شعار قسم مدونات

جمالية الموت في الرواية

blogs كتب إسلامية

في التعريف الابستمولوجي للمادّة السردية سواء في القصّة أو الرواية يكون في إعادة تشكيل العالم باللغة، أي أن الكاتب يسعى من خلال هذا النتاج الأدبي إلى بعث عالم خاص به، عبر المادّة اللغوية من فقرات وجمل وكلمات… ويسمى بعالم الرواية أو العالم الروائي، وفي هذا العالم بشكّل الكاتب رؤيته للحياة وللكون وللمجتمع… ولعلّ الموت جزء أساسي من هذه الحياة، حتّى لو بدا لوهلة نقيضا لها. فالموت هو الوجه الجانبي للحياة، باعتبار فكرة الثنائيات المتباينة التي تمنحنا قيمة الأشياء في بعد تجريدي شبه مطلق، فأهمية الحياة تكمن في كونها ضد الموت. وفي هذا الإطار تتنزّل الراوية كتشكّل للحياة أو على الأقل جزء منها، وفيها يكمن الموت كما تكمن الحياة. وفي هذا المقال سنسعى لتسليط الضوء على فسفة الموت في الرواية، من خلال الدلالة الاستيتقية عبر جمالية الموت في الرواية.

 

في البداية، يُعتبر موضوع الموت من أكثر الموضوعات الإنسانية اثارة للجدل لما يشكله من أطروحات تتعلق بارتباطها الوثيق بحياة الإنسان ومغزى كينونته في أبعادها الفلسفية والاجتماعية والميتافيزيقية… والبحث عن جمالية الموت في النطاق الأدبي ومنه السردي فالرواية تحديدا، يسلط الضوء على البنية الأنثروبولوجية لثنائية الموت والحياة التي استلهمها الكاتب من واقعه كإنسان بدرجة أولى مصيره الموت ككل الكائنات الحية. فالسمة الأساسية هي سيطرة الموت على مفاصل الرواية وامتدّت من فضائها الورقي إلى حقيقة الإنسان سوسيولوجيا وعلى مستواه الفردي.

 

فالثابت في جمالية الموت في الرواية يبدو في مستوى التحولات الأفقية والعمودية للخطّ السردي داخلها أي في الزمان والمكان وفي اختيار بطل يعمل مع الموت وجها لوجه فإمّا أن يقتل وإمّا أن يموت هو. ففي خضم هذا الموت العبثي الذي تنتجه الطبيعة كنتيجة حتمية لكل الكائنات الحية يبقى الموت رغم كل تقدم في العلوم والحضارة والتكنولوجيا سرا رهيبا ولغزا يستعصي فك شفراته، بل وتحيطه هالات من خيال وتخييل مرتبطة بشيء من الأنطولوجيا الفكرية الموغلة في عملية البحث عن ثنائية الحياة والموت.

 

تأتي كلّ أحداث الروايات عبر تجسيد بطل رئيس أو شخصية ثانوية تقدّم خدمات درامية هامّة للبطل مصطدمة بالموت

هذه الثنائية ينسجها الكاتب في تعالقه مع البنى الجمالية والفنية داخل الرواية. وكيف أن الكاتب يبعث الموت من وسط تلك الصروح والأبنية الفلسفية والمعرفية معتمدا على التعريفات الكامنة في المتن السردي ليصل إلى غايات معينة تدفع بوحشية الموت نحو ارتداء عباءة الجمالية الروائية، ولكن كلّ هذا يتمّ بطرائق فنية تتسم بالتجديد والوصفات التجريبية التي تقطع مع كل ما هو فلكلوري كلاسيكي ونمطي، لشد القارئ والاستحواذ على بواطن فكره وإمتاعه بطرق مغايرة ومسايرة للواقع.

 

 لقد استثمر عديد الكتّاب فلسفة الموت فنيا وجماليا لإنتاج الروايات المتشظية بالدلالات الجاذبة وتطريز المتون السردية فيها باستهلالات وانزياحات تضيف إلى رصيد القارئ اللغوي والفكري والمعرفي الشيء الكثير. كما انزاحت الرواية في دلالتها الايتيقية إلى لعبة الموت بكلّ ما فيه من طقوس وأعراف ومشاعر وأحداث وأفكار… وفي هذا الجانب نذكر رواية انقطاعات الموت للروائي الشهير خوسيه ساراماغو الحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1998 عندما قال في أوّل سطر من روايته: "ومن الغد لم يمت أحد".

 

في الختام، حتّى لو قاربت بعض الروايات العربية والعالمية وبنسب فنية ومعرفية متفاوتة، بشكل مربك حينا وموظف حينا آخر، ظاهرة أو فلسفة الموت في المتن الروائي الممتدّ إلى الواقع الإنساني تبقى إشكالية ما بعد الموت في بعدها التخييلي موضوعا آخر لربط ما قبل الحياة بما بعد الموت ولهذا تأتي كلّ أحداث الروايات عبر تجسيد بطل رئيس أو شخصية ثانوية تقدّم خدمات درامية هامّة للبطل مصطدمة بالموت على نحو مقولة جون كيتس: "الموت يصنع التاريخ والتاريخ يصنع الموت". 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.