شعار قسم مدونات

في عيد جمهوريّتي الـ61.. متى تتخطّى بلادي عتبة الأزمات؟

blogs - ثورة تونس

احتفلت تُونس في الخامس والعشرون من شهر يوليو الماضي، بعيد الجمهورية الحادي والستّين كما هو العهد من كلّ سنة منذ أن استقلت البلاد عن فرنسا عام 1956م في أواخر فترة حكم محمد الأمين باي وإعلان النظام الجمهوري في 1957م، حيث تولّى بعد ذلك الحبيب بورقيبة الرّئاسة، ويعدّ الزّعيم الأول للجمهورية التّونسيّة آنذاك.

إنّ استقلال تونس عن فرنسا في ذلك الزمن لم يكن هيّن أبداً على التّونسيين بعد الصّراعات التي خاضتها مع الاحتلال. الذي بدوره لم يعد يجمع قواه خاصة بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانيّة والحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتّالي وعدت فرنسا أن تمنح الاستقلال عام 1952، وبعد أن تصاعدت الاحتجاجات في صفوف المواطنين لتفاقم البطالة والأزمة الاجتماعية التي زادت في تأزّم الوضع الرّاهن، اضطرت حكومة منداس فرانس إقرار الاستقلال الدّاخلي للبلاد ثمّ الاعتراف التّامّ بأنّ تونس هي جمهورية مستقلّة منذ 1956.

إلّا خفايا حكمه القاسية في نفي شخصيّات مهمّة خارج حدود الوطن وتعذيب ما بقي منهم في السّجون، كان هؤلاء من رجال السّاسة وفيهم حتّى النّساء اللّواتي رأين الويل.

في تلك الحقبة الزّمنيّة حاول الرّئيس الحبيب بورقيبة إخراج بلاده من الوضع القاسي الذي تعيشه من تهميش وبطالة وفساد وكبت للحرّيات، أن يبادر بالقيام بالعديد من الإصلاحات العاجلة فأصدر على هامش السّرعة مجلّة تعنى بالأحوال الشخصيّة التي تمنع تعدّد الزّوجات خصوصاً في ذلك الوضع الذي لا يتحمّل طاقة إضافيّة على ما هو عليه، وجعل التّعليم العمومي تعليماً مجّانيّا وإلزاميّا، وغيرها من الإصلاحات التي جعلت منه رئيساً رسميّا للبلاد التّونسيّة بعد الانتخاب وتمتدّ فترة ولايته إلى خمس سنوات. رغم مرور هذه الأحداث التّسلسليّة، إلّا أنّ الاستعمار الفرنسي آنذاك قام بإخلاء آخر جنوده في عام 1963، حتّى تصبح تونس أرضاً مستقلّة تماما وهذا بعد مفاوضات ديبلوماسيّة انتهت لصالح تونس. إلّا أن الأوضاع ساءت كثيراً في بداية الثمانينات فظهرت الاحتجاجات والمظاهرات التي عمّت شوارع تراب الجمهوريّة نتيجة الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي لم تتغيّر، إلى أن تمّ تنحّي بورقيبة من الحكم وحلول زين العابدين بن علي مكانه في السابع من نوفمبر عام 1987م، إلى حين هروبه هو الآخر إلى العربيّة السّعوديّة في الحادي عشر من يناير سنة 2011 بعد أن قام الشعب التّونسي بالثورة التي بدأت شعلتها من مدينة سيدي بوزيد في ديسمبر 2010 على إثر حرق أحد شبّان المنطقة (محمد البوعزيزي) نتيجة الفقر والتهميش والظّلم.

ما بعد ثورة الياسمين والحال نفسه
تجاوزنا اليوم عتبة الثماني أعوام على نجاح التّونسيين في الضغط على الرّئيس الأسبق زين العابدين بن علي، من التنحّي عن الحكم بصفة رهيبة لم تكن متوقّعة لشدّة دكتاتوريّته ولكن بشخصيّته القويّة والكاريزما التي كان يتحلّى بهما، جعل منهما نظاماً معيّناً أثناء فترة حكمه التي امتدت إلى 23 سنة كاملة. كان ناجحاً بامتياز في الجانب الأمني. اجتماعياً وسياسياً وشخصيّا – كشاب من جيل فترة رئاسته لنا كشعب – كان للمواطن مقدرة شرائية يستطيع بها ملئ قفته أثناء التّسوّق والعودة إلى منزله بما طاب واشتهى من الأكل. إلّا خفايا حكمه القاسية في نفي شخصيّات مهمّة خارج حدود الوطن وتعذيب ما بقي منهم في السّجون، كان هؤلاء من رجال السّاسة وفيهم حتّى النّساء اللّواتي رأين الويل.

جمهوريّتي أرهقتها الأزمات.. فمتى الفرج؟
جمهوريّتي إذا لم تحتمل أكثر ما شهدته هذه الفترات القاسية، وكأنّ النّحس كان يلاحقها منذ زمن قديم، وبالتّالي تتالت – بعد هروب المخلوع – صوب الأراضي السّعودية الاحتجاجات في كامل تراب الجمهوريّة وتصاعدت الأمور. كما وقع الشعب في هفوات كان عليه ألا يقع في فخها، حينما هجم الجميع على المحلّات التّجاريّة القريبة منهم والبعيدة بالنّهب والسّرقة والحرق لممتلكات كان يتوجب علينا أن نحافظ عليها، لكن حصل مالم يكن متوقّع. مهما كانت الأسباب والأوضاع التي تعيشها بلادنا، فالخراب ليس من صالحنا. كأنّ بعضهم لم يكن يبحث أساساً عن مقوّمات المجتمع الكريمة من عيش محترم وعمل وصحّة.. إلخ. بلادي عاشت هذه الأزمات المتكرّرة من زمن لآخر، وفي نظري الفساد الأكبر هو من رأس الفتيل إلى مذبل الشّمع الذي يتقاسمه الاثنان، لكن الأوّل هو الذي كان يجب عليه وضع النّقاط على الحروف من بدايتها حتّى لا تتأزّم الأمور شيئاً فشيئاً.. فمتى يتخطّى الشعب التّونسي عتبة الأزمات؟

الدّيمقراطيّة في تونس
يعدّ هذا المصطلح مولوداً جديداً في تونس، وكما أشرت في حوار لي عبر تلفزيون دويتشه فيله الألماني عام 2014 – أيّ بعد مضي ثلاث سنوات على الثورة التّونسيّة – وقاموس (الدّيمقراطيّة) التي يبحث عليها البعض دون الآخر، الذي يعتبرها ليست من أولويّات الشعب التّونسي في الوقت الرّاهن وحتّى لا أفوتكم بالكلام قلت وقتها بأنّ الدّيمقراطيّة في تونس الآن تعتبر كالرّضيع الذي ينمو في وقته بدون عجلة من أمره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.