سيطهر شرفنا بدمها، فبعد ما بآت محاولة -قتلها من طرف أخيه أمين- بالفشل تدخلت الشرطة لتخد منار إلى قسم الشرطة لاستماع إلى أقوالها حول قضية اغتصابها وكذلك حول محاولة قتل أخيها لها، لكن الشرط تركتها هناك تحت حمايتها لتوضع في السجن مع باق النساء اللواتي تختلف جرائمهن.

  undefined

 

هناك تلاقي منار معاملات اللاإنسانية إذ تتعرض إلى اغتصاب "سحاقي" من طرف إحدى النساء الشاذات، ولكن شما توفر لها الحماية، قضية شما هي الأخرى رغم أنها تدور حول الموضوع إلى أنها مختلفة عن قضية منار، شمّا قتلت طفل ابنتها من السفاح يوم الولادة خوفا من العار، وكذلك تعرفت إلى لبنى وقصتها أيضا؛ لبنى التي فقدت شرفها برضاها بعدما أن وعدها شخص بالزواج لكنه في الأخير يختفي عن الأنظار فتبقى هي المذنب الوحيدة إذ تحاول أسرتها قتلها؛ بعدما يطلق عليها أخوها الصغير عدة طلقات مما تصيب إحدى الرصاصات الجنين في بطنها فتمزقه، ورغم أنها نجت من الموت لكنها لم تنجى من ملاحقة أهلها، لكن أهل منار رتبوا أمر إخراجها من السجن -بعد أن أنجبت وليدها في السجن- عن طريقة إبعادها إلى دبي مع أخيه عبد الرؤوف الذي كان يشتغل هناك.

 

فبعدما قام أخوها بالإجراءات اللازمة حول الوثائق كانت تقطن مع كفيلها الذي تعهد للشرطة بحمايتها، فيوم سفر منار إلى دبي مع أخيها؛ اتصل به أخوه ليعودوا من طريقهم إلى المطار لتوديع والدتها بعد اصرارها بأن تودع ابنتها قبل سفرها، لكنها عند وصولها إلى الحي تتفاجأ بعمها سالم الذي كان منذ البداية محرضا على قتلها، لكن شقيقها أمين هو من سيقوم بالمهمة إذ يطلق عليها النار وسط الشارع، ويغتصب منها الحياة كما اغتصب منها شرفها قبل ذلك لكنها تترك رسالة لذويها تركتها مع كفيلها تعلن حبها لوالديها وأشقائها ولأسرتها، وكذلك بأنها لم تسئ لهم قط، ومما جعل الرواية مؤلمة أكثرا هو حرص الكاتب على أن تنشر الرسالة بخط "أناملها" في آخر الرواية، تقتل منار بخمس طلاقات متتالية، لكي تحل مكان الراية السوداء راية بيضاء؛ ولكن هذه الراية هل ستمحي عارا من نوع آخر وهي حرب غزة التي اختارها الكاتب كي تكون في خلفية الأحداث؟ 

 
أحداث الرواية مشوقة جدا مما ستجعل القارئ ينهال على الرواية، لكنها ستترك فيه أثرا عميقا، فقضية منار ليست قضيتها وحدها هي قضيتنا كلنا، حتى وإن كان بعض الكلمات المستعملة في الرواية وكذلك طببعة المجتمع تدل على أن أحداث الرواية تدور في الأردن إلا أن الروائي لم يحدد بلدا معينا كي تبقى هذه الرواية قضية جميع العرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.