شعار قسم مدونات

غزة يبتلعها الطوفان!

blogs الضفة الغربية

لو استيقظنا آسفين أو غير آسفين؛ كل حسب توجهه وشعوره، على خبر أن طوفانا عظيما ابتلع غزة، وبات مكان غزة بحرًا كبيرا، حيث توسعت مساحة البحر الأبيض المتوسط لتشمل 360 كلم مربع، وهي مساحة القطاع كاملًا، 2 مليون فلسطيني أكلهم سمك القرش وعظم الله أجركم. انتهت مشكلة البالونات الحارقة، وانتهت مشكلة الأنفاق وسلاح المقاومة، ولم تعد أنّاتُ أطفالهم المعتصمين على حدود غزة تزعج أحدًا، ولم يعد هناك حاجة لأي قبة حديدية أو الحديث عن تهدئة، فمشكلة صواريخهم انتهت، كما أنه لم يعد هناك لا هنية ولا سنوار ولا فضائية أقصى ولا انقسام فلسطيني.

السؤال الذي يخطر ببالي، ما هو المشروع الفلسطيني في الضفة؟ كيف سيتم ملئ فراغ فضائياتنا الفلسطينية وعن ماذا ستتحدث؟ ماذا سنقول للشعب عن أسباب جديدة لفشل مشروع السلام غير الانقسام الفلسطيني؟ بماذا سنبرر للمواطن الفلسطيني أسباب انهيار الاقتصاد وانتشار الرشاوى والمحسوبية والمافيات وجرائم القتل؟ ماذا سنعلق للمواطن الفلسطيني الذي سيتفرغ للسؤال عما تخبئه له قياداته من حلول لمشاكل الصحة والمياه والكهرباء والبنى التحتية؟ 

هل يا ترى نَحْسُ غزة سيرجع الينا من جديد، على شكل أشباح تشبه هنية والسنوار، تعمل ليل نهار لتخريب المشروع الفلسطيني! هل يا ترى سيكون تلوث مياه البحر من جثث 2 مليون فلسطيني هي المبرر لتردي الوضع الصحي وانهيار تلك المنظومة في الضفة! هل سينشغل إعلامنا بالحديث عشر سنوات أخرى عن علاقة الطوفان الذي أصاب غزة بمشروع التهدئة الانفصالي الذي كانت فصائل المقاومة في غزة تود عمله، بدل حديثه عن مشروعنا نحن في الضفة وماذا نود أن نعمل!

مشاريعنا السياسية فشلت فشلا ذريعا، ولا يوجد اقتصاد حتى نقول أن الاقتصاد فشل، فاليوم المواطن الفلسطيني يعتمد على العمل في إسرائيل والرواتب، ولا يوجد أي نوع من الاقتصاد الانتاجي

لقد انشغلنا وأُشغلنا على مدار أكثر من عشر سنوات بربط الفشل الحاصل في المشروع الفلسطيني بأسره بمشكلة غزة والانقسام، وباتت تلك المشكلة هي الجواب المريح لكل من يتساءل عن مآسينا ومشاكلنا في الضفة، بالرغم من أن ميزانياتنا في الضفة تصلنا كاملة، والعالم بأسره يعترف بالسلطة الوطنية ويحُج إليها، الا أننا لا زلنا وعلى مدار عشرة سنوات نرى واقع الضفة يتراجع من أسوأ إلى أسوأ.

مشاريعنا السياسية فشلت فشلا ذريعا، ولا يوجد اقتصاد حتى نقول أن الاقتصاد فشل، فاليوم المواطن الفلسطيني يعتمد على العمل في إسرائيل والرواتب، ولا يوجد أي نوع من الاقتصاد الانتاجي، مساحات ضخمة من الضفة نهبت لصالح الاستيطان، المنظومة الأمنية في تراجع فقد ازداد تغول العائلات على حساب القانون وبتنا نسمع عن حوادث قتل كل يوم، الأسعار في ارتفاع مستمر دون حسيب أو رقيب، المنظومة الصحية تعاني معاناة شديدة ولم نرى تطويرات نوعية على القطاع الصحي، مشاكل المواصلات والازدحامات المرورية تزداد يوماً بعد يوم، ولم نرى أية مشاريع نوعية تحل مشاكل المواصلات أو تستخدم وسائل حديثة في النقل كالقطارات الكهربائية داخل المدن.

صحيح أن المحتل الاسرائيلي يتحدث ليل نهار عن مشكلة غزة، وأنه يعاني أيضاً من انقسامات داخلية مهولة، إلا أنه لم يتخذ كل تلك الاشكاليات كمبرر لكي ينسى واجباته تجاه مواطنيه ودولته المزعومة، شعرت بالذهول من حجم المشاريع التي خطها وزير المواصلات الصهيوني لتطوير ذلك القطاع، يعملون ليل نهار لتطوير اقتصادهم وعقد الاتفاقات مع دول العالم في مجال التعاون التجاري، لا يهدؤون لحظة عن تطوير القطاع التعليمي والصحي، والحديث يطول عن انجازات المشروع الصهيوني تجاه شعبه. اليوم بات من غير المعقول أن ينسب كل الفشل القائم في المشروع الفلسطيني، لمشكلة الانقسام الفلسطيني، وأن يخاطب المواطن الفلسطيني كلما سأل عن شيئا من حقوقه إما بمشكلة الانقسام أو مشكلة الاحتلال.

أين الخطط التي تخطها كل وزارة لخدمة مواطنيها؟ أين مشاريعنا قصيرة وطويلة المدى؟ ما هي استراتيجياتنا لحل أزمات المواطن الاقتصادية؟ هل من بديل عن أن يعيش المواطن الفلسطيني عبدًا عند الاسرائيليين ينتظر فتح البوابة كل صباح من أجل أن يحصل على لقمة عيشة؟ هل هناك أية خطط لتطوير القطاع الصحي وحل مشاكل نقص المستشفيات؟ والأسئلة تطول كما خيبات أمل المواطن الفلسطيني. واقعنا في الضفة واقع أليم، لا يقل سوءا عن المحاصرين هناك في غزة هاشم، هم يعيشون أوضاعا صعبة لأنهم لا زالوا يرفعوا شعار "الحرة لا تأكل بثدييها"، ونحن لا زلنا نعيش أوضاعا متردية بالرغم من تخلينا عن ذلك الشعار، فالحرة لدينا باعت ثدييها بثمن بخس دون حتى أن تأكل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.