شعار قسم مدونات

السجن بين الهذيان والصمت.. تصارع وآلام لا تنتهي

blogs السجن

مجدداً، ولا بداية حيث لا نهاية، حلقات متصلة بعضها ببعض، دوائر مفرغة كُتب علينا أن نظل حبيسين وسطها، فلا التقينا بأعلاها ونظرنا للعلي ولا اقتربنا من ادناها فرأينا القاع، نعم إنها متاهة الأقبية المظلمة، مجدداً نحن في أروقة السجون، كنت لا أود أن أواصل الكتابة في ذلك الأمر ولكن غلبني عقلي وسيطرت على قلمي أناملي، فيا تري ماذا قد يخط بناني، وها قد انسابت الكلمات على تلك السطور تسابق الزمن هل من مجيبٍ، هل من سامع؟!

 

لماذا كل الكائنات تجيد الصمت أم أن تصنعه أفضل؟! لا أدري هذه المرة لا رفيق أحدثه، فقد ذهبوا بعيداً عني وبقيت وحدي أصارع مع نفسي وعقلي، أقاوم لأجل روحي حتي المنتهي، وجسدي يقاوم ذلك، أحسبه ملّ من صراعاتي تلك، يجدها تافهة، لن أصل به مجدداً لهُوة السقوط، استحضر قلبك يا فتي، ففي هذا المكان رقد جميع العظماء، حسبك … أري أرواح الذين أوقدوا الشموع للبشرية في ظلام الجهل، وفيه الذين سطروا للإنسانية سطوراً من ضياء لا يخبو نورها حتي لو ماتوا، ولو ذهبت أجسادهم سدي! فيا نفسي.. هل تسمحين لي ببعض الهذيان؟!

 

– إلي أين ؟

– إلي الهاوية

– أبعجبك ذلك ؟

– هل من تصور آخر.

– القمة ؟

– أحلامك لا تنتهي

– هل من سبيل للخلاص ؟

– بلي

– كيف ؟

– بالموت

– عجبا.. أيكون الموت خلاصاً

– الموتُ في سبيل قضيتك حياة

– حسناً.. انتِ تفلسفين الأمور.. لا أود أن أموت مرتين، أود فقط الهروب

صمتاً.. كفي هذا الحوار السوداوي، لا أجد منك سوي انكِ تقاتليني، أهرب منكِ لأجدكِ تشهرين سكينك في الطرف الأخر

– حسناً.. سأتركك للوحده تتلاعب بخلايا مخك، وتخلط بعضها ببعض، فلا تجد من مخرج سوي العودة إلى عالمي

خرج صوت قلبي من أعماقه يخبرني كيف لك ان تدرك حجم النعيم إذا لم تبتلعك نيران الجحيم؟

تتبعها أصوات أخرى.. أين إيمانك بالله؟

أعلم، السجن لم يترك لي متسعا لكبح غمار هذا التصارع سوي بالكتابة، دعني أخرج آخر زفراتي وشهيق عباراتي ومنتهي آلامي

– حسنا.. سوف ننام طويلا.. الموت والنوم متشابهان إلا أن الأول طويل والآخر قصير.. أممم ألا تنهض من سباتك هذا لتعيش فترة أطول؟

– انظري، الجدران تسجنني بداخلها، انه الأستحواذ المطلق

– بل هو الوفاء المطلق لقد ملأت عليها كل شيء فلم تعد تري غيرك!

– حسبك، سكين الآلام تحز جسدي وتمزقه شلواً شلواً، هل الحياة فارغة إلي هذا المستوي ؟

– من باع نفسه في سبيل الكرامة فقد اشتراها!

     undefined

     

كنت أحدثك عن بعض الهذيان، أحسبكِ الآن تبحثين عن المنطق بكلام منمقٍ وحجه قاطعة ودليل منير، الهذيان يمكن أن يساعد علي تجاوز المأساة لكنه أحياناً قد يجعلك تفقدني، وفقدي سَيُفقِدك، لا.. كفي، لن أدع جرحي ينزف هكذا، وأنا انظر، ليست الظلمة مخيفة كما كنت أتصور، ما هو مخيف بالفعل أن يكون القلب مظلماً، أنني أقاتل من أجل أن أحيا.

 

يقولون إني سأتعفن هنا في السجن لأني لم أعد أري الشمس، بالمناسبة لو تسرب العفن إلى جسدي فلن يصل إلى روحي، لأن شمس الحب هي التي تشرق فوق سمائي، السجن صنع مفرداتي وعلمني كل هذا الكلام، يضج بالحياة، أحتاج لفترة كبيرة لكي يستسيغ عقلي أنه غادر عتمته القسرية الدائمة، لا…. ليس للأبد ولكن لفترة مؤقتة، كفي استيقاظاً في مطر الحزن، واشتعالاً في حرائق الأسي، أسرجة اليقين أنطفات بداخلك، صدقيني أعلم ذلك.. قلبي فائض بالأمل، ولكن وحوش الخوف من القادم والرعب من المجهول ترشقه بألفِ سهم وسهم.

 

آه، حزني على اختلاف الأوطان يعصف بي، تفر من نفسها ولكن إلى أين، فقد قال من قبلي "لا تغرب أحداً رأك وطنا" الأوطان نفسها قد تفر من نفسِها إذا حاصرها الآلم وطغي عليه، يا نفسي لا أري من زنزانتي الآن سوي قبر حقيقي، يملأ الإيمان فؤادي فتتسع اتساع الفضاء المطلق وتمتد حتى تصبح مد بصري، ويداهمني الشك أحيانا آخري كما الآن فتضيق حتى تختلف فيها أضلاعي.

 

فيا نفسي لا طائل من ذاك الحديث، لن أنتهي هنا كما أرادوا لي، ما دامت قضيتي عادلة فأني لجيوش الظلام أن تهزمها، إن هذا السوط الذي يغوص في الجسد لا ينال من الروح شيئا، سأكرر هذه العبارات في عقلي مراراً وتكراراً، حينها سيكون النصر حليفي بإذن الله، ولن أكون خائفا على نفسي "إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.