شعار قسم مدونات

بلزوني البهلواني.. الذي نهب آثار مصر!

blogs - بلزوني

بلزوني.. ذلك الذي شغل الدنيا والناس؛ ولد "جيوفاني باتيستا بلزوني" في ايطاليا عام 1778م؛ لأسرة فقيرة؛ فقد كان والده يعمل حلاقًا وكانت أمنيته أن يرث ابنه تلك المهنة، ولذلك لم يتلق إلا تعليمًا هامشيًا ضعيفًا، ترك بعده ايطاليا متجهًا نحو أمستردام ثم لندن وعمل هناك (بهلواني) على المسرح وحامل للأثقال فقد كان ضخم الجثة، قوي البنيان عملاقًا يصل طوله مترين؛ وكانت أدواره بالمسرح ثانوية بهلوانية أشهرها "شمشون البتاجوني"، واستمر في أداء تلك الأدوار حتى أصبح وجهًا مألوفًا في لندن، وفي تلك الأثناء تعرف على "سارة" وارتبط بها فأصبحت زوجة له.

 

خطط بلزوني بعد ذلك لزيارة القسطنطينية التي كانت من المراكز الترفيهية العالمية، وهناك قابل وكيلًا لـ "محمد علي باشا"، وتحدث بلزوني أمامه عن امكانية صنع ساقية متطورة للمياه فأعجب به وكيل محمد على، وصحبه معه وزوجته سارة إلى مصر.

 

وهناك في مصر بدأت قصة بلزوني الحقيقية؛ فبالرغم من أن مشروع ساقية بلزوني لم يلق النجاح المأمول؛ إلا أنه استطاع من خلاله التوصل إلى كبار المسئولين في مصر، هذا فضلًا عن اتصاله بقنصل لندن وغيره من القناصل الأوربيين؛ الذين استطاع من خلال التعرف عليهم الوصول إلى أغراضه المتمثلة في نهب آثار مصر؛ وقد كانت أول عملية سرقة قام بها هي تلك العملية التي احتال من خلالها على سرقة التمثال النصفي لـ "رمسيس الثاني" المُسمى تمثال "ممنون الصغير" بطيبة وحاول وبمساعدة قنصل بريطانيا في مصر "هنري سولت" إرساله إلى لندن، وهو لا يزال معروضًا بمتحفها حتى الآن!

 

استطاع بلزوني البهلواني أن يتحصل على كل تلك الكنوز الثمينة من آثار مصر؛ فقد أكسبه عمله على المسرح؛ القدرة على الخداع والمراوغة، كما أكسبته أيضاً كفاءته الإدارية وحسمه للأمور وقدرته على المساومة

وأثناء تحرك بلزوني وزوجته نحو أسوان؛ انبهر بآثارها، وهناك اقترح على بعض كبار القبائل فكرة الكشف عن معبد بمنطقة الشلال كانت بوادره ظاهرة؛ وبالفعل استطاع اظهاره والكشف عن تمثالين أمامه، ولما أخذ المال ينضب منه توقف عن الكشف، وبدأ في رحلة العودة نحو القاهرة، وفي طريقه مر على منطقة فيلة وأعجب بمعابدها، وبهرته المسلة التي رآها هناك وفكر في نقلها إلى لندن، وكان طولها 22 قدمًا وعرضها قدمين، وأخذ في البداية إذن من حاكم أسوان بنقلها باسم قنصل بريطانيا إلى القاهرة، بعدها تم نقلها إلى لندن ولا تزال هناك، وهي المسلة التي استطاع العلماء من خلال نقوشها، التمهيد لاكتشاف اللغة المصرية القديمة!

 

وفي طريق عودته قام بعمل حفريات بطيبة (الأقصر حاليًا) حصل من خلالها على عشرات القطع الأثرية النادرة، كما عثر على مقبرة الملك "آي" الكاهن الذي حكم مصر، وبذلك استطاع بلزوني وخلال خمسة شهور ونصف قضاها في تلك الرحلة؛ الحصول على كنوز ثمينة من آثار مصر.

 

وهناك في مبنى القنصلية البريطانية بالإسكندرية قُوبل بحفاوة بالغة، وكافأه القنصل البريطاني سولت بخمسين جنيهًا مصريًا، بعدها اقترح بلزوني على القنصل البريطاني أن يقوم برحلة كشفية أخرى عن الآثار المصرية في صعيد مصر؛ وبالفعل وافقه على ذلك وأعطاه ما يحتاجه من تكاليف وبدأت الرحلة؛ وهناك في القرنة بطيبىة تحصل بلزوني على العشرات من المومياوات وأوراق البردي النادرة، واستطاع أن يجمع من الآثار المصرية أكثر مما جمعه في رحلته الأولى حتى أن سفينة كُبرى بالنيل لم تستطع حمله، فضلًا عن أنه وخلال تلك الرحلة وفي اقل من أسبوعين اكتشف أربع مقابر بوادي الملوك!

 

ورغب بلزوني في تكرار رحلاته ولكن القنصل البريطاني سولت توقف عن دعمه، كما أن زوجته سارة سئمت من كثرة الترحال فاتجهت نحو القدس حاجّة، ورغم ذلك قام برحلته الثالثة والأخيرة على نفقته الخاصة؛ فقد بلغ بلزوني من الثراء نتيجة بيع آثار مصر ما جعله يطمع في المزيد، وهكذا استطاع بلزوني البهلواني أن يتحصل على كل تلك الكنوز الثمينة من آثار مصر؛ فقد أكسبه عمله على المسرح؛ القدرة على الخداع والمراوغة، كما أكسبته أيضاً – في الحقيقة – كفاءته الإدارية وحسمه للأمور وقدرته على المساومة وألاعيبه السياسية تغلبه على كل منافسيه الأشداء الذين تسابقوا جميعًا في نهب الآثار المصرية التي لم تجد من المسئولين المصريين من يغار عليها!

 

وأخيرًا أبحر بلزوني نحو أوربًا عام 1819م متأسفًا على تركه مصر، وهناك نشر كتاباً تضمن تفاصيل رحلاته ومغامراته بمصر، وختمه قائلًا: "بل إن هناك ما يدعوني لأن أقر بفضله (أي مصر).. ولكن لأن بعض الأوربيين الذين أقاموا فيه كان سلوكهم ونمط تفكيرهم – للأسف – وصمة عار في جبين الجنس البشري"، وفي عام  1823 م ذهب بلزوني إلى (غرب أفريقيا) واستعد للسفر نحو (تمبكتو) عن طريق (ساحل غينيا) ولكنه أصيب بمرض الدوسنتاريا ومات هناك في ديسمبر من ذاك العام، وقِيل أنه سُرق في الطريق وقُتل، وفي عام 1829 م قامت أرملته سارة بنشر رسوماته عن المقابر الملكية في طيبة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.