شعار قسم مدونات

صانعة السعادة والأمل التي هزمت السرطان!

blogs سرطان

صديقتي التي انتصرت على السرطان ذلك الصديق الذي يحشر أنفه في حياتنا رغماً عنا ذلك الصديق الذي نسميه صديق لكي نتعايش معه رغماً عن هذه الحياة البائسة.. هي زهرة نبتت في أرض الجنوب ولأن الجنوب أرضٌ عصية على الانكسار فقد كانت لمى هي الجبل الذي يجابه هذا المرض وتنتصر عليه رغماً عّن أنفه، لقد زارها في ليلةٍ صافية وكأنه ذلك الغادر الذي يغدر عندما ينام الناس ويرقدون مع أحلامهم.. زارها وهي على مقاعد دراستها وأستمر مصاحباً لها أعوام كثيرة كانت تذهب إلى تلك الغرفة المليئة بإشعاعات العلاج لكي تهاجمه بجرعة من جرعات العلاج لتجعله يتوقف عن التسلل إلى أنحاء جسمها كانت تنتصر عليه في كل مرحلة من مراحل العلاج بالإيمان القوي والابتسامة الطاحنة التي تجعله يأكل نفسه بنفسه كانت تُصر دائماً على أن تكون بكامل أناقتها وشياكتها أثناء العلاج لكيلا تسمح له بأن يراها ضعيفة أو منكسرة أو مستسلمة.

 

لم تتوقف عند هذا الحد فأكملت دراستها ونجحت وأكملت حياتها وأبدعت وتفوقت بأنها أصبحت صانعة للأمل والفرح لمن حولها سواء من الذين يدعمونها من أهل وأصدقاء أو بصناعة الفرح والأمل لمن يعانون من نفس المرض من شباب وأطفال ونساء وشيوخ أصبح لديها خليط كبير من جميع فئات العمر ممن يحبون متابعتها والحديث معها وشحن الروح بالمعنويات العالية من خلالها، لقد كانت ملهمة لكثير من أبناء جيلها وخاصة الفتيات اللواتي لا يعترفن إن واجهتهم هذه العقبات بالحياة.

 

تلك الإنسانة هي من صنعت الحياة لذلك تستحق أن تعيش وتحلم وتبني أسرة جميلة وتروي لأطفالها قصص كثيرة عن التحدي والحب والحياة والأمل

لو كان السرطان يتحدث لخاف كثيراً منها لأنها على مدار أعوام كانت تحاصره وتهاجمه بين الفينة والأخرى تعايشت معه وقررت أن تقضي عليه لا أن يقضي عليها.. تلك السمراء الجميلة والتي تشبه قلعة الكرك بصمودها لم تكن لقمة سهلة لهذا المرض لأنها عرفت كيف تنتصر عليه ومن خلال ما تقدمه للمرضى الذين يعانون منه أصبحت هي بئرٌ لا ينضب من العطاء المستمر والأمل الدائم لهم في كل يوم تذهب لزيارة أحد أصدقاءها اثناء علاجه تكون مليئة بالسعادة عندما تجعله يضحك أو يبتسم تخلق من روحه السعادة رغماً عنه لتجعله ينتصر على هذا المرض اللعين بالرغم من ذلك الألم الذي ينهش جسد من نحب ولكن لا بد دوماً أن نصنع الحياة ولا نصنع الموت فهي صانعة للحياة لمن حولها بكل ما تعنيه الكلمة.

 

فهي تشبه ذلك النص الذي كتبه يوماً ما الكاتب الروسي العبقري "أنطون تشيخوف" عندما قال: حتى المرض يصبح محبباً عندما تعرف أن هناك أشخاصاً ينتظرون شفاءك كما ينتظرون العيد. فهذا فعلاً سر من أسرار انتصارها عليه أن أصبح محبباً لأنها وجدت في عيون من حولها كثيرون أرادوا أن ينتظروا شفاءها منه.. وهذا هو سر الإلهام الذي تمنحه للآخرين في حب هذه الحياة الزائفة لطالما التحدي والابتسامة والنقاء هما ذلك السر العظيم في قلب تلك الجنوبية الجميلة ومن خلال هذا القلب الذي صنع المعجزات للآخرين ولها كان هو الأساس الذي تستند عليه في تعلقها في الحياة والإصرار على أن الإرادة هي السلاح الذي يقوى من خلاله الإنسان على تحديات هذه الحياة من أمراض وعثرات وخيبات متتالية.

 

لم أقابلها يوماً إلا وجدت فيها تلك الطاقة الإيجابية التي لا تنضب وفِي عيونها ذلك السحر المجبول بلمعان نجوم الجنوب بصحرائه العميقة، تلك الإنسانة هي من صنعت الحياة لذلك تستحق أن تعيش وتحلم وتبني أسرة جميلة وتروي لأطفالها قصص كثيرة عن التحدي والحب والحياة والأمل، تستحق أن يكون لها مكانة في كتب الأمل ومناهجنا التي تدرس في مدارسنا ليس لأنها الوحيدة التي عانت من هذا المرض اللعين بل لأنها الوحيدة التي تمتلك الجرأة بالتحدث عن تجربتها المريرة في مجتمع لا يزال يخاف أن يتحدث عن أنفلونزا تصيبه! لمى الجميلة صانعة الفرح والسعادة تذكري دائماً ما قاله الشاعر الكبير "فاروق جويدة "وما زلت ألمح في رماد العمر شيئاً من أمل.. ذلك الرماد هو الذي جعلكِ تنتصرين على السرطان وتكوني ملهمة للآخرين فليحفظكِ الله يا صديقتي العظيمة المليئة بحب الحياة فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.