شعار قسم مدونات

بغداد مخيرة بين المطبخ الأمريكي والإيراني!

blogs حيدر العبادي ومقتدى الصدر

العراق مقبل على تشكيل الحكومة والبرلمان مع انتهاء عمليات العد والفرز اليدوي والتي لم تغير شيئا من نتائج الانتخابات بالرغم من جملة الاعتراضات والاتهامات بالتزوير والتلاعب التي أسفرت عن حل مجلس المفوضين واستبداله بقضاة منتدبين من مجلس القضاء الأعلى إضافة إلى عزل مديري خمسة مكاتب لمفوضية الانتخابات في المحافظات والخارج بسبب تزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها، وعلى الرغم من كل ذلك فالنتائج جاءت مطابقة بشكل كبير.

 

الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات مستمرة بمشاورات تحالفاتها لتشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان والتي ستشكل الحكومة المقبلة، وتسعى الكتل الشيعية الخمسة لتشكيل هذه الكتلة بعد حصولها على عدد مقاعد في البرلمان تجاوز النصف ما يعني أنها تشكل الحكومة بأريحية دون الرجوع إلى السنة والكرد وهذا ما تسعى له كتلتا "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي والذي يمثل حزب الدعوة و"الفتح" بزعامة هادي العامري رئيس منظمة بدر، وتمثل هذه الكتلة الحشد الشعبي، حيث قدمت كل من الفتح ودولة القانون مشروعا للكتل الشيعية الخمسة يتمثل بائتلافها واستقطاب أحزاب سنية وكردية قريبة من توجهها لتشكيل حكومة "شراكة".

 

حيث تتفرد الكتل الخمسة بالحكم وتحصل على امتيازات تشكيل الحكومة وتحديد مسار توجهاتها وقوانين وتشريعات البرلمان بحكم عدد المقاعد في مجلس النواب، ومن جانب آخر هناك كتلتا "سائرون" التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر و"الحكمة" بزعامة عمار الحكيم تريدان حكومة "أغلبية" سياسية بالتحالف مع "النصر" بزعامة رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي لتشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان بتحقيق أكثر من نصف مقاعده لتشكيل الحكومة المقبلة.

 

يكمن الخلاف والانقسام السياسي "السني" إذ توجد أحزاب وجهات سنية تطالب بإخراج الحشد من مناطق نفوذها وإعادة النازحين إلى مناطقهم وتغيير الإدارات المحلية لتلك المناطق

وكل تلك الحوارات والمقترحات للكتل والأحزاب الشيعية لا تجري بإشراك الكرد والسنة باستثناء أن طرفي صراع تشكيل الحكومة وهم "دولة القانون والفتح" و"سائرون والحكمة" يحاوران السنة والكرد، وفي حال عدم رضوخ الآخر للشروط فسيكمل أحدهم عدد مقاعده لتشكيل الكتلة الكبرى بالتحالف مع الكرد أو السنة أو كليهما معاً لضمان عدم الفشل أو الإخفاق بتشكيل الحكومة، حيث لا بد من منح الكرد رئاسة الجمهورية والسنة رئاسة البرلمان بحسب نظام محاصصة توزيع الرئاسات الثلاثة.

 

مخاوف الكرد والسنة تتمثل بتفرد الشيعة في الحكم بفضل أغلبية مقاعدهم في البرلمان وتعزيز سيطرة الفصائل المسلحة المنضوية معظمها في هيئة الحشد الشعبي، بعد ما حصلت عليه تلك الفصائل من تمثيل سياسي في الانتخابات لا سيما من مناطق سيطرتها ذات الأغلبية السنية والكردية، حيث انتكست الأحزاب السنية بشكل كبير في الانتخابات بسبب عدم سماح فصائل الحشد بالتواطؤ مع حكومة العبادي بعودة النازحين إلى مناطقهم، إضافة إلى حدوث تلاعب كبير بالنتائج بالاشتراك مع أحزاب وجهات سنيّة تسيطر على الحكومات المحلية في المحافظات والمناطق السنية تقاسمت معها مراكز اقتراع الناخبين لقرب هذه الجهات السياسية من توجه الحشد ولوجود مصالح مشتركة بعضها سياسية وأخرى تجارية وإقليمية.

 

وهنا يكمن الخلاف والانقسام السياسي "السني" إذ توجد أحزاب وجهات سنية تطالب بإخراج الحشد من مناطق نفوذها وإعادة النازحين إلى مناطقهم وتغيير الإدارات المحلية لتلك المناطق، أما المخاوف الكردية فلا تختلف كثيراً عن السنة، إذ يشعر الكرد بضياع كركوك بعد انسحاب القوات التابعة لحزب الاتحاد الكردستاني المسيطر على محافظة السليمانية، إضافة إلى تقدم القوات الاتحادية والحشد إلى مناطق متنازع عليها كانت القوات الكردية قد فرضت سيطرتها عليها بعد عام 2003 وضمتها لإقليم كردستان ناهيك عن صعوبة الثقة التامة بعد قطع مرتبات موظفي الإقليم، ما تسببَ بأزمة داخلية كادت تنهي وجود قطبي حكومة إقليم كردستان "الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد" حيث يدير الديمقراطي متمثلا بعائلة البرزاني الإقليم في حين تذهب حصة رئاسة الجمهورية لعائلة الطلباني.

