شعار قسم مدونات

فرجاس وبوحيرد.. حب من على منصة الإعدام

blogs جميلة بوحيرد و زوجهها

كثيرا ما قرأنا روايات رومانسية خيالية يحاول فيها الكاتب أن يقنعنا بحكايته، يرسم له خطوط عكسية لسيرة الواقع فينتج لنا حب سينمائي بعيد حتى على الافتراض والواقع، ونادرا ما نمشي في الحياة ونسمع عن روايات رومانسية حقيقية، لكن في إحدى زوايا التاريخ سجلت للأمد قصة حب ثورية، قصة حب اجتمع فيها الإصرار والتضحية والوطنية والجدية والحب.

 

قصة محامي كان يطلق عليه اسم الشيطان لشدة قوته في مرافعات المحاكم وإيجاده دائما ثغرة لتبرئة موكله، مع مناضلة كان العالم يطلق عليها وجه الثورة وزهرة الياسمين في جو القنابل والحروب، حينما ينحني الشيطان ويعجب بفراشة ثورة التحرير، تلك الفراشة التي أقلقت أكبر جيش في العالم وهو الاستعمار الفرنسي، تبدأ حكاية هذا الحب الذي بدأ من على منصة الإعدام.

فرجاس كانت له دهنيات الإيمان ببراءة موكله، وجميلة الجميلات بوحيرد سلمت نفسها للوطن، بدأت الحكاية في تموز من عام 1957، حينما ثم القبض على جميلة بوحيرد وجميلة بوعرة وعبد الرحمن طالب وعبد الغني قرشلي، كمسؤولين فيما يعرف بمحاكمة دعوى القنابل، تلك المحاكمة التي عرت الاستعمار الفرنسي وأصبحت قضية رأي عام دولي، بسبب حنكة جاك فرجاس وكل فريق المحامين الذين معه.

 

فرجاس في كتابه جرائم دولة يقول أن من ساعده في قضية جميلة بوحيرد هي أحداث بارزة حدثت عبر العالم، بث فيلم مصري من إخراج يوسف شاهين عن بوحيرد، ورد الجنرال الفرنسي ديغول عن نص المرافعة الذي بعثه جاك فرجاس إليه، وأخر حدث هو الرسائل التي استقبلها الرئيس الفرنسي آنذاك رنيه كوتي من جميع العالم بخصوص بوحيرد، وبعد مرافعات قوية من فرجاس وفريق محامين والسهر على إيجاد ثغرة تبعد الإعدام، نجحوا بمساعدة العالم في الحفاظ على حياة بوحيرد رغم تعذيبها الوحشي في سجون الفرنسية.

ربما سمعنا عن أغرب حكايات الزواج عبر الكون، لكن نادرا ما نسمع عن محامي لم يهدئ له البال حتى أنقد موكلته من وحشة السجون والإعدام، ليحملها إلى قلبه ويقدم لها العالم كله باسم الحب
ربما سمعنا عن أغرب حكايات الزواج عبر الكون، لكن نادرا ما نسمع عن محامي لم يهدئ له البال حتى أنقد موكلته من وحشة السجون والإعدام، ليحملها إلى قلبه ويقدم لها العالم كله باسم الحب
 

فراشة الثورة خرجت من السجن قبل الاستقلال وعادت إلى الجزائر، لكن علاقتها لم تنقطع مع محامي الشيطان، محامي رعب، لم يحصل أن أنجب العالم محامي قوي مثله، محامي الذي أذهل العالم، وقصته سجلتها كل الأقلام عبر العالم حينما وقع في غرام موكلته، فكان هذا الانحناء للحب والغرام بمثابة أكبر حدث وقع في الثورات التحريرية الإنسانية في القرن الماضي.

 

كم هو جميل رده حينما سألوه بعد سنوات عن قضية حبيبته وزوجته جميلة بوحيرد قائلا، لو أعدمت جميلة كنت سأقتحم مكتب الجنرال ماسو أو بيجار وأقتلهما، لم أكن أتصور موتها، فحياتها هي التي جعلتني اليوم متصالحا مع نفسي، علاقة حب كانت بدايتها زواج ولم تنتهي رغم الطلاق الذي حدث بينهما، فمثلا جميلة كانت تحتفظ باسمه على باب بيتها في عمارتها البسيطة وسط مدينة الجزائر، وهو لم يقطع علاقته الإنسانية معها، لم يكن الطلاق بمثابة طاعون غير الأوعية الدموية لهذا الحب، وإنما تحضر والثقافة والوعي جعلهما يتفقان في تربية ابنيهما مريم وإلياس رغم بعد المسافة بين باريس والجزائر.

ستظل هذه الحكاية موجودة في التاريخ ولن يستطيع أن يمحوها أحد مهما كانت قوته، ربما سمعنا عن أغرب حكايات الزواج عبر الكون، لكن نادرا ما نسمع عن محامي لم يهدئ له البال حتى أنقد موكلته من وحشة السجون والإعدام، ليحملها إلى قلبه ويقدم لها العالم كله باسم الحب، صدق من قال أن الحب يغير الكون مهما تكون شخصيتك قوية ديكتاتورية سيأتي يوما عليك فيه تنحني باسم الحب إلى فراشة تجعلك تبحث عنها في كل مكان ولن تهدأ حتى تفتح لك قصر قلبها، الحب يصنع المعجزات ويغير الأسود مهما طال بقائه إلى نقطة نور، تلك النقطة التي تغير الإنسان كليا لتجعله يعيش في قصر الحب، وها هو التاريخ قد كتب حب مستحيل بين مناضلة قادمة من الجزائر لا تعرف أحد إلا الاستعمار الغاشم، ومحامي قوي سخر نفسه من أجل الدفاع عن القضايا الحساسة والصعبة، فجمع القدر بينهم في المحاكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.