شعار قسم مدونات

للنجاح ثمن باهظ!

blogs نجاح

هذه الحياة بمثابة سوق تعرض فيه سلع كثيرة ولكل سلعة ثمنها، إذ لا يمكن أن تتسوق شيئا منها دون دفع ثمنه، وبطبيعة الحال تختلف الأثمنة حسب نوعية ما يراد اقتناؤه ومدى جودته، وهل هو شيء حقيقي أم مزيف، ولا يعقل أن نستغرق الحديث في جميع ما هو متوفر وقابل للشراء، لهذا سيقتصر الكلام هنا عن النجاح الذي له ثمن باهظ، لكن بمقدور أي كان دفع ثمنه أي أنه متاح للجميع، غير أن الاختلاف حاصل في نوعية هذا النجاح، وكيف تم الدفع لأجله، وماذا بذل في مقابل الحصول عليه.

  

النجاح كلمة جميلة تتغنى بها الشفاه، وتهفو إليها كل الذوات، وتشرئب إليها الأعناق في كل مكان، وتطمح لنيله بشرف النفوس العزيزة، ويتعلق بها بصدق وإخلاص أصحاب الهمم العالية، ولا يمكن لأحد مهما كانت طبيعته البشرية أن يرفضه أو يتجاهله، أي أن النجاح من الأشياء التي يحبها الجميع، لكن ليس لمجرد ما أن تحب شيئا ستحصل عليه بسهولة، لذا يلزم أداء ثمن ذلك سواء بالعمل الجاد والصبر والتضحية أو غير ذلك.

  

ولهذا يختلف مفهوم النجاح من شخص لآخر؛ فكل واحد ينظر إليه من منظاره الخاص، وذلك ما يظهر من خلال تعدد الطرق التي يسلكها كل شخص لبلوغه، بحسب أهداف كل فرد وطموحاته وقيمه ومبادئه التي يتبناها عمليا، لكن يظل النجاح الحقيقي هو الذي يكون فيه السمو الأخلاقي في زمن تراجع فيه كل ما له صلة بالقيم الأخلاقية النبيلة. لماذا ليس في استطاعة الجميع إدراك النجاح النزيه؟ هل عدم حدوث ذلك راجع للاختلاف الحاصل في البنيات الفكرية؟ أم بسبب قصور في القدرات والمهارات الشخصية؟ أم أن المشكلة تكمن في غياب أخلاقيات النجاح بنزاهة؟

  

الوصول للنجاح النزيه ليس بالأمر الهين لأن طرقه المشروعة شاقة ومليئة بالعواقب والتحديات التي تحتاج لقوة التحمل والإصرار والعزم مع عدم انطفاء الأمل وتجدد النشاط

النجاح بشكل عام له ثمن باهظ؛ فهناك من يدفعه بجهده ووقته وتضحيته، كما يوجد من يؤديه بماله وكرامته وبعزته، والفرق شاسع بين الفريقين، فالجميع يتتوق إلى النجاح، لكن كل وكيف يبحث عنه بمعنى أن لكل وسائله التي يستعملها وكل وما يعطي مقابل الحصول عليه، والغريب في الأمر أننا نعيش في عصر تحكم فيه المظاهر والماديات، الشيء الذي ساهم في تغييب الضمير الإنساني، فأصبح بذلك الإنسان المعاصر مستعدا للتنازل عن المبادئ والقيم التي يتبجح بها من أجل بلوغ النجاح، ولو استدعى الأمر استخدام الأساليب اللاأخلاقية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل النجاح مكسب النبلاء أو مطمع النذلاء؟

 

الوصول للنجاح النزيه ليس بالأمر الهين لأن طرقه المشروعة شاقة ومليئة بالعواقب والتحديات التي تحتاج لقوة التحمل والإصرار والعزم مع عدم انطفاء الأمل وتجدد النشاط والدافعية لتخطي كل عقباته، فالصعود للقمة صعب جدا لكن السقوط قبل بلوغها سهل جدا على الذي يلتفت للمحسوبيات والوساطات التي تعرض عليه.

 

ومن أقصر الطرق التي يلجأ إليها من لا يمتلك مقومات النجاح الحقيقي:

* الاعتماد على المال والجاه وغيره ذلك مما يُمتلك ويتيح للإنسان بلوغ النجاح بطريقة غير مشروعة أخلاقيا.

* التذلل وإهانة النفس بالتملق والتزلف الذي يجعل المرء عبدا مملوكا لمن يمتلك زمام الأمور التي تتحكم في نجاحه وفشله.