 

وهناك انقسامات وخلافات كبيرة بين الحزبين ليست بالجديدة وهي أيضاً متعلقة بالانقسامات بين الشيعة وكذلك السنة، حيث لكل من طهران وواشنطن جانب من السياسة العراقية وأين تميل كفة الميزان ترجح جهة لتشكيل الحكومة، واللافت أن الطرفين لهما من جميع المكونات السياسية مقربون.

 

نفوذ إيران هو الأقوى منذ سنوات بعد سماح إدارة أوباما بتقوية ذلك النفوذ حتى وصل بسط سيطرة شبه كاملة على جميع مفاصل الدولة العراقية "سياسيا، أمنيا، اقتصاديا" ويعد التبادل التجاري بين إيران والعراق هو الأكبر بفضل الضوء الأخضر الأمريكي بعد عام 2003، لكن يبدو أن البقر الأمريكي قطع التغذية عن النظام الإيراني، وهذا لا بد أن يبدأ من العراق ولتزامنه مع مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة تسارعُ الكتلُ السياسية القريبة من إيران لتشكيل الحكومة بمعزل عن المقربين من أمريكا لضمان عدم دخول العراق طرفاً بالحصار على طهران ولعدم نسف جهات وأحزاب وفصائل مسلحة وشخصيات ارتبط مصيرها بمصير النظام الإيراني، ما يؤكد أن عملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة لن تحصل دون تدخل مباشر من إدارة ترمب واستماتة في التدخل من إدارة روحاني، فالعراق اليوم ليس مجرد دولة جارة لإيران بل هو الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني كما أنه منجم للمقاتلين ورجال الدين الذين يتم من خلالهم الضغط الإيراني في العراق والمنطقة.

 

لم تحقق نتائج الانتخابات تمثيلا حقيقيا للمناطق التي شهدت عمليات عسكرية ودمار، الأمر الذي قد يبقي على الوضع المأساوي لسكانها مالم تأتِ حكومة حريصة فعلاً على إعادة إعمار تلك المناطق وإرجاع سكانها إليها
لم تحقق نتائج الانتخابات تمثيلا حقيقيا للمناطق التي شهدت عمليات عسكرية ودمار، الأمر الذي قد يبقي على الوضع المأساوي لسكانها مالم تأتِ حكومة حريصة فعلاً على إعادة إعمار تلك المناطق وإرجاع سكانها إليها
 

من جانب آخر تدرك الإدارة الأمريكية أن عملية تشكيل الحكومة العراقية هي مفتاح التضييق على النفوذ الإيراني في العراق وأن الحصار الاقتصادي لن ينجح دون إغلاق الحدود العراقية الإيرانية المشرعة برا وجوا، ولابد من استبدال الجهات المسيطرة على الحكم منذ سنوات، وفي مقدمتهم حزب الدعوة القريب من إيران وإنهاء وجود الفصائل المسلحة التي تعد القوة الضاربة داخل العراق، وهذا ما يدركه جيداً كل من مقتدى الصدر وعمار الحكيم ويشعران أن الفرصة سانحة لمسك مقاليد السلطة في العراق.

 

كما وتدرك الإدارة الأمريكية أن هناك انقساما كبيرا بين السياسيين السنة وكذلك الكرد وهم أضعف من أن يقودوا شوارع مناطق نفوذهم التي فقدت الثقة بالجميع بعد النكبات المتواصلة، أما العبادي الذي يلعب بشكل متوازن على سلك سيرك مسرح العملية السياسية فهو ورقة للرابح، فسواء شكلت الحكومة بإرادة أمريكية أو إرادة إيرانية تبقى حظوظ العبادي هي الأوفر في ظل التوافق عليه من الجهتين لكونه يتماشى مع الجانبين ويصعب تحريكه والسيطرة عليه.

 

ومع قرب حسم شكل التحالف الأكبر داخل البرلمان والذي سيقرر شكل الحكومة المقبلة والسعي الأمريكي والإيراني لتقديم الشخصيات والجهات الأقرب لهما، يبقى لنتائج الانتخابات تأثيرها المباشر، وهذه النتائج وفرت غطاء سياسياً لفصائل مسلحة وجهات سياسية فازت بالتزوير والتلاعب بأصوات الناخبين، ما يؤكد مخاوف الشارع العراقي من استمرار الفساد وضياع مقدرات البلاد واستمرار الفقر والبطالة والنزوح.

 

كما لم تحقق نتائج الانتخابات تمثيلا حقيقيا للمناطق التي شهدت عمليات عسكرية ودمار، الأمر الذي قد يبقي على الوضع المأساوي لسكانها مالم تأتِ حكومة حريصة فعلاً على إعادة إعمار تلك المناطق وإرجاع سكانها إليها، والأمر لا يهم لهؤلاء السكان إن كانت يد أمريكية أو إيرانية، فما عادَ الأمر يفرق كثيرا، بانتظار تناول إما طبخة أمريكية أو إيرانية، وربما يكون المطبخ مشتركاً بأيدٍ عراقية كما حصل في السنوات السابقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.