شعار قسم مدونات

طُهرُ الجماعة.. من البنا وسيد قطب إلى محمد عاكف

blogs - حسن البنا

يقول الشيخُ والدكتور عبدالله عزّام -رحمه الله-: (يكادُ يكون مستحيلاً أنْ يتعامل سيد قطب مع الساسة)، وهذا الكلام هو الأساس لبيان مدى صدق جماعة الإخوان المسلمين، بدايةً من البنا وقطب وانتهاءً بمحمد مهدي عاكف والذي توفّاه الله السنةَ الماضية -عليهم رحمةُ الله جميعاً- ولنبدأ بالإمام، والمؤسس، حسن البنا، والكثير من يقول أنّه من الأئمة المجددين في هذا القرن، وهناك منْ يقدح فيه! ونحن هنا لنُنصف هذه الجماعة المجاهدة والنبيلة ونبيّن مدى طُهرهم وصدقِ دعوتهم.

 

القارئ الفاحص لرسائلِ الإمام حسن البنّا، سيلمس تماماً مدى بُعد الرؤية لدى هذا الإمام، ومدى طموحه في جعلِ الإسلام هو المُصدّر للحضارة وليس المُستقبِل لها، وهذا ما أفنى حياته لأجله، وقدْ كانَ تركيزه على النهوض بالأمّة انطلاقاً من الفرد، وبمعنى آخر، كانَ يقول: (نفوسكم هي الميدان الأول إذا استطعتم عليها كنتم على غيرها أقدر)! وأساس الدعوة لدى الجماعة دائماً يتبنّى هذه المقولة العظيمة للإمام، وقلْ إنْ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين هي ملخّص كل شيء بالنسبة لحسنِ البنّا، ولهذا أرى أنَّ الطُهر مُتأصّل لدى الجماعة منذ تأسيسها.

 

ومما قال الإمام البنا أيضاً: (إنَّ الإسلام عقيدةٌ وعبادة، ووطنٌ وجنسية، وسماحةٌ وقوة، خُلقٌ ومادة، وثقافةٌ وقانون)، فطرحه مليء بالرفعة، ومليء بالاعتزاز بالإسلام، وجدليّته كانتْ في توضيح أنَّ الإسلام هو نظام كامل متكامل، فلمْ يكنْ في دعوته شيءٌ من الإقصاء كما يتهم الكثير هذه الجماعة، فقدْ قال: (لا تهدموا على الناس أكواخ عقيدتهم، ولكن ابنوا لهم قصراً من الإسلام السمح)! فكيف لمنْ يقولُ هذا أنْ يكون رافضاً لمن حوله أو متطرّفاً يريد التخلّص منْ كل من يُعادي الإسلام وأهله!

 

لنْ يستطيع أيّ عاقل أنْ يُنكر الثوريّة في خطاب سيد قطب، ولكنّها ثوريّة بطابع إسلامي بلا شك! ولمْ يكنْ يُحاول هذا الرجل تكفير هذا وذاك بصريح العبارة، وإنّما أراه ناقماً على ما فعله طغاةُ عصره في المجتمع الإسلامي ككل

هذه شذرات بسيطة للغاية مما قاله هذا الإمام، وسأعودُ لأسلّط الضوء عليه في نهاية المقال، ولكنْ سأتطرّق قليلاً إلى سيد قطب وإلى مواقفه الدعوية وتحديداً عندَ لحظات إعدامه، ومما لا شكَّ فيه أنَّ سيد قطب مثيرٌ للجدل، فهناك من يصفه بالراديكالي التكفيري، وهناك من يصفه بالمنظّر العتيد الذي نهض بهذه الجماعة، أمّا أنا فأرى وأظنُّ أنَّ غيري يرى نفسَ الشيء، وهو أنَّ التأويلات عندَ كلِّ شخص قرأَ لسيد قطب هي من تُحدّد التصوّر وقدْ يكون بعيداً كلَّ البعد عمّا يُوصف به.

       

ومن أهمّ الأمثلة المتطرّفة التي تبنّت سيد قطب هو شكري مصطفى، قائد تنظيم جماعة التكفير والهجرة! والذي كان يكفّر الجميع جُملةً، إلى أنّه كانَ يحرّم الصلاة خلف أيّ إمام باستثناء إمام من جماعته فقط! وهذا الفهم المتطرّف لسيد قطب لا يدلّ إلّا ضحالة وتسطيح لطروحات هذا الرجل، فهو أعمق من هذا بكثير، وأنَّ الظروف التي أحاطت به لعبتْ دوراً كبيراً فيما بعضِ ما قال! وكتاب في ظلال القرآن مليء بالعجب العجاب! وفيه عمق غاية في الجمال، لأنَّ أديباً قدْ قام بخطّه وتفسير

 

