شعار قسم مدونات

الأنثى في الميزان

BLOGS المرأة

بدأت بالكتابة، وفي حالة تردّد ونقاش مع آخري، هل عليّ أن أُدلي بهذا؟ وهل هناك ما يُحتّم عليّ أن أبوح به؟ ولمَ أبوح به أساساً؟ تساؤلات دون إجابات مقنعة! ولكن، لطالما كنت صريحاً مع نفسي ومع النّاس، ولهذا عزمتُ على الإقرار بتجربتي هذه، وتحليل ما فيها من آحاد وتناقضات عصفت بي منذ سنوات طوال، فيها من الألم وفيها من السرور على حدٍ سواء! وهنا تكمن المفارقة العجيبة، فلم أكن على وعي كامل بشعوري حينذاك! فقد كان ضبابياً، لم أستطع الرؤيةَ من خلاله.

 

الأنثى، وما أدراك ما الأنثى؟ يقول عالم النفس الشهير فرويد: "أعترف أنني سقطت سقوطاَ مدوّياً حين حاولت فهم المرأة." ولمَ كلُّ هذا يا فرويد؟! أعتقد أنّ عقليّة فرويد فيما يخصّ الأنثى لم تكن مكتملة، وذلك بحكم تخصّصه، فهو رجل سيكولوجي وعلمي بحت، وهذا ما قد يسبّب قصوراً لديه في الفَهم، الحريُّ بنا أن ننظر للأنثى من زاوية أخرى، كنظرة مولانا جلال الدين الرومي مثلاً، ومن هنا أبدأ وأقول: تصوّري للأنثى منذ صرتُ واعياً، هي نظرة لجماليّة خارقة، تُضفي رونقاً وبهاءً أينما حلّت، وكأنّني أنظر للوحة من لوحات بيكاسو، أو دافنشي، أو تمثال من نحت مايكل آنجلو، وعلى نسق محمود درويش والذي قال: "وأنا ما أنا في ثنائيّةٍ تتناغم بين الكلام وبين الإشارة" فأقول مستعيراً: وأنا ما أنا في ثنائيّةٍ تتناغم بين الجمال وبين الروح. "ربما هي خلّاقة وليست مخلوقة"؛ هذا ما قاله مولانا جلال الدين الرومي في وصف الأنثى، ولا عجب البتّة.

 

لم أعِ ما قاله محمود درويش: "والتمس عذراً لمن تركتك في المقهى، لأنّك لم تلاحظ قَصّة الشعرِ الجديدة، والفراشات التي رقصت على غمازتيها." أدركت ما أنا فيه، وأدركتُ أنَّ الاهتمام هو خاصيّة تطلبها المرأة على الدوام، فهي خُلقتَ على هذا ولا اعتراض! فأنا أودّ أن أُشْعِر أيّ فتاةٍ ألتقيها كم هي ثمينة في هذا العالم، وكم هي شيء لا يُترجم إلى كلمات، وكم هي شيء روحاني وصوفي، بعيداً عن أي تصوّر شهواني حيواني، فجوهرها أعمق من هذا بكثير، ولستُ ممن يُنظّرون لهذا التصوّر، "كهيو هفنر" صاحب مجلّة بلاي بوي، والذي قضى عمره في هذه القوقعة الشهوانيّة المنحطّة، والتي أرى فيها هدم وتحقير لحقيقة الأنثى في هذا الكون، فهي تحتاج لجمال يجاري جمالها، ويصل لمقامها، ويرتفع بها إلى عنان السماء.

 

مسألة القوامة قدْ صار فيها إفراط وتفريط من قِبل الرجل، مع أنّها لها قواعد معيّنة، فالقوامة ليست دكتاتورية كما يظنُّ معظمنا!

فكرتي هنا تحمل في ثناياها سيل جارف، يتدفّق إلى أن يصبح أقرب لفيضان، وأودّ أن أعرّج هنا على ما فيه الحقيقة الناجزة فيما خَطَطْتُ هنا، لعلّي أطهّر نفسي من ذنبٍ فتك بي، وجلدتُ ذاتي به لفترة طويلة ومؤلمة، فقد أسقطتُ هذا التصوّر- والذي قلَّ نظيره- على غياب الرجل ذو البصيرة، القادر على إبداء أبهى الصور في تعاملاته مع الأنثى، ولا أظنّ أنّ هناك كثيراً من الشباب يعيشون هذا التصوّر مثلما أعيشه أنا، ولا يملكون هذا التصوّر الصوفي للأنثى، فالسواد الأعظم تحرّكهم الشهوة، متناسين كلّ ما هو عَذْب وجميل، تملأه الحنيّة والرقّة إلى أبعد الحدود.

 

نرى كثيراً من البشر ممن يشكون من عقليّة المرأة وإلحاحها على الدوام، ويشكون أيضاً من رؤيتها لتفاصيل لا يرونها هم! وهذا شيء طبيعي وعلمي أيضاً، فعقل المرأة مختلف تماماً عن عقل الرجل، والرفض الحاصل من الرجل للمرأة رفض تعسّفي في رأيي! فالذي ينظر لأبعد من هذا سيدرك تماماً أنَّ هذه أمور طبيعية ويجب التعايش معها، ويجب على الرجل أنْ يكون محور الاحتواء والتقبّل، لا الانتقاد والجلد! هو اختلاف حتميّ لا بدَّ منه، والحريّ بنا وضع معايير واضحة للتعامل مع هذا الاختلاف، وخلق بيئة من التفاهم والودّ والحبّ، وطبعاً هنا لا أتكلّم عن هؤلاء الرجال الذين خلقوا البيئة الشهوانية فقط!

 

وفيما يتعلّق بفرق الذكاء، والاتهامات المنهالة دائماً على الأنثى وعقلها، فقدْ قامت جامعة إدنبرة بتبنّي دراسة بقيادة عالم النفس ستيوارت ريتشي تتعلق بالفروقات الجندريّة، وتضمنت هذه الدراسة فحص الدماغ من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي، واتضح وجود قشرة دماغية أكثر سمكاً عند الإناث من الذكر؛ وهذا مرتبط بدوره بقدرة الأنثى على تحصيل نتائج أفضل في اختبارات الذكاء العام، والذكاء المعرفي، فهل لنا أنْ نكفَّ عن نعتهم بناقصات عقلٍ ودين، ومن جهة أخرى أحسُّ أنَّ مسألة القوامة قدْ صار فيها إفراط وتفريط من قِبل الرجل، مع أنّها لها قواعد معيّنة، فالقوامة ليست دكتاتورية كما يظنُّ معظمنا!

 

وفي الختام، أعتقد أنّ طرحي هذا سيتبعه اتهامات شتّى، كداعم للحركة النسويّة، وممكن أن أُوصف بفرجينييا وولف مثلاً، أو على أنّي فيمينست شرس؛ قد دوّن هنا لاستجداء عطف الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لا يهمّني ما سألقى من ردود، فما صدرتُ عنه هو عن قناعة فلسفية إنْ صحَّ التعبير، ورأيته جديراً بالكتابة عنه، وصراحتي وجرأتي حتّمت عليّ أن أكون على هذا النحو، وإن رآها البعض تهوّراً وصفاقة، لكنْ لعلّ هذه المدوّنة تفتح بصيرة من يقرَأها، ولم يكن على دراية بكلّ ما عُرضَ هنا، وتكون له سبيلاً لإصحاح تعاطيه مع الأنثى، وكتعبير موجز في نهاية الأمر، فقد قال شكسبير: "المرأة كوكب يستنير به الرجل، ومن دونها سوف يبيت في الظلام."

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.