شعار قسم مدونات

السياسة والإعلام والفساد ثالثهما!

blogs اعلام

يطرح الإخضاع السياسي للإعلام الشكل التقليدي لتوظيف وسائل الإعلام من خلال السيطرة على مؤسساتها، كما يجري في لبنان، على يد أنظمة سلطوية تقودها مافيات وميليشيات لها امتدادها ونفوذها في معظم مؤسسات وأروقة الدولة.

 

لا تعمل السياسة بدون الإعلام. ولا يعيش الإعلام إلا في كنف السياسة. هذا بشكل عام، ولا يجتمع الاثنان إلا والتشبيح ثالثهما. كلاهما يُبلّغ.. ويُبالغ. السياسة تحتاج إلى إعلام يعبر عنها وينقل للمتلقي – المواطن –  بقوة وجهة نظرها. تريد منه أن يساعدها بكل ما يستطيع في استمالة الرأي العام وحشدهم خلفها.

 

والإعلام بدوره لا يعيش إلا على السياسة. فأخبار الرياضة والأفلام وبرامج المنوعات لا يمكن أن تُشبع على كثرتها فضول الإعلاميين أو الجسم الصحافي لأنهم يدركون أن الإعلام يقف دائماً على مرمى حجر من السياسة، يراقبها وتراقبه. فالإعلام يرجع إلى القوى السياسية ليقول لهم هذا ما يقوله الناس عنكم وهذا ما يتمنونه منكم. ولم يكن غريباً بسبب حاجة السياسة والإعلام إلى بعضهما أن يكون لكل سياسي إعلامي مفضل لديه.

 

ما نحتاجه اليوم هو تأسيس الشخصية الصحافية من خلال التأهيل والتدريب على الأخلاقيات المهنية، ما يخول الصحافي والإعلامي تقدير متى يجب أن يعطي الخبر أو متى يحجبه

ولم يكن غريباً كذلك أن تشترك السياسة والإعلام في خصلة واحدة هي الميل إلى المبالغة بل الكذب احياناً. فما إن يجتمع الاثنان حتى تصاحبهما المبالغة. فكلاهما يقوم بالتبليغ. ولا تبليغ بدون مبالغة. السياسي يرسل للمتلقي من خلال بيان يلقيه أو مؤتمر صحفي يعقده ما لديه من خطط وبرامج والمواطن هو المتلقي وهو الذي يتلقى كل شيء من صدق وكذب! وكثيراً ما يبالغ السياسيون عندما يعدون بأن خططهم ستحقق أكبر عائد وأن سياساتهم ستجعل الوطن أكثر أمناً وتطوراً. مثال على ذلك وزراء الكهرباء في لبنان منذ العام 1996. كل يعد بكهرباء 24/24 خلال فترة تربعهم على عرش الوزارة.

 

والمبالغة ليست غريبة لا على السياسة ولا على اللبنانيين. وهي واضحة وضوح الشمس في منطقتنا العربية حتى للعوام. اعتدنا أن نسمع من الساسة والإعلاميين كلاماً إما يعج بالمدح أو يبالغ في القدح. نرى دائماً مبالغات لمادحين تشيد برؤى خارقة لزعيم فذ لم يسبق إليها أحد. وهي وأعمال تكاد تكون عادية لكنها تصور كانتصارات مذهلة وهو يكون قد قام بأقل من واجبه المطلوب.

ثم تأتي الوسيلة الإعلامية التي تتبع لهذا الزعيم وتخضع لنفوذه، لتقوم بالتبليغ عبر مقالات وبرامج ونشرات تمتد لأيام وربما لشهور كالذي يطبق قاعدة كذب كذب لا بد أن يصدقك الناس! هذا من جهة ومن جهة أخرى يشهد الأسلوب الصحفي هبوطا إلى مستويات متدنية. شتائم يمنة ويسرى تجاوزت كل الحدود ووصلت إلى التخوين في أعلى مستوياته، هم شبيحة الصحافة والإعلام. ولا يمكنني أن أتخيل كيف أن بعض الرواد في الاعلام ينحدر إلى مستوى المباشر فيتشابك بالأيدي مع زميله! لعل السبب إرضاء الجمهور والمرجعية السياسية على حساب الرسالة الإعلامية.

 

إنها متاريس إعلامية تخدم المصالح السياسية والطائفية لمرجعياتها بمعزل عن المهنية والموضوعية. قلتها يوماً لوزير الإعلام "لو طبقنا قانون المجلس الوطني للإعلام لأقفلت جميع وسائل الاعلام المرئي والمسموع". وسائل نشأت بفعل الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، ومن دون الحصول على صيغة قانونية تنظمها، وظفتها القوى السياسية في صراعاتها، حتى كان اتفاق الطائف وعودة السلم الأهلي عام 1990 وما تلاه من قوانين شرعنت هذه الوسائل وفرضت عليها التعددية التي لم تحل دون احتفاظها بهوياتها الطائفية لأنها نالت الرخص أساسا وفق اعتبارات مذهبية وسياسية.

 

ما نحتاجه اليوم في لبنان هو إعلام صادق وصحافة شفافة لأننا نعيش في زمن ملبد بالحقائق غير المكتملة والملوثة. فبدون التخلص من جرعات المبالغة السياسية والإعلامية الزائدة يصعب الوصول إلى صورة دقيقة وواضحة. فنصف ما تقدمه السياسة ويطرحه الإعلام مليء بالمبالغة أما النصف الآخر فيحتاج إلى مزيد من التحري والتدقيق..

 

ما نحتاجه اليوم هو تأسيس الشخصية الصحافية من خلال التأهيل والتدريب على الأخلاقيات المهنية، ما يخول الصحافي والإعلامي تقدير متى يجب أن يعطي الخبر أو متى يحجبه. لسوء الحظ الامور مسيسة بشكل ينتج فوبيا تتعلق بأصغر تفصيل، فالمهنية تقضي بعدم تغليب الرأي والتحليل على الخبر كما هو حاصل في مقدمات نشرات الاخبار في غالبية القنوات اللبنانية. نعم هناك تذمر من أن نشرات الأخبار تسيس محتواها من خلال الرأي والتحليل على حساب الخبر. يجب أن تكون الأخبار فقط في النشرة أما الرأي فيعطيه ضيف متخصص وفي إطار واضح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.