شعار قسم مدونات

لحظة أن تعمل لله!

blogs الإحسان، العمل لله، نبتة صالحة

هل جرّبت يوما أن تعود لبيتك منهكَ الجسد، حيَّ الروح؟ هل عشتَ يومًا لحَظات ترى اشتعال الروح يحرق كلّ ألم جسديّ قد يمر بك؟ لعلك ارتأيت يومًا أنّ التعب الجسدي يهوْن عند قبْض الأجر أو المُكافأة على هذا التعب! لكن هل تخيّلْت يوما أن تكون المكافأة ازدياد روحانيات فقط!!، كأن تكون عَطِشًا حدّ الموت فترتويي قُرْبا حدّ الحياة.. كنت أتصفّح صفحات الفيس بوك في إحدى الليالي، فوجدت منشورًا على صفحة إحداهن تقول فيه: "آثار التعب والألم والسهر التي تراها في ملامحي، إنما هي نتاج عملي مع اللّه وسهري لأجل دين اللّه! لا يهمني إن كرهتها فيّ، حسبي أن اللّه يحبها".

 

تطوف بي الذكريات بعيدًا إلى زمن كان العمل لله هو نبراس هذه الحياة وسببًا لاستمرار الشغف فينا، لا لجاه ولا لمال، فقط لله. درب طويل شاقٌّ ومميت إن لم تُحسن فيه المسير، وإن لم تجدّد في خطواتك نيّتك في كل لحظة، فهو طريق الوصول إلى الهدف المنشود، "الجنة"، للعمل مع الله أو لأجل الله طعم -يا دام عزك- إن تذوّقته لن ترى للكون طعمًا دونه، وكأن النور الذي يتسلّل إلى قلبك من بين كل ذاك الركام لتصل، وليس الطعم حلوًا جميلًا، لا والله بل هو علقم على طالبي الدنيا، أشهى من العسل على طالبي الجنان. 

حين تصل روحك لمرحلة الاتصال الدائم بالعمل، ستجد أن الجنة وُجدت على الأرض، في حلقة من الذكر تقوت قلبك على ترانيم تسبيحها أو سيل من الدعوات ترتوي فيه روحك قبل عقلك، أما مشاعر الإخاء التي بينكم ستظنّ للحظة أنكما اجساد عديدة بروح واحدة، كجلسة لأطفال يتعلّمون القرآن حديثًا، فتجد أحدهم يعلمهم سورة الفاتحة كبداية لتعلم الصلاة وكأنه ملك أرواحهم جميعًا وقد ضمّها إلى روحه لتلتقي في جلال الحب وملكوته، أو كاجتماع قلوب لشباب اشترَوا الآخرة بحبهم في الله.. أو كرجل وجد كلّ الراحة في أخ له يخبره أنه أخوه فلا يبتئس.

الإحسان أن تبقى صامدًا تبحث عن الجنة بين ابتسامة طفل، أو إعالة فقير، أو مسح دمعة مظلوم، الإحسان أن تبقى تبحث عن روحانية فقدت في زمن المادة

إن الناظر الى الجمال الأخوي تجد أن الحديث يكون حديث أرواح ،والاتصال اتصال أرواح ومن ثم الحب حب أرواح ،في عالم يرفض المادة بكل تفاصيلها لا يعترف بأي مضمون لا يحوي الروح يضمها ضما ، يؤويها في زمن مليء بالخذلان، فكان هو الجمال السرمدي ، كان هو النور الذي يبصره الروح فينشر الضياء في جل تفاصيل الحياة ،تشرق الروح إشراقة الأمل المنشود في نصرة الدين ،في خدمة الله ، في البذل لله. قال تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"، ألا تمس هذه الصورة قلب كل من عرف معنى الصبر والاصطبار على الطاعة ،حين تصبح الطاعة أسلوب حياة ،وأسماها حين يكون الحب عبادة ، وكأن يد حانية تمد إلى قلب كل من ينضم إليك فتكون وكأنها قلوب تآلفت على الحب حتى باتت قلبا واحدا. وقال تعالى: "وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"، هنا تكمن الرواية الأصعب هنا الألم الدنيوي في هذه الدنيا.

ولأننا في دنيا عابرة لا استقرار لجمال فيها، تجد نفسَك فجأة فاقدًا لكل ذاك حين تنغمس في ملذّات الحياة، تصل إلى مرحلة الحرمان من لحظة انتهاء تلك المرحلة من حياتك لتعود إلى عالم -أقلّ ما يُقال عنه- أنه قاحلٌ خالٍ من أيّ روحانية كانت، وذاك التحدي الأصعب لتثبت أن عملك وتعلّقك لم يكن نزوة عابرة، بل نظام حياة. في ذاك الوقت، سيتحتّم عليك أن تكسر كل قيود روحك وقلبك، وفكرك، أن تحلّق عاليًا باحثًا عن جنة أخرى تتمسك بأثر ما حملت معك من ذاك العصر، ثم تمضي باحثًا عن عمل جديد وحلم جديد لله.

حينها ستعلم أن الله معك في كل عمل تصنعه في كل دعوة رويتها من ماء قلبك، ستعي جيّدًا أن البذل لا ينحصر في بقعة معينة أو فكرة محددة، كل ما ينهض بالفرد هو عمل لله، كل ما يقوي روحك هو لله، كل ما يصحّح مفاهيم هذه الأمّة هو لله، وتبقى المعادلة الأصعب "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا". الإحسان أن تبقى صامدًا تبحث عن الجنة بين ابتسامة طفل، أو إعالة فقير، أو مسح دمعة مظلوم، الإحسان أن تبقى تبحث عن روحانية فقدت في زمن المادة، الإحسان لان تكون كلك لله، الإحسان أن يجتبيك الله لأمر عظيم. كيف حال قلبك يومها.. لك أن تتفكّر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.