* اللجوء إلى واسطة أو معين خارجي يقرب الفرد من النجاح مقابل نزع ثياب الكرامة عنه وتعريته من عزة النفس.

 

والأخطر من هذا كله ألا يبصر الإنسان في هذه الحياة سوى النجاح المادي والشهرة، بغض النظر عن الفراغ القيمي الذي سيترتب عن ذلك نتيجة تخليه عن عزة نفسه التي هي أغلى ما يملك مقابل الحصول على متاع زائل، ومثل هؤلاء لا يحسون بالإحباط والندم إلا بعد فوات الأوان، ويصلون متأخرين لقناعة ثابتة تتمثل في كون هذه الحياة مجرد خدعة، وهذا مما يذكرني بقول الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين: "لولا البلهاء لما حقق الآخرون أي نجاح.. نناور ونخفي أفكارنا، ونكذب ونتزلف، وفي النهاية نحقق ربحا أكيدا، لكن أرقى أنواع الخداع طُرا وأقواها تأثيرا هو الخداع الذي نمارسه على أنفسنا".

 

أن تكون ناجحا يعني أن تظل على الدوام في استعداد لدفع ضريبة نجاحك، لأنك مراقب ومتبوع من غيرك؛ فلمجرد ما أن ترتكب خطأ إلا ونزلت عليك الأسلحة الهدامة، لغرض التبخيس من نجاحك والتقليل من إنجازاتك وتميزك، والادعاء بأن ما نلته من نجاح إنما هو بمحض الصدفة فقط لا غير، وكلما زدت تألقا إلا وارتفعت نسبة منتقديك الهدامين وكثرت الشائعات حولك، فأنت مستهدف على طول مسيرتك الحياتية الناجحة، ولن تسلم من هذا كله أبدا.

 

لكي تنجح نجاحا خاليا من الشوائب فما عليك إلا أن تدفع ثمن ذلك ألا وهو: الكفاح الشريف وكل مشتقاته التي لا تخرج من دائرة المواثيق الأخلاقية المتعارفة إنسانيا
لكي تنجح نجاحا خاليا من الشوائب فما عليك إلا أن تدفع ثمن ذلك ألا وهو: الكفاح الشريف وكل مشتقاته التي لا تخرج من دائرة المواثيق الأخلاقية المتعارفة إنسانيا
 

وقد يتسبب لك نجاحك في خسارة أعز الناس إليك لا لشيء إلا لأنه أثار غيرتهم وحسدهم، وإذا كان المرء يلقى ذلك من أقرب الناس لقلبه فما عساه أن يرى من الأباعد الذين يكيدون له ويتمنون أن يصيبه السوء والشر المسبب لزوال ما هو فيه حتى لا يرونه في القمة، فينفثون سمومهم ويضعون أشواكهم في طريقه، ويحاولون بكل ما أوتوا من جهد تقزيم النجاح الحاصل لما يمتلكون من عدائية نحو كل إنسان ناجح.

 

والذي يسعى للنجاح الحقيقي بجد ومثابرة لا يمكن أن تصيبه خيبة أمل أو يترك منفذا لليأس كي يغزوه نتيجة لما يقوم به من حوله سواء الأقارب أو الأباعد أو مما يراه من لهث الآخرين وراء النجاح المزيف، فرغم سهولة نيله إلا أن تكلفته عالية لما يدفع فيه من أشياء نفيسة لا تعوض، وهذا مما يجعل عزيز النفس يبذل جهدا أكبر ليبتعد أكثر عن مثل هؤلاء، وليزداد إصراره على مواصلة تقدمه نحو النجاح الحقيقي بنزاهة، والاستمرار في مشواره بعزيمة وإرادة.

 

ولكي تنجح نجاحا خاليا من الشوائب فما عليك إلا أن تدفع ثمن ذلك ألا وهو: الكفاح الشريف وكل مشتقاته التي لا تخرج من دائرة المواثيق الأخلاقية المتعارفة إنسانيا لكي تحقق ما تريده وأنت مرفوع الرأس، ويظهر ذلك بشكل بارز حين تتمثل القيم الأخلاقية في تصرفات المرء لا أقواله فقط، فهي العنصر الأساس لصناعة هذا النوع من النجاحات النادرة اليوم.

 

ذكر نفسك دائما بأن أي نجاح كيفما كان إلا ويبذل فيه الثمن الباهظ؛ فاختر جيدا ما تدفعه من أجله، فالرحلة نحو النجاح ستنتهي حتما كما تنتهي الأعمار، وليكن في علمك أن كل ثمن تدفعه هو استثمار سيعود عليك لاحقا، وليس هناك ما يستحق ذلك الاستثمار أكثر من نفسك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.