شعار قسم مدونات

طلبنا الحياة.. فجعلوها جحيماً

مدونات - سوريا أطفال دمار

"أنا بتنفس حرية لا تقطع عني الهوا" كم هو جميل الاستماع لهذه الاغنية إذ أنّك تعيش معها روعة الكلمات وعمقها.. نعم، نحن شعوب تحب الحرية لكننا ممنوعون من تنفسها إلا سرّاً، فالحرية في وطننا العربي جريمة، إياك أن تظن أنّ هذا مجرد كلام مبالغ فيه، إنها الحقيقة، افتح تلفازك على احدى القنوات الاخبارية واستمع لما يجري في البلاد العربية ستدهش عندما تسمع عن الاضطرابات الأمنية والمظاهرات والحشود الهاتفة والانفجارات وحظر التجوال والغارات و.. والقائمة تطول.

 
ثم شاهد إحدى القنوات الرسمية لإحدى تلك البلدان المتوترة والمشتعلة وإن شئت فقل إنَّ ما قلتُه كان مبالغاً فيه، ستجد مذيعة بكامل زينتها وأناقتها تتحدث عن موضوع غايةً في الأهمية! عن التجميل أو الأزياء أو أخبار الفنانين.. لا لا تغير القناة فقط انزل بنظرك نحو الشريط الإخباري واقرأ ما هو مكتوب وستجد خبراً مناقضاً لما كانت تتفوّه به تلك المذيعة "مجموعة تكفيرية تشعل فتنة بين الأهالي وقوات الأمن مما أدى إلى قتل واستشهاد سبعة أشخاص وإصابة خمسة أخرين" أو مثلاً "استهدف جيشنا الباسل المجموعات الإرهابية بالقذائف الصاروخية واوقع خسائر فادحة في صفوفهم" وغيرها من الأخبار الملفقة، وأضف إلى هذه الأخبار نصيحة يقدمها التلفزيون الوطني للإخوة المواطنين (أخي المواطن: الإعلام المضلل ينشر أخباراً كاذبة وإننا ندعوكم إلى مقاطعتها وعدم الالتفات لها).
 
ما هي المشكلة بحق!؟ هل مطالبة الشعوب العربية بالحرية كانت جريمة استحقت أن تتذوق بسببها كل هذا العذاب؟! كل ما نريده هو (حرية) حرية الرأي، حرية الإعلام، حرية التعدد السياسي والمذهبي ومكافحة العنصرية والمذهبية والفساد والأهم هو مكافحة ظاهرة احتكار الحكم والسلطة الاستبدادية والحكم العسكري والديني..
 

لو فكرنا أن نحصي عدد الموتى والشهداء من هذه الشعوب العربية، ستصدمك الأرقام لأنها تتجاوز عدد قتلى الحروب العالمية الكبرى!

نحن كشعوب عربية من حقنا أن نحظى بحكومات مدنية تعددية ذات كفاءات عالية علمية وعملية يكون فيها الرجل المناسب في المكان المناسب، لا حكومة فساد ومحسوبيات وعلاقات وروابط عائلية. حكومة يشارك الشعب باختيارها لا أن يُفرَض عليه الاختيار إما (شخص معين أو المقاطعة) لا بل حتى إن المقاطعة غير متاحة لك فأنت إن لم تشارك ستجلب لنفسك المصائب والأهوال، لذا وباعتبارك إنساناً عاقلاً كن مطيعاً لحكومتك أو استعد للسجن والعذاب، هذا طبعاً على الصعيد الفردي.

 

أما على الصعيد الجماعي فستقف مذهولاً أمام ما حصل وما سيحصل، المكان الذي سيخرج من تحت سلطة الدولة فليجهز نفسه لأسوأ أنواع العقاب، سنقطع عنكم الماء والكهرباء والإنترنت حتى الهواء لن يصل لأولئك البشر نقياً سيختلط برائحة البارود والنار ستكون الأجواء محاطةً بالدخان والرماد والمروحيات والطائرات الحربية التي لا تكاد تغادر الأجواء إلا لتعود محمّلةً بالذخائر والصواريخ والقذائف التي ستستهدف بها أولئك الخارجون عن السلطة لتوقع المجازر تلو المجازر حتى يركع الواقفون ويذل الشامخون أو يموت من تبقى من أولئك الصامدين، أهذا هو ثمن الحرية الأرواح والمهج والدم!
   undefined

 

لو فكرنا أن نحصي عدد الموتى والشهداء من هذه الشعوب العربية، في الحقيقة ستصدمك الأرقام لأنها تتجاوز عدد قتلى الحروب العالمية الكبرى! نعم نحن العرب نحب الحرية لكن حكوماتنا تخافها تماما كما تخاف الموت، وإني ليحزنني الأطفال، ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين ولدوا في الحرب، الذين كبروا في ظلها وباتوا رجالاً سُلبت منهم طفولتهم بأدوات الحرب تلك حتى نسوا أنهم أطفالا ووجدوا أنفسهم فجأة في مراتب الرجال..

  

ألا يشعرون بالحزن عليهم أليسوا هم وقود المستقبل وشعلة التطور لهذه البلدان أليسوا هم بناة الغدد وحماة الاوطان، كيف حوّلتهم حروب الحرية والقمع بالحديد والنار إلى أدوات حرب ضد أوطانهم يسعون إلى حماية أهليهم من جيش وطنهم، تخيل يرعاك الله! أطفال لم يسمعوا في هذه الحياة سوى أصوات الانفجارات وصرخات الثكالى وزمجرات الحرب كيف هربت منهم طفولتهم وألعابهم دون أن يستمتعوا بها، كيف غدت البنادق رفيقة دربهم حين اختاروا حماية ما تبقى من أهلهم ومدنهم من حربٍ لا يعلمون أصلاً ما هي أسبابها وما الجريمة التي ارتكبها أهلوهم لتكون عقوبتهم بهذه البشاعة.

 

أتساءل ما الذي باستطاعتنا قوله لهم هل نقول لهم أنَّ الشعوب قُتلت لأنها أرادت الحرية؟ أرادت أن تتنفس هواءها، أرادت أن تتكلم دون خوف، أرادت أن تنتقد دون سَجن أرادت أن تختار الحاكم دون ضغط وفرض، أرادت المشاركة ببناء الغد دون محسوبية أو رشوة!
   

نعم تلك هي جرائمهم.. لقد كانت الحرية طموحهم، فكان عقابهم تحويل حياتهم إلى جحيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.