شعار قسم مدونات

أمتنا وشعور الفأر في المصيدة!

blogs أعلام الوطن العربي

كشفت أزمة الليرة التركية مدى العجز والهوان والفشل الذريع الذي تلبست به أنظمة عربية وإسلامية في تعاملها وعلاقتها بالأمريكان، فعند عقد المقارنة بين موقف تركيا اليوم، تركيا الطيب أردوغان وبين موقف أنظمة عربية وإسلامية مرت بنفس الحالة أو ما يشابهها، نجد بوناً شاسعاً بين تركيا التي تقف على قدمين ثابتتين وتواجه حرباً اقتصادية شرسة وبين من خر راكعاً لهمهمات أطلقها أشيب أمريكا، هذا الفرق الشاسع بين التعامل التركي والخضوع الذي تلبست به بعض الأنظمة العربية والإسلامية، يدعونا لوقفة تأمل ونظرة فاحصة لطريقة تفكير الخاضعين الخانعين تجاه الأمريكي الذي يريد أن يهش العالم بعصاه وكأنه يهش غنماً ورثها عن أبيه.

 

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والذي كان يعرف باسم اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية وذلك في السادس والعشرين من ديسمبر لعام 1991م، انتهت ما عرفت تاريخياً باسم الحرب الباردة وهي حرب نشأت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي من منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت تظهر الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي على الرُغم من قتالهما سوياً ضمن قوات الحلفاء ضد قوات المحور، حيث اختلفا على كيفية إدارة ما بعد الحرب وإعادة تشكيل العالم، فقد شهدت الحرب الباردة تنافساً بين هاتين القوتين في مجالات عدة منها: تكوين التحالفات العسكرية، ومجال تطوير الأسلحة، وكذلك مجال التقدم الصناعي والتطور التكنولوجيا، وحتى شملت الحرب الباردة أيضاً التسابق الفضائي.

 

وبانتهاء الحرب الباردة ترسخ لدى الكثيرين ممن يقود أمتنا الإسلامية أن الأمة قد دخلت المصيدة الأمريكية وأنه لا فكاك منها وهنا نبت وترعرع شعور الفأر في المصيدة، حيث يدور الفأر حول نفسه في المصيدة ويرطم رأسه بذا الجدار وذا الجدار من جدران المصيدة عله يجد مخرجاً وهنا يفعل به صاحب المصيدة ما يحلو له، فيا أمة الإسلام لستم فئراناً ولا قدرة لأحد على اصطيادكم، ولكم في تاريخكم العبرة والعظة فكم دولة اكتسحت العالم وانتهت على يدي المسلمين بداية من الروم والفرس ومروراً بالمغول والاتحاد السوفيتي الذي كان لهزيمته في أفغانستان أثر كبير على تفككه بالإضافة إلى ما كانت تحيكه الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي. وبناء على هذا كيف يكون الخروج من هذه الحالة؟


الرابطة التي يمكن أن تجتمع عليها هذه الأمة هي رابطة الإسلام، فلا تأليف بين المسلمين إلا بالإسلام ولا اجتماع لهم إلا تحت رايته، مع احترام العرقيات والإثنيات ولا تعارض في ذلك

إن الخروج من الأزمة التي تعيشها الأمة أمر ليس بالسهل ولكنه ليس مستحيلاً، فلكم مرت الأمة بحالات من الاضمحلال ثم عادت عزيزة، كريمة، مرفوعة الرأس، وهناك نقاط أود طرحها عليكم في محاولة للتفكير بصوت مرتفع علنا نلتمس طريق العزة الذي افتقدناه:

التخلص من وهم دخول المصيدة الأمريكية:

إننا بحق نملك خيارات أخرى لا يمكن لأمريكا أو أي قوى عالمية مواجهة عالم إسلامي متحد لا من حيث الحروب العسكرية ولا الحروب الاقتصادية ولا الحروب النفسية، فمن الناحية العسكرية تملك الأمة أسلحة ردع نووية كما يملك أعدائنا ولدينا القدرة على التطوير فلا تخلو الأمة من العقول المبتكرة والرائدة، ولا مشكلة من تكوين التحالفات العسكرية مع أمم أخرى فأعداء أمريكا كثر بقدر إجرامها الذي أجرمته في حقق الأمم، ومن ناحية الحروب الاقتصادية فقد وهب الله الأمة من الموارد الطبيعية ما يمكنها من الاكتفاء الذاتي في أمور كثيرة، أما الحروب النفسية فهذه هي الأخطر والأشد إذ لابد من يقظة وإدراك لأساليب الحرب النفسية وقد شُنت علينا حروب نفسية قاسية ينبغي علينا أخذ الدروس والعبر منها حتى نستطيع التغلب عليها في المستقبل، وأنا هنا لا أدعو إلى شن حرب على الولايات المتحدة لكني أبين وأوضح أن للأمة خياراتها إن لوحت الولايات المتحدة بخيار الحرب عسكرية كانت أو اقتصادية أو نفسية.

