شعار قسم مدونات

بين الألم والأمل.. يسألونك عن الرجال!

blogs - مظاهرة

بين الألم والأمل، بين الضياع ونقيضه، بين أجل قد مضى وآخر قد بقي لا ندر ما قاض فيه. نقف لنتساءل كيف المسير وأين المصير؟ فحيثما وليت وجهك فتم الذل وتم الإذلال، شعوب تهان آناء الليل وأطراف النهار، فهل من معتصم؟

  
حق للمرأة العربية أن تلتحف حدادا، فقد مات الرجال. لن أكون مغامرا لدرجة التيه حتى أمتطي صهوة الشرف منافحا عن كرامة أمة ما عاد لها وجود، فذلك أمر دونه خرط القتاد، إذ من الصعب الدفاع عن اللاموجود، ومن الأصعب الاقتناع بسهولة بعثه من جديد.

  
لقد بلغ منا اليأس مبلغا تشرذمت على جنباته أحلامنا وانكسرت أمانينا، وبسط ذلك ليس بالتشاؤم المفرط ولكنه جرأة وجب تحققها حتى يتأتى لي ولغيري ملامسة الجراح وتحمل أنين الوجع، فشتان بين الإقدام والإدبار وشتان بين الصدق والنفاق. ولقد بات من المشروع طرح السؤال: من للشعوب العربية بعد أن أناخت حكوماتها؟ من للحيارى من أبناء الوطن الكبير بعد أن ضاعت بوصلة الحق بإعلام فاسد ومثقف خانع؟ أسئلة ترسم ملمح واقع مخز أثِّث فضاؤه بجراح غائرة خلفتها سيوف الظلم وشفرات الاستكبار.

 

على كل مستهتر بمقدرات الشعوب أن يعي أن الحياة دول يوم لك ويوم عليك، ولا دوام لحصون الظلم إذ لا حصانة لا اليوم ولا غدا للظلمة آكلي قوت الشعوب فقد أوهى قرنه الوعل

وداهية الدواهي أن ضربات الأغيار الأجانب وإن كانت تؤلم فليست على قدر ضربات بني جلدتنا ممن هم منا ومعنا وبيننا، لكن يجرحوننا لدرجة الانكسار. إن الإهانة لا دواء لها وإن الكرامة أعز ما يملك، كرامة استبيحت بتعليم هش وإعلام أكثر هشاشة وفن متسيب أفسد الذوق وقبح الجمال، فأنى لنا أن نتكلم عن وعي أمة وقد غزى المشهدَ الرويبضة أو من هم أضل؟

 
لقد توارى الرجال وتسيد أشباههم في زمن ماسخ نعيشه، استنسر فيه البغاث واستبحر الغدير وتكلم في شؤون الناس أشباه العوام ممن هم أحق بالإلجام، لقد استأسد الغي على الرشد. إن معالم الجريمة بدت واضحة تجاه جيل بأكمله أريد له أن يكون تائها تافها مغيبا مفعولا به لا فاعلا، يصنع له الوهم ويزيف أمامه النجاح عبر سياسات تجاوزنا مرحلة الشك نحو اليقين لنجزم أنها ممنهجة تهدف هدم القيم واستنبات جيل من التافهين محدودي الرؤية والتفكير، فمن بعد ذلك يعمر الوطن عمرانا حضاريا رصينا؟ ومن يتصدى لمحاولات نخر الجسد الكلي عبر أنواع الغزو المرابطة في الداخل والخارج تنتظر تمام الغفوة ليتحقق لها كمال السطوة؟ كم كان القاضي عياض قاضي المغرب الشهير والذي قيل في حقه لولا عياض لما عرف المغرب محقا مقنعا وهو يبدع قائلا:

وما شرَّف الأوطان إلا رجالها *** وإلا فلا فضل لترب على ترب

 
فشرف الأوطان يصنعه ويذود عنه الرجال، فإن غابوا انتُهك العرض حتما. ولن أكون مبالغا إذا قست ذلك على بلداننا من المحيط إلى الخليج. فكلما بزغ بريق من الأمل تلته غيوم الطعن من الخلف هاوية بأماني الشعوب، فكذلك كان الأمر فيما سمي زورا بالربيع العربي والذي شبه لنا أنه مرحلة جديدة ستتسيد فيها كرامة المواطن وإرادته، لنصدم بالردة وسرقة الآمال عبر أكبر عملية غدر في التاريخ المعاصر، لقد ظل الحال كالحال أو ربما أسوأ. لكن أمة مجزوم أن الخير فيها إلى يوم الدين تأبى استمرار الانبطاح إذ لا بد لقومة أن تنطلق من أكمَّتها ولابد لجذوة الإهانة أن تنطفئ، وعلى كل مستهتر بمقدرات الشعوب أن يعي أن الحياة دول يوم لك ويوم عليك، ولا دوام لحصون الظلم إذ لا حصانة لا اليوم ولا غدا للظلمة آكلي قوت الشعوب فقد أوهى قرنه الوعل.
 

فلكل ولي أمر صغر هذا الأمر أو كبر أقول صادقا: أسسوا لمنابت الرجال ومشاتل الشرفاء قولا وفعلا صدقا وعدلا، فإن سار الحال على ذات الوزان فلن تجدوا يوما ما عندما تقطفون كل الزهور من يقيكم زحف الربيع..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.