شعار قسم مدونات

تلك القوية يحدث أن تضعف.. تصور!

مدونات - امرأة سمراء هندية

تلك الجميلة شحب لونها الأسمر أضحت تكره النظر إلى المرآة فهي لا ترى نفسها فيها بل تبصر فرقا بشريا بين الماضي والحاضر، كتلة الزجاج هذه تعكس كل ما يعكر حياتها إذ تستطيع التغلغل تحت مساحيق التجميل التي تخدع الغير لتفضح تعاستها وتذكرها بمصابها. يمدحها الغير وتئن من ألمها بدموع مستترة وضحكات ظاهرة تجعل الغير يحسدها على حياتها.. ممثلة عصرها الأولى وما إن ترتدي النظارات يمكنها ببساطة نيل الأوسكار كيف لا؟ فهي تخفي الحزن الذي يملأ عينيها ببراعة.

  

تلك القوية تبكي بحرقة وتتمنى لمرة أن تهدي دموعها لبشرة غير خاصتها السمراء لعل حاسة اللمس في مستضيفتها تنقذ نطق صاحبها ويقول حنانا.. ما أحوجها للقول فأجود قماش وساداتها تذوق دموع الدموع ولم يبد رأيه فيها قط.. السمراء الطيبة ترى في كل من عرفته مؤخرا أملا للتخلص من لعنة أبت أن تفارقها فعشقت الكاتب، صادقت الطبيب وتعلقت بالشاعر فكرهت أبناء العشرين واستحلت رقم الثلاثين، الأربعين، الخمسين.. وكأنها تريد اكتشاف عمرا وزمنا غير زمنها أو زمن الخذلان تخاف أن ينفذ الوقت فتسهر الليل وتستيقظ باكرا..
   

تلك القوية يحدث أن تضعف والجميل في الأمر القبيح أنها خلعت لغة العتاب خلعا.. تسبق عمرها كثيرا فتدرك أن الجمال أو المال لا محالة يؤولان إلى الزوال

تلك القوية تلعب نهارا تضحك تسبح تغني.. لتعانق القهر ليلا بكؤوس من القهوة، سيجارة تلو الأخرى.. تكتب ما يخالجها ولا تهتم لجودة ما تكتبه حتى اللغة على ما يبدو تخونها. المضحك في الأمر وفي حالتها هذه تدرك أن كل ما حولها رخيص وأن ما ذرفته من دموع سابقا لا يستحق، تمكنت بطلتنا التسامح مع نفسها ومع غيرها.. لا تهم لحبيها الذي خانها، لا تهتم لأستاذ ظلمها، لا تهتم لمن حاول الاعتداء عليها، لا تهتم لحقد صديقتها الظاهر، لا تهم لتفوقها الدراسي الذي لطالما جعلها مميزة تضحك وتقول هل التميز يقتصر على علامة؟ فجامعاتنا تعج بمن يحفظ حتى الفراغ بين الكلمات وخط الأستاذ فيتحصل على العلامة الكاملة ويصدق أنه مميزا؟ نضجت وتريد فعل الكثير أما جسدها من العياء لا يقدم إلا القليل، دقيقة بخيلة من النشاط تكلفها ساعة كريمة من التعب والإغماء.

  
في لحظة ضعف اشتكت لمن تظنه قريبا لكن تصوروا اتضح أن القريب يمل ويبتعد إذ أحبها أيام الشقاوة فقط أيام الخروج والتسكع، أيام الرخاء، فالسمراء كانت سخية ولا تخطط كثيرا كي لا تحرم نفسها من شيء تحبه أقول تحبه…ها هي تنتقل من بطل لآخر تبحث من يأوي حزنها هذا، من يمكنها البوح له بمعاناتها ليلا وصباحا يكلمها ويطمئن عليها بشوق ولهفة كلهفة لقاءهما الأول.. لتتفاجأ بابتعاد القريب يبدو أنه ليس من هواة الشكاوى يبدو أنه اقترب من شكلها أكثر من روحها.. يبدو أن الحياة تحقد على بطلتنا تسرقها كل يوم.. لا يهم.. أما اليوم فيا حياة أنت تسرقين ما لا يغلى عليه، تسرقين ما يفقد المرء جماله وطلته الباهية، تسرقين منها ضحكة حقيقية من القلب، تسرقين ما يجعل الرجل العربي ينفر من امرأة تفعلين ذلك وتثقلين كاهل من يكفلها ولولا قصر نظرك لأدركت أنها وحيدة تسقط تلملم نفسها وتنهض تتنهد.. أهاتها تسعك أنت ومن تخلى عنها يا حياة..

 

على الطريقة العصرية تستسلم لإفيهات السناب شات، تصنع فتاة حلوة شقية تحتفظ بهذه الفيديوهات والصور تتأملها عندما تشتاق رؤية روحها القديمة، تشاركها مع غيرها فعليلتنا لم تتوسل يوما شفقة بل أكثر ما احتاجته صديقا يتحمل لعنة شكواها وما أقل تدمر البطلة فلا تهوى أن تحكي ضعفها وإن فعلت فقد كنت أنت الاستثناء، فقد اعتبرتك قريبا وإن فعلت فالألم تغلب عليها للحظات..

  
تلك القوية يحدث أن تضعف والجميل في الأمر القبيح أنها خلعت لغة العتاب خلعا.. تسبق عمرها كثيرا فتدرك أن الجمال أو المال لا محالة يؤولان إلى الزوال.. أصبحت البطلة تقرأ بحواسها الست؟ ولا حاجة لها أن تسمي الكاتب والكتاب وتتباهى على الفيسبوك بقراءة نسبية الفهم .تلك القوية يمكن أن تضعف.. في حضور المرض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.