شعار قسم مدونات

ما لا تحب أن تعرفه عن ستيف جوبز!

BLOGS ستيف جوبز

تخلى عن ستيف جوبز أهله البيولوجيون واختاره أهله المتبنون، بحسب وصفه. مما أحدث صراعا في داخله لاحقه طوال حياته أثر على قراراته ورؤيته للأمور. في أجزاء من سيرته تحدث عن شعوره بأنه مختار ومميز، كما عاملته معلمته للرياضيات، كان مدلٌلا، ومتمردًا، وصانع مقالب جيدا، خلال سنوات دراسته! كان المختار واللقيط في آن واحد، ووفق أجزاء أخرى من سيرته الذاتية التي صاغها والتر إيزاكسون، وهو كاتب ومترجم سير ذاتية (كسيرة أينشتين وليناردو ديفنشي.)

 

تحدث جوبز في الكتاب عن معاناته من قضية ترك والديه له، وتجربته مع العلاج النفسي، والتصالح مع هذا الماضي. قد يكون هذا السبب وراء قسوة جوبز كثيرًا من الأحيان، كرفضه أن يرافقه أهله لأول يوم له في الجامعة، وهو ما ندم عليه لاحقًا. والمثال الأكثر بروزا هو عدم اعترافه بابنته ليزا وكما قالت أمها "الذي يُتْرَكْ يَتْرُك" من أسباب انكاره لقضية أبوته حتى بعد تحليل الحمض النووي؛ كانت علاقة جوبز المضطربة بالواقع "نطاق تحريفه" كما يصفه كل من عرفه. فكان يدرك الصواب مع ذلك يفضّل خلق واقع موازي.

 

في مجال العمل ف"تحريفه للواقع" كان نعمه ونقمة في آن، فقد كان يطلب طلبات شبه مستحيلة ويقنعهم بإمكانية تحقيقها، وجاء ذلك بنتائج جيدة بقدر ما سبب توترا لفريق عمله. بالرغم من ذلك كانوا يمزحون فيقولون: "ما الفرق بين أبل والكشافة؟ أن الكشافة يوجد عندهم مشرفين" أي أن الجميع يستطيع النقد والتعليق والمقاطعة كالأطفال الصغار. من الجانب الطفولي في جوبز إنه كان دائم الانفعال حتى أنه كان "أحيانا ينفجر بكاءً في الاجتماعات عندما يعبر عن استيائه". علاوة على ذلك، كان يتعامل بمزاجية مع الموظفين ويتلاعب بمشاعرهم فيعامل مجموعة منهم بلؤم، وبصراحة شديدة، يصف ما عملوا عليه "بالقمامة"، مع أنهم مهندسون متميزون وهو يعلم ذلك، إلا أن هوسه بالمثالية جعله كابوسًا لبعض موظفيه. في المقابل يعامل آخرين على أنهم عباقرة وقد يعكس تعامله حينًا آخر!

   

    

هكذا تعامل ستيف جوبز مع الحاضر يحرفه ويتلاعب به، أما عن المستقبل فستيف جوبز يعيش فيه وقد تبلور ذلك في إعلان أبل الذي عرض في "السوبر بول" عن جهاز حاسوب ماكنتوش عام 1984، واعتبر بحسب "تي في غايد" أفضل إعلان. مع أنه قوبل بالرفض من مجلس إدارة أبل؛ لغرابته. يبدأ برياضية تركض حاملة مطرقه في نهاية الإعلان ترميها لتحطم شاشة كبيرة، لتعلن انتهاء حقبة معينة وبدأ فصل جديد تقوده أبل.

    

غير هذا الإعلان طريقة إعلانات الـ "سوبربول" للأبد. وذلك لأن جوبز وثق بخياره وأصر على عرض الإعلان الذي تحدثت عنه الصحافة لأيام. أتقن جوبز فن التلاعب في الإعلام مع أنه لم يعتذر عن إهانته لصحفي، أو وصف مقالاته بالـ "هراء". كان يعي بشدة قوة الإعلام، ويتفنن في خلق الإثارة عند إطلاق كل جهاز لأبل، من حاسوب ماكنتوش إلى الآيباد عام 2010 والآيفون… ويهز خشبة المسرح ويهلل له الجمهور.