يقول هذا المُجاهد الأديب: (ما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة، ولا سلطاناً، وإنما هي الجماهيرالغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب! وتمد لها أعناقها فيجر، وتحني لها رؤوسها فيستعلي! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى)، فلنْ يستطيع أيّ عاقل أنْ يُنكر الثوريّة في خطاب سيد قطب، ولكنّها ثوريّة بطابع إسلامي بلا شك! ولمْ يكنْ يُحاول هذا الرجل تكفير هذا وذاك بصريح العبارة، وإنّما أراه ناقماً على ما فعله طغاةُ عصره في المجتمع الإسلامي ككل، وبمعنى آخر أرى أنْ السيكولوجيّة لدى سيد قطب كانت عنيفة ضدّ الطغاة في المقام الأوّل، لتنتقل إلى العوام والدهماء الذلول كما أشار في عبارته في أوّل الفقرة، وأرى أنَّ تكفيره لا يحمل المعنى الحرفي للكلمة! ولكنْ كانَ فيه شيئاً من الجلد لعبيد الطغاة ليرجعوا إلى دينهم الحقّ، وكي ينسفوا سلطان الأرض، ويرجعوا إلى ربِّ العباد وإلى سلطان السلاطين جلَّ جلاله.

   undefined

(سيد قطب)

  

ومن الأقوال التي تلاحق سيد قطب استخدامه لمصطلح الجاهليّة بكثرة، فقدْ قال: (الجاهليّة المنظمة لا يتبعها إلّا إسلام منظّم)، وأقول هنا أيضاً أنَّ هذا المصطلح لم يصدر عن فراغ من مُنظّرٍ كهذا! والجاهليّة هنا في نظره، هي الانحدار الأخلاقي، والتردّي المخيف الذي فتكَ في المجتمع الإسلامي عامّةً، ودعونا أنْ نتيقن من هذا الكلام، وأنْ لا نخدّر أنفسنا بالعكس، فالحداثة الغربية التي أغرقتنا في الماديّة أليست بجاهليّة؟ وإنْ نظرنا إلى الأمر بنسبيّة، فاستخدام سيد قطب لهذا المصطلح هو عين العقل كما يقولون! وأساس الدعوة كما أسلفتُ سابقاً لدى الجماعة هو جعل الأمّة الإسلاميّة هي المُصدّرة وليست الخانعة الذليلة المستقبلة لكل ما هبَّ ودب من الغرب المستعمر والسفّاح!

 

إنَّ أكثر ما ترك أثراً في داخلي، هو ما قاله سيد قطب لحظة إعدامه للشيخ الذي علا لمنصة الإعدام ليلقّن الشهادة له، فحينها قال: (أنتم تأكلون الخبز بلا إله إلّا الله، أمّا نحن فنموت من أجلِ لا إله إلّا الله)! وكفى بهذه نصيراً لسيد قطب، ولهذا يقول أيضاً: (إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً)! فالذي يختارُ لنفسه أنْ يتصدّر ويُخاطب النّاس، يتحتم عليه أنْ يكونَ صلباً ومتحمّلاً لكلّ ما سيلقاه من كوارث، وإنْ سقط فهذا من دلائل النقاق في نظر سيد قطب، ولطالما كنتُ مقتنعاً فيه، وإنْ لم تكنْ جاهزاً لمواجهة الطغاة وعلى طول الخطّ، فعش مستريحاً ولا تُقحم نفسك إنْ لم تكنْ صاحب عزيمة في قرارة نفسك، وتعقيباً على هذا فقدْ أشار قطب أنَّ الأخذ بالرخص ليس من شيم القائد، وإنّما القائد وجد للعزيمة ووجدَ أيضاً ليبثَّ العزيمة لمن حوله! فالقائد هو تاجر الأمل كما قال نابليون.

 

وكما وعدتكم في البداية، سأعودُ الآن إلى الإمام المؤسس حسن البنا، وسأعود إلى قليلٍ مما قال، وإلى الانحراف الذي نجده عند الإخوان المسلمين بشكلٍ عامّ -إلّا منْ رحمَ ربّي- فقدْ كتب الإمام: ( هل من الإنصاف أن يتحمل الدين تبعة رجال انحرفوا عنه)، وقدْ ذكرتُ هذا للإنصاف يا أحبتي، فإنني أرى أنَّ هذا الانحراف قدْ أصابَ التنظيم نفسه بشكل أو بآخر، وأنَّ الإخوان عندما دخلوا مستنقع السياسة بدأتْ التنازلات تظهر على السطح، وبدأ الخُذلان في نظري لتعاليم الإمام المؤسس! ولنْ أخوض في هذا الآن، ولكن هناك الكثير من الطرح وتحديداً من المكتب السياسي لحماس والذي يحتاج لإعادة هيكلة وإعادة نظر لردِّ الأمور لاعتبارها الصحيح والحقيقي، ولمْ أذكر ما قاله الشيخ عبدالله عزّام عن سيد قطب كمحضِ صدفةٍ! وإنّما هذه حقيقة الطُهر والصدق الذي أسست عليه جماعة الإخوان المسلمين! وهذه التنازلات كانت نتيجة لانحرافهم عن أساس ولبنة التنظيم في المقام الأوّل.

 

أظنُّ أنني قدْ اكتفيتُ بما قلته هنا، لذلك أختمُ في هذه الفقرة الأخيرة مشيراً إلى محمد مهدي عاكف، ومبيّناً وجود اسمه في عنوان المقال مع أنني لم أتطرّق له! فهذا الرجل هو الأُنموذج الحقّ والمُجسّد لتعاليم المؤسس حسن البنا كمرشد لجماعة الإخوان المسلمين، والذي صمدَ وابتسم وكان الجبل لدى هذه الجماعة، ولعلّ عقله كان يردد جملة الإمام المشهورة: (سنقاتل النّاس بالحبّ)، فيا قوم لا تهاجموا الجماعة في أسلوبهم السلمي فهو طوق النجاة لا محالة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.