شعار قسم مدونات

وهم حقوق الإنسان.. لست مهاجرا شرعيا حتى تكون بطلا!

blogs بول بوغبا

لم تجد العديد من الدول الأوروبية الكبرى حرجا في استغلال عدد كبير من أبناء المستعمرات التي كانت تحت سيطرتها ليحاربوا لصالحها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، مثلما فعلت فرنسا التي كان جيشها مكونا بالأساس من جنود قادمين من القارة الإفريقية، لا سيما من دول المغرب العربي. وعادت هذه الدول لتستنجد مرة أخرى بمستعمراتها في إطار عمليات إعادة التعمير بعدما تعرضت لتدمير كبير بسبب الحرب العالمية الثانية؛ فلم يكن المطلوب من هؤلاء العمال المهاجرين الذين استُقدموا سوى التشمير على سواعدهم والقيام بالأعمال اليدوية المضنية كأشغال البناء والعمل في المناجم على سبيل المثال.

وسعيا من هذه الدول المُستعمِرة إلى النهوض بالمجال الرياضي وجهت بوصلتها نحو المستعمرات للمرة الثالثة في مرحلةٍ أولى. فالبدء بهذه المقدمة التاريخية المقتضبة هو تيسير فهم الغرض من هذا الموضوع وهو تسليط الضوء على الدور الكبير الذي قام به المهاجرون من الجيل الأول -سواء الذين جيء بهم غصبا أو طواعيةً- ومن الجيل الثاني في تطوير الحركة الرياضية في الدول التي يُطلق عليها اليوم الدول المتقدمة، والتركيز هنا سيكون بشكل كامل على المهاجرين الأفارقة، واتخاذ دولتي فرنسا وبلجيكا مثالا على ذلك في مجال كرة القدم في الجزء الأول؛ في حين سيُخصص الجزء الثاني من هذه الأسطر لموضوع تجنيس الرياضيين الأفارقة الممارسين لرياضة ألعاب القوى، وأثر ذلك على البلدان المُجنسة.

تأتي فرنسا في مقدمة البلدان التي اعتمدت ولا تزال تعتمد بشكل كبير على المهاجرين من الجيليين الأول والثاني في رياضة كرة القدم، والأمثلة كثيرة جدا بدءا بالسينغالي الأصل، راوول دياني، أول لاعب ذي بشرة سوداء يُمثل منتخب فرنسا وكان ذلك سنة 1931. ولم يجد دياني صعوبات تُذكر في اللعب للمنتخب الفرنسي نظرا للمكانة المرموقة التي كان يحظى بها والده في المشهد السياسي الفرنسي. ولم تمر سوى سنوات قليلة لتشهد فرنسا قدوم نجم كبير إلى أراضيها من المغرب كان يُطلق عليه لقب الجوهرة السوداء، ويتعلق الأمر بالعربي بن مبارك، ليصبح فيما بعد صاحب أطول مسيرة كروية مع المنتخب الفرنسي والتي امتدت لثلاث عشرة سنة.

أخذ فيما بعد عدد اللاعبين من أصول إفريقية الذين كانوا يؤثثون المنتخب الفرنسي يزداد بشكل كبير بتوالي المسابقات والسنوات، ولوحظ ذلك جليا في المنتخب الذي خسر نهائي كأس العالم 2006

وتكفي شهادة أحد أساطير الكرة العالمية، بيلي، في حق بن مبارك لتلخص القيمة الكروية لهذه الموهبة حينما قال "إذا كنت أنا ملك الكرة، فإن ابن مبارك هو إلهاها". وما فتىء عدد اللاعبين الفرنسيين من أصول إفريقية في صفوف المنتخب الفرنسي يتضاعف خلال النصف الثاني من القرن العشرين، نتيجة تزايد عدد المهاجرين الذين توافدوا على فرنسا سواء من المستعمرات التي كانت تابعة لها أو من بلدانٍ إفريقية أخرى بحثا عن حياة أفضل. وانتظر الجميع في فرنسا إلى غاية أواخر العقد الأخير من القرن الماضي ليشهدوا بزوغ نجم غير عادي من أبوين جزائريين، نجح في قيادة منتخب الديوك إلى إنجاز استعصى على لاعبين كبار سابقين تحقيقه، ألا وهو الفوز بكأس العالم لأول مرة سنة 1998 رفقة لاعبين مميزين، مثَّل عدد لا بأس به منهم الجيل الثاني من المهاجرين الأفارقة ويتعلق الأمر باللاعب الأنيق، زين الدين زيدان، الحائز على جائزة أفضل لاعب في العالم في السنة نفسها. 