   

غيرت أبل العالم على يد ستيف جوبز الابن البيولوجي لمهاجر سوري، قصة ستيف لن تتكرر. قد تقرأ سيرته وتشاهد خطاباته التحفيزية والأفلام التي أخرجت عنه دون أن تصبح مليونيرًا

مع ذلك فقد تسبب هوس جوبز بالمثالية بالكثير من الخسائر، كتخريبه آلة في المصنع فقط لأنه أراد تغير لونها. وسمى الموظفون الآلة "حماقة ستيف". وخطأ أكبر كان رفضه لوضع مروحة تبريد داخل حاسب ماكنتوش؛ لأنه يريد أن يكون الجهاز هادئًا. مما تسبب في فشل العديد من مكونات الجهاز. عناده كان أحد أسباب طرده من الشركة التي أنشأها من كراج والده. قد نرى في طرده نوع من الظلم قبل قراءة الكتاب، إلا أن ذلك كما وصفه البعض "أفضل شيء حدث له!"

  

واستطاع جوبز أن يعود إلى أبل بعد أن كان خلال الفترة السابقة لعودته شريكًا في شركة بكسار (من أهم شركات انتاج الأفلام في العالم تتنافس مع شركة ديزني) وساهم في انتاج فيلم "توي ستوري" مما عزز الجانب الإبداعي في شخصيته. وعندما عاد لأبل بعد فشل مدراء أبل وأميليو بشكل خاص، استطاع نقلها من شركة تريد ربح المال وبتشجيع من أميليو تبيع برامج تشغيل لشركات استنساخ تقدم أجهزة لا ترتقي لمستوى جهاز الماكنتوش، وهو أول ما عمل جوبز على إلغائه. في عودة جوبز الدراماتيكية تكمن الإثارة، بدايةً يعبر عن كرهه لأفكار مهندسي وموظفي أبل بكل صراحة. ومقته لاستخدام الموظفين لشرائح العرض عند طرح أفكارهم. أراد أن يرى حماسهم وأفكارهم الخلاقة، وطرد من لا يملكون حماسه. ثم صنع ما يمكن وصفه بأهم رسم بياني في عالم التكنولوجيا. رسم أربع حجرات لما يريد أن تبتكره أبل؛ واحدة لما سيصبح بعد ذلك "الآيباد".

 

أراد ستيف جوبز أجهزة مريحة بتفاصيل جذابة وهو ما وجده عند جونثن آيف أو كما يلقب جوني الذي وثق جوبز بذوقه وجمعتهم صداقة طيبة فقد جمع جوني بين التصميم الفني والتكنولوجي. الحواسيب وقبل الهواتف الذكية كانت لفئة صغيرة من الناس المهوسين بهندسة الكومبيوتر. دخلت أجهزة أبل لكل بيت، لا يهم عمرك، أو وظيفتك، أو مستوى تعليمك. فجوبز لا يبيعك حاسوبًا أو جهازًا إلكترونيًا بل يبيعك أسلوب حياة. "فكر بشكل مختلف" "think different" الجملة التي اختارها ستيف للدعاية بعد عودته لأبل.

   

كانت هذه سابقة في التسويق تستخدم الآن في كل شيء نسكافيه يجعل منك شخصا محبوبا، ريد بول يعطيك "جوانح"، كريم التفتيح ينهي العنف ضد الزوجة. عدا عن كون الإعلانات في الماضي أكثر عنصرية وأقل إبداعًا، لم تكن الإعلانات تشعرك بأنك شخص مميز. يقف الآن الناس على طوابير لأيام ليشتروا الآيفون. لتكون أبل أول شركة في تاريخ البشرية تتعدى المليارات وتصل قيمتها التريليون.

  

غيرت أبل العالم على يد ستيف جوبز الابن البيولوجي لمهاجر سوري، قصة ستيف لن تتكرر. قد تقرأ سيرته وتشاهد خطاباته التحفيزية والأفلام التي أخرجت عنه دون أن تصبح مليونيرًا. لحظة لا تتوقف عند هذه النقطة أبل لم تنجح بين ليلة وضحاها على غرار شركات أخرى وعلى عكس شركة سناب تشات مثلًا. وهناك مئات الشركات الناجحة في العالم العربي والمشاريع صغيرة وهناك الكثير من المقاييس للنجاح. جوبز قالها ببساطة "المجانين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون أن يغيروا العالم هم من يغيرونه" قد أحبه أو أكرهه، ولا أنكر أنني أنتقد جوبز مستخدمةً جهاز هو السبب في وجوده! انتظروا مقالا أكثر تحديدًا عن أسباب نجاح أبل والمزيد عن جنون جوبز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.