 

آلية التوحد هي الجامعة الإسلامية:

الرابطة التي يمكن أن تجتمع عليها هذه الأمة هي رابطة الإسلام، حيث يقول الله – عز وجل- : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فلا تأليف بين المسلمين إلا بالإسلام ولا اجتماع لهم إلا تحت رايته، مع احترام العرقيات والإثنيات ولا تعارض في ذلك، فالأمة أمة واحدة بعربها وتركها وفُرسها وكردها وأمازيغها، الجميع تربطه رابطة واحدة هي الإسلام وقد فتح الصحابة هذه البلاد فما استبدلوا لغة قومها بل هذبوا ثقافاتهم وفق المنظور الشرعي الإسلامي فكان أن دخل الناس في دين الله أفواجاً، والآن تعيش الأمة حالة من التمزق والتشرزم  وعدوات وثارات بين بلدان المسلمين تكاد تجعلهم أشد عداوة لبعضهم البعض من عداوتهم لعدوهم الأصلي، وكل ذلك منشأه الضغائن التي زرعها الاستعمار بالإضافة إلى النظرة الضيقة التي يتعامل بها كل بلد إسلامي على حدة، فلا بد أن تكون النظرة ذات أبعاد استراتيجية تراعي البعد الزماني والمصلحة العامة لا المصلحة الفردية لأن المصلحة العامة هي الأنفع والأبقى.

 

أما بالنسبة للديانات الأخرى فلدينا تاريخ مشرف من التعايش والتكامل في ظل دولة الإسلام ولم تظهر المنغصات إلا في وجود الاستعمار الغربي الذي أحدث الوقيعة بين مكونات الأمة حتى يسهل تفتيتها، فأصحاب الديانات الأخرى هم جزء من الحضارة الإسلامية العريقة.

 

البدء بنبذ الخلافات العقدية والطائفية والمذهبية بين أبناء الأمة:

فلابد من وقف الحروب المذهبية وبيان أن اختلاف الفقهاء والعلماء هو رحمة للأمة ولابد من تأصيل روح التسامح والتحاب في الله – سبحانه – في ضوء قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ((لا تحاسَدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا – عباد الله – إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يظلِمه، ولا يخذُله، ولا يكذِبه، ولا يحقِره، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضه)) رواه مسلم.

 

ويجب أيضاً بيان أن للاختلاف أنواع سطر فيها أهل التخصص كتباً وأبحاثاً ليست بالقليلة فهناك اختلاف العبارة (الخلاف اللفظي) ومعنى الاختلاف في العبارة: أن يعبر كل من المختلفين عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، أو ما يرجع فيه الخلاف إلى التسمية والاصطلاح الفقهي، وقد تختلف الأعراف في تسمية الأشياء فعند قوم باسم، وعند آخرين باسم آخر، فينقل الأمر على أنه اختلاف ومن أمثلة ذلك: نقل الخلاف في تعريفات كثير من المصطلحات الفقهية أو الأصولية، فكثيرا ما يكون الاختلاف لفظياً وليس حقيقياً، وهناك اختلاف التنوع، واختلاف التضاد، وهناك تقسيم للاختلاف باعتبار أغراضه ودوافعه: خلاف أملاه الهوى، خلاف أملاه الحق ودفع إليه العلم واقتضاه العقل، خلاف يتردد بين المدح والذم، وهناك تقسيم للاختلاف بحسب محله (أي الشيء الذي وقع فيه الخلاف): الاختلاف في الأصول والقطعيات في الشريعة الإسلامية وهذا القسم لا مجال للخلاف أو الاختلاف حوله؛ لأنه لا يقبل الاجتهاد، وصاغه الشارع صياغة جازمة، فضلا عن عدم قبول الخلاف فيه.

 

ويندرج أيضاً تحت أقسام الاختلاف بحسب محله:  الاختلاف أثناء الحروب وقيام المعارك، الاختلاف في الفروع، وهناك أقسام للاختلاف بحسب جدواه: اختلاف ليس له فائدة ولا ثمرة، الخلاف المثمر عملا، وهناك أقسام للاختلاف من حيث اعتباره وعدم اعتباره: الاختلاف المعتبر ( السائغ)، الاختلاف غيرالمعتبر ( غير السائغ ) وقد أطلت في تناول هذه النقطة لبيان مدى عمقها وحاجتنا لدراستها دراسة فاحصة وعلى العموم هناك بحث جيد للغاية في هذا الباب للأستاذ الدكتور عطية فياض أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر.

