شعار قسم مدونات

طلب زواج على الطريقة الغربية!

blogs عرض زواج

بعد رواج ظاهرة طلب الزواج أمام العامة أو ما يعرف بالـ "one-knee marriage proposal" في أماكن العمل والدراسة وفي النوادي والمطاعم، وبعد انتشار لافتات الاعتذار أو التعبير عن المشاعر على اختلافها في شوارع مصر مؤخرًا، وما لحقهما من انبهار الصبايا بهذه التصرفات وتمنيها لأنفسهن، بل وتداولها بينهن على مواقع التواصل تعلوها تعليقات لا تليق أبدًا بحياء الفتاة وعفتها ولا تتماشى إطلاقًا وكبرياء الأنثى الفطري وإبائها؛ أحسست بخطأ مُربِك أفقدني الترابط بين حواسي، حالة من التشوش سيطرت على عقلي حتى بات أشبه بشاشات التلفاز قديمًا بعد التاسعة مساءًا.

في صدري اتساع لقبول اختلاف الآراء ووجهات النظر، أتفهَّم تفاوت الناس في أيدولوجياتهم ومبادئهم كل حسبما غرس فيه بيتُه والبيئة التي نشأ فيها، وأعي جيدًا ما يتركه في شخوصنا من أثرٍ تنوعُ المجتمعات التي ينشأ كل منا بين أهلها، بالإضافة إلى ما سبق فإنني أدرك مأساة البشر منذ وجدوا وحيرتهم بين تلوُّن مفاهيمهم للمصطلح الواحد، أعرف كل ذلك جيدًا وأقبله، لا بإرادتي وإنما رغمًا عني؛ فقد خلقنا على الاختلاف، وفي رفضه منافاة للفطرة وهو ما لا أقبله، وما دفعني لكتابة ما بين أيديكم إلا رفضي منافاة الفطرة، ورفضي السير في الاتجاه المعاكس لها والترويج له وتطبيعه، والأصل في هذه الأمور ألا يستسيغها أحد على الإطلاق؛ لأن نفوسنا -مهما انحرفت- تميل إلى فطرتها؛ ليتحقق فيها التوازن الذي لولاه لما تأخرت البشرية يومًا واحدًا عن إفناء بعضها البعض، توازن الخير والشر.

أكاد أسمع تساؤلات القارئ حول الرابط بين منافاة الفطرة وعروض الزواج المقامة في الشوارع، وأثق أنه إن أمعن قراءة الفقرتين السابقتين؛ لن يكون له حاجة في المزيد من الإيضاح، فكيف لا يكون تعارضًا مع الفطرة أن يجعل الناس أسمى رباط خلق على وجه الأرض عرضة لهذا الكم من الشوائب والرتوش في بدايته؟! ألا يبدو في ذلك أي اختلال لفطرة الرجل الذي يركع أمام المرأة بخاتم الزواج، وفطرة المرأة التي تقبل عرضه والتي تُفْتَن بفعلته؟! وللقارئ الذي لا زالت "كيف" تدور في رأسه، اسمح لي أن أهمس لك بما تأخرتَ قليلًا في معرفته، فطرة الله التي جُبِلنا جميعًا عليها، الفطرة -يا سيدي- تقتضي في الرجال القوامة، "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"، فحدثني عن قوامة من وضع اللبنة الأولى في صرح مقدس كالزواج جاثيًا على ركبتيه. وتقتضي الفطرة في الرجال الحَميَّة والغيرة على العرض؛ فأين حَميَّة رجل أوقف محبوبته بين جماهير العامة يشاهدون رد فعلها في لحظة عميقة خاصة كتلك؟!

 

فطرتكِ السوية -يا سيدتي- توجب عليكِ العفة والترفع عن الدنايا كما توجبها على الرجل وأكثر، وتوجب عليكِ الغيرة على عرضك أضعاف ما توجبها عليه، وتلزمك باللين والنعومة مقابل قوامته

الحقيقة أنني قد استوعب أن يتمنى الرجل مواراة امرأته عن أعين الناس جميعًا؛ لأنها فطرته التي ولد بها ثم جاء الدين والعرف فعدَّلَاها وقنَّناها، لكن لا استوعب عكس ذلك أبدًا. الفطرة تقتضي -يا عزيزي- عفة الرجل وترفعه عن الدنايا، حتى أن فطرة ابن شداد صرعت جاهليته يوم قال "وأغض طرفي ما بدت لي جارتي.. حتى يواري جارتي مأواها"، فما بال طالب الزواج ذاك قد أطلق بصره فيمن أرادها زوجة حتى وقف يطلبها ويتفاخر بفعلته أمام العيان. وعلى وجه سواء، تلزم الفطرة الرجال والنساء بالحياء، الذي يحتفظ لكل منهما بمروءته ويضبط بوصلته؛ فينفره من معايب الأخلاق ومساوئها.