وقد أخذ فيما بعد عدد اللاعبين من أصول إفريقية الذين كانوا يؤثثون المنتخب الفرنسي يزداد بشكل كبير بتوالي المسابقات والسنوات، ولوحظ ذلك جليا في المنتخب الذي خسر نهائي كأس العالم 2006 بألمانيا أمام نظيره الإيطالي بركلات الترجيح في حضرة الكبير، زين الدين زيدان، الذي خاض آنذاك آخر مباراة في مشواره الكروي، وفي المنتخب الذي بلغ نهائي كأس الأمم الأوروبية بفرنسا سنة 2018 قبل أن يسقط على يد المنتخب البرتغالي. وابتسم الحظ أخيرا للمنتخب الفرنسي في كأس العالم الأخيرة التي أحرزها بفضل تشكيلة أغلبها من الفرنسيين ذوي أصول إفريقية، آثروا تمثيل البلد الذي ترعرعوا فيه ووفر لهم جميع الظروف المؤدية إلى النجاح فمثلوه أحسن تمثيل على غرار، بول بوغبا من أصول غينية وكييليان مبابي من أصول كامرونية وصامويل أمتيتي الذي ولد في الكاميرون قبل أن يهاجر رفقة عائلته إلى فرنسا.

وسلكت بلجيكا المسلك نفسه فيما يخص الانفتاح على المهاجرين سواء أكانوا من الجيل الأول أو الجيل الثاني، وإن جاء هذا الاهتمام متأخرا نوعا ما مقارنة مع فرنسا، وذلك منذ أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي وبالأخص خلال السنوات الأخيرة. ويبقى أول لاعب إفريقيٍ مثَّل المنتخب البلجيكي الرديف هو الكونغولي الأصل ليون موكونا. وبرز في وقت لاحق لاعبان شقيقان تنحدر أصولهما من البلد نفسه، أي الكونغو الديمقراطية، ويتعلق الأمر بكل من مبو مبينزا، الشقيق الأكبر الذي دافع عن ألوان بلجيكا في ست وخمسين مناسبة مسجلا ثلاثة أهداف، إضافة إلى مشاركته في بطولتي كأس العالم 1998 و2002؛ والشقيق الأصغر إيميل مبينزا الذي حمل قميص الشياطين الحمر في سبع وخمسين مباراة مسجلا تسعة عشر هدفا وشارك في كأس عالمٍ واحدة سنة 1998.

undefined

 

وتمكنت بلجيكا من تحقيق أحسن إنجاز لها في تاريخ مشاركاتها في نهائيات كأس العالم خلال النسخة الماضية التي جرت أطوارها بالأراضي الروسية، باحتلالها المركز الثالث بفضل جيل مميز قاده عدد مهم من اللاعبين البلجيكيين من أصول إفريقية، خاصة من إحدى المستعمرات التي كانت تابعة لبلجيكا في القارة السمراء وهي الكونغو الديمقراطية (الزايير سابقا)، وهو البلد نفسه الذي تنحدر منه أصول هؤلاء اللاعبون وهم: فينسنت كومباني ورميلو لوكاكو وميشيل باتشوايي وأخيرا ديدريك بوياطة، كما ضمت تشكيلة الشياطين الحمر لاعبين من أصول مغربية كان بإمكانهما تمثيل بلدهم الأصلي المغرب لكنهما فضلا اللعب لبلجيكا في نهاية المطاف، ويتعلق الأمر بكل مروان فلايني وناصر الشاذلي.

ولم يفرض اللاعبون الأفارقة حضورهم في البلدين المذكورين آنفا فحسب، بل أثبتوا أنهم لا يقلون شأنا عن أقرانهم في البلدان المتقدمة التي هاجر إليها أباءهم وحيث ولدوا هم، وخير مثال على ذلك منتخب ألمانيا الذي تُوج بكأس العالم سنة 2014 بالبرازيل بفضل تشكيلة ضمت لاعبين من أصل إفريقي وهما على التوالي: جيروم بواتيغ ذو الأصول الغانية وسامي خضيرة ذو الأصول التونسية، والنقطة المشتركة بين هاذين اللاعبين أنهما ضمنا مكانا أساسيا في تشكيلة المنتخب في أغلب مباريات هذه النسخة من كأس العالم.

أجبرت الإنجازات الكبيرة التي حققها ويحققها الرياضي الإفريقي ليس في رياضة كرة القدم فقط الدول الكبرى – التي كانت تفرض عليه في وقت سابقا تمثيلها غير آبهةٍ برأيه ورغبته- على تغيير سياستها تجاه هذا الرياضي فأصبحت تبدل قصارى جهدها من أجل إقناعه بالدفاع عن ألوانها عوض بلده الأصلي موفرة له كل ما يحتاجه من وسائل مادية ومالية. ولن نجد مثالا أفضل من رياضة ألعاب القوى- التي سيُخصص لها الجزء الثاني- وما تقوم به الدول الكبرى والدول الصغيرة والغنية التي تعاني من عجز في أحد تخصصات ألعاب القوى لضم رياضيين من القارة السمراء يمكنهم سد هذا العجز وإهدائهم ميداليات في أكبر المحافل العالمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.