شعار قسم مدونات

لا تعدموهم!.. هل يسوق الانقلاب العسكري مصر لحرب أهلية؟

blogs دار القضاء العالي

تشهد مصر منذ وقوع الانقلاب العسكري في يوليو من عام 2013 العديد من الوقائع غير المسبوقة في تاريخها ومنها حالات القتل غير القانوني سواء كان ذلك في شكل حوادث فردية أو مذابح جماعية. وفي واحدة من أبشع جرائم الانقلاب العسكري في مصر في حق الإنسانية، وفى استمرار من قضائه المسيس في إصدار أحكام إعدام بالجملة، أصدرت محكمة جنايات القاهرة يوم السبت الموافق الثامن من سبتمبر من عام 2018 حكما بإعدام 75 شخصا فيما يعرف بقضية "فض رابعة"، كما حكمت على أكثر من 600 متهم آخرين في نفس القضية بالسجن المؤبد والمشدد لمدد متباينة.

وكانت النيابة قد وجهت إلى المتهمين تهما تتضمن ارتكاب جرائم تدبير تجمهر مسلح والاشتراك فيه بميدان رابعة العدوية وقطع الطرق، وتقييد حرية الناس في التنقل، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل. بينما لم تحرك النيابة ساكنا ولم تتكلف عناء اتخاذ أي إجراء قانوني للتحقيق فيما حدث في نفس الواقعة من مقتل وإصابة المئات من المعتصمين أثناء فض اعتصام رابعة، أو تقديم أي متهم بهذا الخصوص إلى المحاكمة.

وقد اعترت هذه المحاكمة العديد من أوجه القصور القانوني ومنها أن النيابة لم تقدم أدلة كافية على إدانة المتهمين، ولم تكفل المحكمة ضمانات التقاضي القانونية بما في ذلك حقوق الدفاع عن المتهمين، كما أن بعض المحكوم عليهم لم يكونوا بمصر وقت وقوع أحداث القضية وكان البعض الآخر حبيس سجون النظام في نفس وقت وقوع الأحداث موضوع القضية. بالإضافة إلى تجاهل المحكمة لتقارير محلية ودولية أكدت على سلمية الاعتصام، وغضها الطرف عن العديد من المقاطع المصورة لمقتل وإصابة المئات من المواطنين – على أقل تقدير – أثناء عملية فض الاعتصام على يد قوات النظام، والتي تم بثها من خلال وسائل الإعلام المصرية والدولية.

قيام النظام بإعدام هؤلاء كسابقيهم يزيد من تلطخ أيدي قيادات النظام بالمزيد من دماء الأبرياء.. فضلا عن كونه إثبات آخر لمدى فساد مؤسسة القضاء في ظل نظام الانقلاب العسكري في مصر

وقد أثارت تلك الأحكام ردود فعل سلبية محليا وإقليميا ودوليا. حيث أثارت استياء جماهيريا واسعا، كما دفعت عشرات النشطاء السياسيين والحقوقيين المصريين لمطالبة المجتمع الدولي وكل منظمات حقوق الإنسان بالتدخل لوقف تنفيذ أحكام الإعدام بحق المعارضين السياسيين، محذرين من تبعات إصدار وتنفيذ مثل تلك الأحكام. وعلى المستوى الإقليمي قالت المنظمة العربية لحقوق الانسان أن مصر تتصدر دول العالم في أحكام الإعدام، وأن النظام في مصر يستخدم القضاء لتصفية معارضيه وخصومه. كما طالب المجلس العربي للدفاع عن الثورات العربية سكرتير عام الأمم المتحدة بتشكيل لجنة أممية لتقصى الحقائق عن أحكام الإعدام الجائرة والمسيسة في مصر، وكذلك قتل وتصفية المعارضين، وبحث أوضاع السجون والمعتقلين السياسيين تمهيدا لتقديم المسئولين عن تعذيب وقتل المعارضين إلى محكمة العدل الدولية.

أما على المستوى الدولي فقد انتقدت الأمم المتحدة إصدار ذلك الحكم. كما أدانت منظمة العفو الدولية تلك الأحكام واصفة إياها بأنها "مخزية وتمثل استهزاء بالعدالة"، وأضافت أن هذه المحاكمة قد افتقرت لأدنى معايير ومقومات العدالة، كما طالبت بإعادة محاكمة المتهمين أمام هيئة قضائية محايدة تضمن حق المحاكمة العادلة. كما قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على لسان رئيستها "ميشيل باشليه" أن تلك الأحكام “لم تستند إلى محاكمة عادلة، ويجب أن تلغى تجنبًا لإخفاق للعدالة لا رجعة فيه”.

إن قيام النظام بإعدام هؤلاء كسابقيهم يزيد من تلطخ أيدي قيادات النظام بالمزيد من دماء الأبرياء.. فضلا عن كونه إثبات آخر لمدى فساد مؤسسة القضاء في ظل نظام الانقلاب العسكري في مصر، وتحولها إلى أداة قمع يستخدمها هذا النظام في تصفية معارضيه. كما يؤكد ما ذهبت إليه تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية من التدني غير المسبوق في أوضاع حقوق الإنسان في مصر منذ وقوع الانقلاب، لا سيما ما يتعلق بحرية الفكر والتعبير. فضلا عن دفع المواطنين إلى الكفر بقيم السلمية والإصلاح. الأمر الذي قد يدفع إلى العمل تحت الأرض أو العمل السري ضد النظام والمجتمع على السواء، وزيادة معدلات الجريمة والإرهاب المضاد كرد فعل طبيعي لإرهاب الدولة الذي تمارسه سلطات الانقلاب ضد المواطنين. فهل يسعى نظام الانقلاب الحاكم في مصر إلى الدفع بالبلاد نحو حرب أهلية قد تنجم عن المزيد من القهر والضغط والعنف الذين يمارسهم ضد المواطنين؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.