وأنتِ أيضًا -حبيبتي- وجب أن تلزمك فطرتك بما لا يتواءم أبدًا مع قبولك موقفًا كهذا، بل لا يتواءم مع أن يبلغ الطرف المقابل في علاقته بك حدًا يسمح له بمثل هذه التصرفات التي لا أجد لفظة أنسب لنعتها من "الصِبيانية"، فليست تلك -عزيزتي- شِيَم الرجال المَرنوَّة، الذين يبنون بيوتًا سوية مستقيمة، شديدة الأسس والعماد، ويربون أجيالًا واعية واعدة يرجى منها خيرًا. أما إن كان طلب الزواج على الطريقة الغربية هو أقصى تطلعاتك لطريقة طلبك للزواج؛ فوَجَب أن تراجعي نفسك وتعيدي ترتيب أفكارك، حينها ستدركين حتمًا أنك أغلى من ذلك بكثير، وأن "أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا" هو أقوم الطرق وأصحها وأقصرها وإن لم تكن الآية قد نزلت في ذلك، لكن يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي أن كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي أن يؤتى من بابه.

إن فطرتكِ السوية -يا سيدتي- توجب عليكِ العفة والترفع عن الدنايا كما توجبها على الرجل وأكثر، وتوجب عليكِ الغيرة على عرضك أضعاف ما توجبها عليه، وتلزمك باللين والنعومة مقابل قوامته، وبهذه الفطرة يتحقق إعمار الأرض ويكون لرباط الزواج قدسيته؛ فما داعي الترويج أو الإعجاب بسلوك مضاد هو للضر أقرب منه إلى غيره؟! وإن كان في فعلة كتلك في نظر البعض دليلًا على شدة الحب، ففي عيونهم خلل، لأن الحب يقوِّم الإنسان ويعزز استقامة نفسه واحترامه لها، وهذا التصرف يتنافى وكل ما سبق.

يسيطر علي الآن شعور بالخزي، فلم يخطر ببالي وقتما كنت طفلة، ولا حين بدأَتْ بذور أفكار تتكون في عقلي، أن سيأتي يوم أدافع فيه عن شيء ظننت يومًا ألا حاجة له بمدافعين، لا لشيء إلا أن أحدًا لا يجرؤ على محاربة أبجديات الحياة. وإن كنت تريد مزيدًا من التفصيل فدعني أصارحك عزيزي القارئ بأمر قاسٍ ينبغي أن ألفت إليه انتباهك، وهو أننا إذا جرَّدْنا وصف أفعالنا مما يزين المصطلحات وإذا توقفنا عن استبدال الألفاظ الصحيحة بألفاظ غيرها أقل حدة وأخف وقعًا؛ لَوَقَعَ هؤلاء -على اختلاف طريقة تبديلهم للفطرة- تحت البند ذاته الذي عوقب لأجله قوم لوط بالصيحة التي جعل الله بها عاليَ أرضهم سافلها، وهي حقيقة تمنيت -صدقًا- أن تكون مبالغة مني.

سامحوني لإثقالي عليكم ولكن بقيَ في رأسي تساؤلين لم أجد لهما ردًا، وهما متى وكيف تبدلت أحلام الصبايا من حلم بفارس يمتطي جواده حاملًا سيفه -على اختلاف ضروب السيوف والجياد- لخدمة الناس أو للدفاع عن أرضه ونصرة الحق، وتبدل معها طموح الشباب لتحقيق هذه الأحلام فيهم؛ إلى رجل يجثو أمامهن متخليًا عن كبريائه وقوامته طمعًا في الزواج منهن، رغم أن بلادنا مزدحمة عن آخرها بالمبادئ التي أنهكتها التجزئة، والسيوف التي صدأت في انتظار حملها، والجياد التي مَلَّت مُناخها ترقبًا لمُمتطييها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.