شعار قسم مدونات

عن الأوقات الصعبة..

blogs - يأس

من منا لم يمر بتلك الأوقات المجهدة نفسياً المرهقة عاطفياً، تلك الأوقات تدفعنا لمراجعة حساباتنا مع أنفسنا وكذلك مراجعة علاقتنا مع الآخرين، وربما تدفعنا حتى لقطع بعض الصلات الحميمة وإعادة ترتيب أولوياتنا ذلك لأن الحياة تدفعنا أحيانا لطرق مجهولة. في تلك اللحظات التي تكون عقولنا مشوشة تحاول إيجاد حل ناجع لعشرات المشاكل والهموم، ومعالجة تلك المشاعر المختلطة في آن واحد.

في تلك اللحظات التي نبحث فيها عن الهدوء والأمان، وليس ذلك الهدوء الزائف الذي يخفي تحت سطحه الهش قلقاً وخوفاً من المجهول، وليس عن تلك الراحة الزائفة أو مجرد أشخاص للثرثرة معهم. بل عن ذلك التواصل العميق مع شخص تتكامل معه، شخص تحدثه ويؤمن بك، يثق فيك ودائماً يتمنى لك الأفضل، ولا يملك عدة أوجه. شخص له جوهر واحد في تلك الأوقات القاسية التي سوف تدفعنا نحو التخلي عن مبادئنا والانزلاق نحو طرق تتلاشى فيها ملامح الإنسانية كلما توغلنا فيها. حين تتضارب مصالحنا مع مبادئنا في تلك اللحظات، حين نضطر آسفين للتخلص من علاقات كنا دائماً الطرف الخاسر فيها. نعم التخلي قرار صعب ولكن الاستمرار يسحق أرواحنا ببطء.

علينا ألا نشيح بوجوهنا بل أن نتأملها وندقق في تفاصيلها، ولنتعلم أن الدرس الذي نتجاهله، تكرره لنا الحياة حتى نتعلمه.

تلك الأوقات التي نضطر، فيها لمقابلة الوجوه الحقيقية خلف أقنعة النفاق، في تلك اللحظات نوقن أن السباعي لم يكن يبالغ فيه، وكان صادقاً في كل حرف خطه من أرض النفاق. في تلك اللحظات نؤمن أن العالم قاسي ظالم ونضطر لمواجهة كل الحقائق القاسية دفعة واحدة. ولكن كيف يمكننا مواجهة عالمنا القاسي؟ وكيف نحافظ على أرواحنا نقية من دنس هذا العالم؟ وهل التجاهل أو اللامبالاة هي الحل كما يحاول أن يقنعنا مارك مانسون؟ أم أن الهروب الذي يتخذ شكل الإدمان بشتى أنواعه كالمخدرات. بل وحتى إدمان الإنترنت وألعاب الفيديو يمكن أن يتخذ حلاً مؤقتاً لتخديرنا، إلى أن ينتهي دورنا في هذه الدنيا.

لست أجزم اني أملك أجوبة لهذه الأسئلة التي طرحتها، ولكني أسعى جاهدة لأصل لجزء من الحقيقة وحسبي بذلك قول الأديب الفقيه علي الطنطاوي في كتابه مع الناس (على المرء أن يسعى ويعمل و لكن ليس النجاح منوط دائما بالسعي و العمل) لنعلم أن لكل إنسان في هذه العالم يحصل على حصته أو حصتها من الحزن وليالي الأرق ولكن ما دواء القلب المحطم الوقت وليس غيره. قد يستغرق التعافي شهر.. عام.. عقد.. خمسين عاماً. لكن المهم أنه يحصل في نهاية المطاف. في رائعة جوستاين غاردر (فتاة البرتقال) يعطينا الكاتب نصيحة قيمة وهي أننا نستطيع تقاسم الأفراح و الأتراح، ولكن وحده الخوف هو الشعور الوحيد الذي علينا تحمله وحدنا .ولكن ما احتمالات أن نصبح عاجزين عن مواجهة الصعاب ربما يعتمد هذا السؤال عن عدد المصاعب التي كتب لكل منا أن يواجهها في حياته و يعتمد على عامل آخر وهو مدى قدرتنا على الصبر وقابليتنا، لتخطي مآسينا، ومحاولة الاستمرار في الحياة.

الألم نسبي والكراهية نسبية، الحب محدود وحياتنا على هذا الكوكب هي الأخرى محدودة بعدد من السنين مهما طالت ومن كانوا يدّعون أنهم سندنا في الحياة، سينهارون في أول اختبار، وسوف تدمع أعيننا عندما نرى الذين قيل لنا أنهم لا يهتمون بأمرنا البتة. يسارعون لمد أيديهم ويحبون ليقدموا لنا العون هذه اللحظات رغم قسوتها تحمل جوهر الحقيقة وفيها نبصر الحقيقة عارية. علينا ألا نشيح بوجوهنا بل أن نتأملها وندقق في تفاصيلها، ولنتعلم أن الدرس الذي نتجاهله، تكرره لنا الحياة حتى نتعلمه. السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه، واختم هنا بمقولة للدكتور مصطفى محمود (ليس لنا إلا أن نهون على بعضنا الطريق) التي تلخص الكثير مما قيل ومما سيقال في هذا الشأن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.