شعار قسم مدونات

بوحٌ مع الزمن من روح متألّمة..

blogs - من روح متألمة

مرحباً أيها اليوم المعتاد، نفس الوقت وذات اليوم وذات الأسبوع وذات الشهر والسنة. كم طوى الزمن زمناً مِنّْي، وكم طاب للفراغ أن يَقرع سنين عمري التي ما زالت في العشرينيات! أيها الزمن أتُجابهني حقاً! لستُ ممّن يعتاد الفراغ، لستُ ممّن يُعجبُ باللهو والشتات، ولستُ من هُواة التسكع والضياع، أقصى نظراتي لم أصل إليها بعد، وأحلامٌ على قيد الأمل تتبدد، والصبح الموعود لم يُشعَّ بنوره فؤاديَ بعدْ! قدري في ذروة مرارتهِ.

ورغم ذلك لم أتكئ على أحد بعد، مُكبلٌ في دقائق الزمن وجدران الحياة الصلبة، وحتى هذا الوقت لا أملك ممراً يُنير روحي، ويوقظ بداخلي الأمل، ويُنبتُ بي إكليلاً من الفرح والاطمئنان. آلاف المخططات وكُلّها كانت حِبراً على ورق، بقاء كل شيء بمكانه رغم كل محاولاتك للتغير سيُضنيك حينها الملل والتعب، ويتسلّل إلى داخلك مشاعر الخوف ولن أقول الآن اليأس! ستكون بعدها غير مبالٍ وغير مهتم لأي شيء، إنها حربٌ داخلية شرسة بين الصمود والأمل وبين اليأس واللّغز الذي تعيشه، لم يعد بمقدوري سوى مراقبة عقارب الساعة وهي تمشي. وكل شيء لدي يمشي في عكس عقاربها.

لقد باتت الحياة سجن كبير يتقاتل بها مَن يريد النصر الحقيقي، ألا وهو البقاء في هذا السجن بكل حرية، وهناك من يتقاتل من أجل لا شيء، فقط من أجل كل شيء

مُبْتَلٍ بأوقاتٍ عصيبة يقف فيها الزمن في طرفي ولكنه خصماً، لينتهي بكل تلك السرعة ويرميني إلى هاوية الخاسرين، في أي جولةٍ سيمضي الزمن وأمضي معه ولست واقفاً بمكاني! لم أشعر في اختلاف شيء في كل دقيقة وكل ساعة وشهر وسنة تمضي وتأتي أخرى، فقط مزيداً من الاضطراب والبؤس والسَطْوة، وعدم الاستقرار، أجمل أيام العُمر يقنصها منّي الحظ الخائن، وخصميَ الصنديد الفراغ، وزنزانة القدر. ما زلت وحيداً بأفكاري وطريقي، أستطيع التخطيط لمئة عام ولكن قدماي مزروعتان في ذات المكان، لسبب وحيد وهو ألّا ممكن. كل مخطط يمكنك أن تُفكر به وتعمل من أجل إنجازه تحتاج قواعد وأساسات نجاحه، وأنا غنيُ المخططات مفتقرُ لقواعد وأساسات إنجاح مخططاتي، كل مخططاتي كانت وما زالت غير ممكنة ولا تحتمل الإنجاز ولا حتى البدء بها. قد تتساءل لماذا أفتقر ما أحتاج للنجاح، الإجابة المُقنعة لنفسي هي أني أثِق تماماً أن هذا سينقضي كما ينقضي غيره، الفائدة الوحيدة التي يُقدمها انقضاء الوقت لي، هي أن كل سيء ينتهي وينقضي مع مرور الوقت حتى لو كانت فكرة.

وفي مثل هذا الشهر من العالم الماضي في ساعة متأخرة من الليل، كتبت أبياتاً بسيطة وجدت فيها دفئاً وطمأنينة لقلبي، الأبيات تقول:

ومالي في عد السنين وهي تجري كالأيام

تلوذُ بنا إلى مالا يرضينا ولا يُحيينا

لا تدعها تمضي وكأنها تعود إلينا زِحامُ

لكن القلب موقنٌ بالأمر خيراً مادام من الله يأتينا

دعِ اليأس واغلف إليك مداخله وكن بالتفاؤل مِقدامُ

مهما ضاقت عليك دنياك ذرعاً فلربك التسليما

فلا تكن ليّناً وضعيفاً وذليلاً إلا لرب الكون والأنامُ

لوكَ المصاعب لَوْكاً وتخَطِها بصبرٍ وعقلٍ حكيما

فلا الضياع والتخبط يجني الخير ولا حتى السلامُ

هذه الدنيا.. حياةً لمن عاشها بين اللّهو والتأثيما

فمع الله لا تخسر ولا تفشل ولو كانت كل الناسِ لك خِصامُ

كُنْ لربك دوماً عبداً منيباً فلا فوز إلا بمن أتى ربه بقلبٍ سليما.

لكنّي ما زلت بذات المكان الذي كتبت فيه هذه الأبيات، لقد باتت الحياة سجن كبير يتقاتل بها مَن يريد النصر الحقيقي، ألا وهو البقاء في هذا السجن بكل حرية، وهناك من يتقاتل من أجل لا شيء، فقط من أجل كل شيء، حياةٌ.. فيها الضعيف وفيها القوي وفيها البسيط والدرويش وفيها الظالم والمتكبر وفيها الغني وفيها الفقير، وكلّهم في كفة واحدة عند خالقهم. ولكن بالمقابل ورغم كل شيء ما زلت في جبهتي أُقاتل، وفي فؤادي عهد ووعد، متمسك في خيوط من الأمل، ورغم علوِّ الأمواج سأجزف حتى النجاة، اكسب إن استطعت واخسر إن اضطررت. ولكن لا تنسحب، هذه كلمات لمن يُدعى كاميرون تراميل، عندما قرأتها احتفظت بها جيداً وترجمتها بداخلي جيداً، شعرت بأنها أعطتني جرعة قوة وصمود لتُعينني على الصراع من أجل أن أكون، وأن خسارة جولات لا يعني الفشل والسقوط. يكفي أيها الزمن.. يكفي لقد أجرمت بحقي جداً.. نعم أجرمت بكل معنى، لم أعد أستطع أن أتدارك دقائقك وهي تنقضي من سنيني، ولقد أخذت فراغاً أكثر مما كنت أنا أتوقع لقد كنت محظوظاً، ولكن لم تنتصر بعد! لأنني ما زلت واقفاً، واقفاً حتى لو في ذات المكان لم تنتصر بعد.. والسّلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.