شعار قسم مدونات

هكذا احتفل المصريون القدماء بالعيد!

blogs نقوش فرعونية

كل عام وحضرتك بخير أيها القارئ العزيز، نعم.. احتفل المصريون القدماء بالعيد، كما نحتفل نحن الآن؛ فقد كانت لهم أعياد مثلنا، بل وتشابهت أعيادهم مع أعيادنا، فأعيادهم وإن كانت من الكثرة مما لا نستطيع حصره؛ إلا أنها تتشابه مع أعيادنا نحن المسلمين ومع أعياد الأخوة المسيحيين أيضاً؛ في ارتباطها بالمناسبات الدينية!  وقد حظيت الأعياد باهتمام كبير في أدبيات المصريين القدماء، مما يدعونا للتأمل والاعتبار، فها هو (حجر بالرموا) – الذي يرجع لـ 2500 سنة قبل الميلاد – يكشف لنا عن العديد من تلك الأعياد، كما تُتحفنا جدران معابد كوم إمبو وإدفو وإسنا ودندرة وأبيدوس بقوائم عديدة تحمل أسماء الكثير من تلك الأعياد.

 

وتنوعت أعياد المصريين القدماء؛ ما بين أعياد رسمية؛ كعيد السنة الجديدة وعيد الفيضان، وأعياد شعبية؛ تتعلق بفئة معينة أو مناسبة معينة كعيد الميلاد وعيد الزواج، وأعياد محلية؛ خاصة بإقليم معين أو مدينة معينة كعيد ميلاد المعبود المحلي وعيد انتصاره على عدوه. وتشترك هذه الأعياد في ارتباطها عندهم بالدين والعقيدة بشكل واضح، حيث احتفل المصريون القدماء بها من خلال تزيين المعابد واضاءتها وترتيل الأناشيد وتقديم القرابين والأضحيات، حيث تحتشد الجماهير ويتقدمهم الملك نحو قدس الأقداس يحمل بين يديه القرابين من لحوم، وزهور، وفاكهة، وطيور، ولبن، وعطور.

 

ففي مدينة طيبة (الأقصر حالياً) كان المصريون يحتفلون بعيد (انتقال المعبود آمون من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر)؛ حيث يخرج الموكب من معبد الكرنك بقيادة الكهنة الذين يحملون على أكتافهم قوارب ثالوث طيبة (آمون وموت وخونسو) – وقارب آمون لوحده كان يحمله ثلاثون كاهناً – يخرجون من قدس الأقداس بالمعبد حتى يصلوا إلى شاطئ النيل فتُوضع القوارب المقدسة على قوارب حقيقية في النيل وتُبحر بهم جنوبًا نحو معبد الأقصر، وتحتشد الجماهير على ضفة النيل الشرقية تغني وتُنشد للموكب، كما تحتشد معهم الكاهنات اللاتي يغنين الأغاني المُبهجة ويرتلن الأناشيد المُفرحة وهنّ يحملن الآلات الموسيقية، وبسبب الازدحام تقوم الشرطة بتأمين الموكب والجماهير، وعلى شاطئ النيل أمام معبد الأقصر تقف المراكب ويحمل الكهنة قوارب الثالوث على أكتافهم وتسير الجماهير خلفهم مغنين فرحين، وتقوم النساء بالرقص والعزف بالآلات الموسيقية، وعند الوصول للمعبد يقوم الملك بتقديم القرابين والأضحيات، وتظل الطقوس تُقام بمعبد الأقصر لمدة عشرة أيام قبل أن يعود الموكب مرة أخرى إلى معبد الكرنك بنفس الطريقة؛ حيث تُقام الاحتفالات هناك لمدة أحد عشر يومًا أخرى. والعجيب أن سكان الأقصر الحاليين لا يزالون يحتفلون بمناسباتهم الدينية بنفس طريقة القدماء، ففي ذكرى مولد (أبو الحجاج الأقصري) يتنزه زواره من خلال الوقوف على شاطئ النيل وعبوره بالمراكب المزدحمة على شاطئيه.

   

من الأعياد ذات الأهمية الكبيرة عند المصريين القدماء ما يُعرف بـ عيد (حب سد) أو العيد الثلاثيني، وفيه يتم الاحتفال بانقضاء العام الثلاثين لارتقاء الملك على العرش
من الأعياد ذات الأهمية الكبيرة عند المصريين القدماء ما يُعرف بـ عيد (حب سد) أو العيد الثلاثيني، وفيه يتم الاحتفال بانقضاء العام الثلاثين لارتقاء الملك على العرش
 

أما عيد (اللقاء الجميل) – هكذا كان اسمه – فقد كان المصريون يحتفلون به عندما يتحرك موكب المعبودة (حتحور) من معبدها بدندرة، حيث يحمل الكهنة مركبها – وحولهم الجماهير المحتشدة – ويتجهوا به جنوبا عبر نهر النيل حتى يصلوا إلى معبد إدفو حيث زوجها المعبود (حورس) لتقضي معه هناك خمسة عشر يومًا في لقاء جميل، وأثناء سير الموكب يتوقف عند مدينة (اسنا) حيث يُقدم حاكمها لمرافقي الموكب من الجماهير الغفيرة 500 رغيف من الخبز، و100 إناء من النبيذ، و30 كتفا من الماشية – فقد كان أهل إسنا ولا يزالون يُعرفون بكرمهم – وكان كلما أبحر الموكب جنوبا كلما ازداد عدد الجماهير، وأمام ادفو وعلى شاطئ النيل ينتظر حاكم إدفو – ومعه الكهنة والجماهير – موكب حتحور التي تحل عليهم ببهجتها فيزدادوا بهاءً وتألقا، فتُقدم القرابين وتُنشد الأغاني والتراتيل، وعند الوصول للمعبد؛ يصطحب المعبود حورس المعبودة حتحور بعيدًا عن أعين الجماهير فيقضوا معًا الأوقات الجميلة في سعادة وهناء، وتظل الجماهير محتشدة خارج المعبد يغنون ويرقصون لمدة خمسة عشر يومًا في انتظار خروج حتحور وعودتها إلى دندرة مرة أخرى!

 

ومن الأعياد ذات الأهمية الكبيرة أيضًا عند المصريين القدماء ما يُعرف بـ عيد (حب سد) أو العيد الثلاثيني، وفيه يتم الاحتفال بانقضاء العام الثلاثين لارتقاء الملك على العرش، حيث يظهر الملك وهو على عرشه في كامل قوته، والجماهير حوله فرحين مستبشرين منتظرين كلمة الملك التي يعدهم فيها بعيد ثلاثيني جديد ملئ بالرخاء والازدهار، ويُبرهن لهم ذلك من خلال إعادة بناء بعض مقاصير المعبد بالذهب والفضة والأحجار الكريمة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.