شعار قسم مدونات

ألكسندر بوشكين.. الذي يشبهنا في حبه!

blogs بوشكين

أبحرت كثيراً في الأدب الروسي الذي أحبه لأنه يُجيب عن استفسارات وصراعات داخلية كثيرة في الحب والحياة.. لطالما أتأثر بما أقرأه عن مجموعة كبيرة من الروائيين العظماء في هذا الأدب وأبحث في نصوصهم عّن ما أسقطه على الواقع الذي أعيشه فالواقع الحالي لي أجده يشبه تلك الرسالة التي كتبها "بوشكين" إلى حبيبته "نتاليا غونشاروفا" والتي كانت قبل سنين طويلة في عام 1830م. والتي قال فيها:

 

"أنا هنا مسجون في بولدينو وممنوع من دخول سانت بطرسبورغ. بحقّ السماء يا ناتاليا نيكوليفنا اكتبي إليّ حتى لو لم تكوني تحبّين ذلك. أخبريني أين أنت؟ هل غادرتِ موسكو؟ هل من طريق يقودني إلى قدميك؟! أشعر بالإحباط، وأنا حقّا لا أعرف ما أفعل. من الواضح أن زواجنا لن يتمّ في هذه السنة الملعونة. لبولدينو هواء الجزر الصخرية. لا جيران هنا ولا كتب. الطقس مخيف. أقضي وقتي في التدخين والخربشة"

– من رسالة ألكسندر بوشكين إلى ناتاليا غونشاروفا، 11 أكتوبر 1830م

بعد قراءة هذه الرسالة المليئة بالشوق والحب والأمل لوجود من محب بقربنا نشعر بالنشوة التي تجعلنا نتمسك بالحياة إلى آخر رمق لنكسر الحواجز ونتمرد على العادات البالية التي شوهت كثيراً ومنعت كثيراً من الناس في أن يكونوا تحت سقفٍ واحد. فلنتمسك بمن نحب إلى آخر قطرات دم تجري في عروقنا لنحبهم بكل ما فينا من نفس ومن حياة فالحياة الجميلة تُقاس بالسعادة التي نشعر بها بالقرب ممن نحب.

علينا أن لا نستسلم لظروف الحياة وللبشر المحبطين الذين يكسرون عزيمتنا في آرائهم الهدّامة سواء في تحقيق حلم معين أو هدف أو حتى حب نسعى للوصول إليه

بوشكين يشبهنا يشبه داخلنا كثيراً فلطالما منعتنا الجسور والحواجز الحجرية منها والإنسانية كذلك من الوصول إلى من نحب، منّا من استسلم في منتصف الطريق والبعض الآخر لم يصل والبعض القليل عندما وصل وجد أنه يُطارد غيمة لا تقف عند مكان معين فقد أصبحت سراب لا يمكن الوصول إليه. بوشكين لم يستسلم عندما تم حصاره في بولدينو بل بادر في كتابة هذه الرسالة لمحبوبته لأنه لم يجد الحرية والأمان إلا بالقرب منها وأن يكون معها لكي يتزوجها.

أغمضوا عيونكم قليلاً ولتتخيلوا ذلك المكان المليء بالحرب وصوت الرصاص والمكان مغلق من كل الجهات ولا يمكنك الهرب فالموت لك بالمرصاد وكل ما تملكه ورقة وقلم لتكتب لحبيبتك التي وجدت فيها الحرية من كل القيود والرصاص وتقول لها بأنك بحاجتها وأنها هي كل ما تملك بالحياة. هذا الشعور العظيم الذي نستلهمه من هؤلاء الأدباء يجعلنا نُسقط هذا على واقعنا، المحاصرين فيه بالعادات والتقاليد والأديان، فالحب ممنوع، ممنوع، ممنوع، فقط لأنك تجرأت على الحب فما يريده هذا الواقع هو أن تستسلم له لتكون ضمن القطيع ولكن علينا دائماً أن نتمسك بمن نحب رغم كل هذا الحصار الأزلي من عاداتنا وتقاليدنا التي تجابه الحب بالقتل والنفي.

علينا أن لا نستسلم لظروف الحياة وللبشر المحبطين الذين يكسرون عزيمتنا في آرائهم الهدّامة سواء في تحقيق حلم معين أو هدف أو حتى حب نسعى للوصول إليه، علينا أن نقبض على حبنا ولا نتركه مشاعاً للظروف والعادات والتقاليد لكي تحاصره وتخنقنا العبرات عند الوداع فالألم لن نشعر به إلا عندما يغادرنا من نحب أمام أعيننا ولا يمكننا الاقتراب منه أو حتى معانقته. لن يأخذ أياً منّا نصيبه في هذه الحياة من الحب ليس لأن اختياره مستحيل وصعب وإنما لأن الحياة لن تعطيك كل شيء بنفس المقدار لا بد لها أن تعذبك في مرحلة من مراحل الحياة فالسعادة تكمن بين تفاصيل العذاب. لذلك نشعر بالفقدان والألم والانهيار وسحابة سوداء تملأ حياتنا عندما لا نستطيع المحافظة على ذلك الحب الذي منحنا السعادة.

فلنملأ هذه الحياة بالسعادة والحب والابتعاد عن الفراق والكره فهذه الحياة تستحق منّا الكثير فوجوه السعادة تكون كما عمل به بوشكين وهو التمسك بالأمل رغم الظروف القاتلة والحرب الطاحنة . اجعلوا حياتكم مليئة بالحب ولا شيء سواه فهو الملاذ الآمن لتحقيق السعادة الحقيقية من داخلنا فلن يمنحنا أحد السعادة إلا بوجوده بقربنا سواء بجسده أو ذكرياته أو أطلاله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.