شعار قسم مدونات

لو دخلوا جُحَر ضبٍّ لدخلتُموه

blogs رقص

التقليد الأعمى للغرب، ناقوس خطر ينذر باستهداف عقول شباب الأمة وانحدارها، إنّ المتأمل في بحار الاستدراج نحو بدع الغرب، سيرى كم هي خطى الانزلاق نحو الحياد عن الدين الإسلامي وقيمه كثيرة، وما سينبثق عن ذلك من آفات وعادات سيئة لا تليق بديننا الحنيف.

أفكار شيطانية تغزو المجتمعات الإسلامية، فلا يرون من الحضارة الغربيّة إلا تلك الموضة الغريبة من قصات الشعر، والملابس الممزقة، وعادات حياتية بعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي، وآخر ما تم تقليده بصورة كبيرة ومتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي تسمى برقصة kiki do you love me، التي اجتاحت عقول الناس كبيرهم وصغيرهم، وأصبحت هوساً لكثير منهم.

إن مسألة التقليد أضحت استهداف مباشر للعقول العربية، ومحاولة لإغوائهم وتضليلهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَإنَّهُ مِنْهُمْ)، فالناس في طبائعهم أشبه بعالم من الأشجار، وعُدّ ذلك من آياته جلّ وعلا، فكثير من الناس من يقع فريسة التكلّف والصلف وإعدام الكيان، والتطوق بجيش الانصهار والحرق، فعلينا ألا نرتدي شخصية غيرنا.

إن التجديد والاطلاع على الثقافات ليس مرفوضاً، لكن التقليد الأعمى الذي يلهث الناس وراءه، من تبعية الأزياء، والمفاهيم الزائفة، والثقافة البالية، يقضي على الهوية

قد يمرّ الإنسان في ثلاثة أطوار مختلفة: التقليد، والاختيار، والابتكار، ونرى المعظم ينتحل شخصيات الآخرين ويتقمصها، فهذا وأد للموهبة وانتحار للذاتية وقتل للإرادة، وحصيلة عوامل نفسية وبيئية وأسرية متراكمة تبني جيلاً واهناً. وليت كان التقليد هذا للصفات الحميدة، التي تُثري عليهم هالة من الفخامة والمجد، كالعلم والكرم والحلم ونحوها.

إن جمال الصوت أن يكون متفرّداً، وحسن الإلقاء أن يكون متميزاً، حتى لا نجعل أنفسنا في سرداب المماثلة، وأن لا نقع في مهاوي الإحباط والفشل، الأمر الذي سيجعلك مُتعباً مُنقاداً لا مُستعصياً، مُتناسياً بذلك ما حباه الله عز وجل لكَ من صفات خاصة تميزك عن غيرك، فهناك مَن آثروا لترك بصماتهم في الحياة، فصنعوا حضارة أمتهم، وخلّد التاريخ ذكرهم، تلك الأقدام التي مرّت في هذه الحياة ثم ارتحلت، وانتقلت في الغابرين، فكان من بينها أقدام سارت بغير منهجها فتلاشت، وهناك ما زالت بصماتها مرموقة تُعجب الناظرين، فالوجود لا يُغني عن الأثر، والأثر يدل على قيمة الوجود.

لنعفي أنفسنا من رقّ التقليد الغير محبوب، وتبعيّة التشبّه، وضريبة المحاكاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، فهذا التقليد الأعمى ما هو إلا اضطراب في الشخصية وذبذبة في السلوك، فسرعان ما تظهر موضة، يتسارع الشباب لتقليدها دون النظر إلى مشروعيتها.

التقليد هو أحد الدوافع المكتسبة، والذي يجعل الإنسان يقوم بسلوك معين على مبدأ المحاكاة لغيره، وأما الجاذبية تكمن في الاستقلالية، فكُن أنت نفسك
التقليد هو أحد الدوافع المكتسبة، والذي يجعل الإنسان يقوم بسلوك معين على مبدأ المحاكاة لغيره، وأما الجاذبية تكمن في الاستقلالية، فكُن أنت نفسك
 

إن التجديد والاطلاع على الثقافات ليس مرفوضاً، لكن التقليد الأعمى الذي يلهث الناس وراءه، من تبعية الأزياء، والمفاهيم الزائفة، والثقافة البالية، يقضي على الهوية الشخصية بشكل خاص والهوية الإسلامية بشكل عام، وهو ما علينا اجتنباه، لذلك فإنّ التقليد الأعمى هو تأثر الشخص بالآخرين بلا منهجية واضحة، والمسمّى بالقالب الفارغ والذي ينتج شخصيات معدومة الثقة، فارغة العقول.

لن تصل الشعوب إلى التقدم المنشود، والنهضة المرجوّة، إن كان التقليد الأعمى دأبها للوصول إلى ما وصل إليها غيرها، بل سيزيدهم ضعفاً وتخلّفاً وانهياراً، وبالتالي إن دعوة الأجيال إلى الحرص على نهضة الأمة، وسلوك السبل التي تؤدي إلى ذلك، مع الحفاظ على الهوية والقيم الإسلامية، ليست حكراً على قوم دون قوم، ولا يعد تقليداً وتشبَهاً، بل هو حقّ وواجب على الأمة، فهي مطالبة بأن تحظى مكانة بين غيرها من الأمم، ولن تبلغ تلك المكانة إلا بالتمسك بالقيم والدين الإسلامي، ولكن التقليد الأعمى الذي يقوم به بعض الشباب والشابات، يؤول بنا إلى الجحود والإضعاف والهوان، حتى يصبحوا سوقا استهلاكية لأفكار غربية غريبة.

التقليد هو أحد الدوافع المكتسبة، والذي يجعل الإنسان يقوم بسلوك معين على مبدأ المحاكاة لغيره، وأما الجاذبية تكمن في الاستقلالية، فكُن أنت نفسك، تفعل بجدٍ ما تُؤمن به، فلا تخطو خطى غيرك وتُعيد تمثيله، واعلم أنّ لديك قوة وعزيمة تُزلزل الجبال بالإيمان واليقين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.