القضاء على هوس التكفير والتشريك والتفسيق والتبديع:

فينبغي أن يُعلم شباب الأمة علم الأسماء والأحكام ويبصر بخطورة التكفير ويعلم أن إطلاق لفظ الكفر على المعين لابد له من توفر شروط وانتفاء موانع، ومن المهم جداً أن نضع نصب أعيننا قوله – صلى الله عليه وسلم – (مَنْ صَلى صلاَتنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلا تَخْفِرُوا اللهَ في ذِمَّتِهِ) رواه البخاري، ومعنى (فلا تخفروا الله في ذمته) أي فلا تنقضوا عهد الله فيه، ولا تخونوه بانتهاك حقوقه، فإن أي اعتداء عليه هو خيانة لله ورسوله، ونقض لعهدهما، وإهدار لكرامة الإسلام.

 

المغرب والجزائر بينهما صراع محتدم فالنظام في الجزائر يدعم راغبي الانفصال في الصحراء المغربية والنظام المغربي مسؤول عن بعض القلاقل في الجزائر
المغرب والجزائر بينهما صراع محتدم فالنظام في الجزائر يدعم راغبي الانفصال في الصحراء المغربية والنظام المغربي مسؤول عن بعض القلاقل في الجزائر
 
التخلص من المشكلات البينية بين الأقطار الإسلامية:

في هذه النقطة لابد من إيضاح أمر هام هو أن حكام المسلمين ليسوا سواء فمنهم من بلغ حد العمالة لقوى الاستخراب العالمي فهذا ميؤوس منه، لا أمل في تواجده في الصف الإسلامي المراد تشكيله، ومنهم من قصرت بصيرته واستسلم لإملاءات قوى الخراب ورضخ لشروطهم وهو ينتظر الفرصة للانعتاق منهم، وهذا ينبغي أن تمد له يد العون والمساعدة، والصنف الثالث هو الذي يسعى بكل جد واجتهاد لإحياء مجد الأمة وهم قلة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

 

وينبغي أن ندرك أننا لم نكن في يوم كتلة صماء وإنما لابد من وجود شذوذات فمنذ عهد الخليفة أبي بكر – رضي الله عنه – وظهرت فتنة الردة ووقعت ما عرفت في التاريخ بحروب الردة وأثناء الخلافة الأموية كان هناك من لا يعترف بها ويعلن دولته باستقلال تام عنها وكذلك الخلافة العباسية والعثمانية، وهنا الفرق عما سبق ما أدعو إليه رابطة أو تجمع يمثل لوبي قوي يستطيع التأثير في العالم بصورة تخدم مصالح الأمة وقد شرحت هذه الفكرة باستفاضة في مقال وقد عنونته بهذا العنوان (هل يسعى أردوغان لإقامة الحكومة الإسلامية العالمية بديلاً للخلافة؟).

 

والمشكلات البينية بين الأقطار الإسلامية كثيرة وبعضها معقد فالمغرب والجزائر بينهما صراع محتدم فالنظام في الجزائر يدعم راغبي الانفصال في الصحراء المغربية والنظام المغربي مسؤول عن بعض القلاقل في الجزائر، وعلى صعيد آخر دول الخليج العربي وما حدث بينها غير خافٍ على أحد، وهناك مصر والسودان ومشكلة حلايب وشلاتين والمثلث الحدودي بينهما والكثير من المناوشات السياسية التي تحدث بين الحين والآخر، وهناك الباكستان وبنغلاديش وما بينهما من ضغائن سياسية أثرت بقوة على علاقة الشعبين المسلمين الكبيرين، فبعد أن كانت الباكستان وبنغلاديش دولة واحدة حدث بينهما ما حدث وانفصلتا وتراكمت الضغائن السياسية، وكذلك ماليزيا وسنغافورة، والكثير الكثير مما لا يتسع المجال لذكره، مع كل هذه الأمور يبقى أن ضرورة التوحد ستجبر الجميع على التنازل لبعضه البعض. وإلى لقاء آخر نكمل فيه حديث الخاطر حول تصورات الحل لأزمة الأمة ولا أظن أنه سيكون المقال القادم لأني أرغب في تناول موضوع آخر لكن لعله قريب إن شاء الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.