شعار قسم مدونات

الإسلام السياسي بموريتانيا.. هل ينجحون في لعبة السياسة؟

blogs حزب تواصل

فاجأ حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الإسلامي الشارع الموريتاني في الانتخابات البلدية والنيابية الموريتانية، سنة 2013 التي قاطعها جل قوى المعارضة، وذلك بحصوله على المرتبة الثانية في تلك الانتخابات بعد الحزب الحاكم، وحصوله على 16 نائبا و17 بلدية، وتسلمه لزعامة المعارضة الديمقراطية التي كان يتزعمها قبله حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي قاطع الانتخابات.

كان العديد من المراقبين يرجع تقدم تواصل في تلك انتخابات 2013 إلى مقاطعة قوى المعارضة الرئيسة وبالخصوص منها حزب تكتل القوى الديمقراطية، لكن انتخابات 2018 أكدت خطأ هذا الافتراض. فقد حل حزب "تواصل" في هذه الانتخابات التي لم يتخلف عنها أي حزب سياسي وبلغ عدد الأحزاب المشاركة فيها أزيد من 90 حزبا سياسيا، في المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم؛ متقدما عليه في العاصمة نواكشوط مركز الثقل الانتخابي، وتاليا له في اللائحتين الوطنيتين بفارق كبير عن الأحزاب الأخرى، ومنافسا له بقوة في معظم الدوائر المحلية. وخرج حزب تواصل من هذه الانتخابات بـ 14 نائبا برلمانيا و9 بلديات، منها ثلاث بلديات في العاصمة نواكشوط، وبالحفاظ على زعامة مؤسسة المعارضة الديمقراطية.

حزب تواصل.. الفكرة والمنهج

لم تكن هذه النتائج التي حصل عليها حزب تواصل وليدة الفراغ، وإنما كانت نتيجة لجهود من التراكم في العمل المؤسسي الجاد، وثمرة للوضوح في الرؤية والحسم في الخيارات الفكرية والأسئلة الكبرى. ومما يحسب للتيار الإسلامي السياسي في موريتانيا أنه خرج من الجدل الدائر بين التيارات الإسلامية السياسية حول هوية وشكل الدولة الإسلامية، وطريق الوصول للسلطة، بمواقف حاسمة ليس فيها تردد ولا تذبذب، فأعلن في وثائقه الأولى إبان تأسيس مبادرة "الإصلاحيين الوسطيين" منطلقاته الفكرية، التي حددها في ثلاث منطلقات كبرى، هي:

سعى أهل تواصل إلى بلورة مواقف ورؤى من القضايا الوطنية، فجاءت وثيقة "إصلاح قبل فوات الأوان" ووثيقتهم حول "الرق" ووثيقتهم حول "الوحدة الوطنية"

أولها: المرجعية الإسلامية، وبهذا الحسم يكون التيار الإسلامي الموريتاني قد أعلن خروجه على فكرة "الحاكمية" التي وقعت فيها التباسات وثار حولها جدل كبير إلى فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. وما فتئ حزب تواصل يؤكد على هذا التوجه في وثائقه الأخرى وفي ممارساته السياسية؛ سواء في ترشيحاته التي كان يحرص فيها دائما على اختيار مرشحيه ومن يتولى منه المسؤوليات العامة على أساس الخبرة والكفاءة الفنية، أو في تحالفاته وبناء مواقفه السياسية. وهذا ما جعله يتحول إلى حزب وطني جامع يستقطب الكفاءات من مختلف أبناء هذا الشعب ومكوناته الاجتماعية.

ثانيها: الخيار الديمقراطي: وقد تعزز هذا الموقف النظري الحاسم باعتبار الديمقراطية هي الخيار الوحيد للتداول على السلطة، بالمواقف العملية. فجاء بيان التيار الإسلامي حول انقلاب 2005 على نظام ولد الطايع الذي اضطهد هذا التيار وسعى لتجفيف منابعه، جاء هذا البيان متحفظا على الانقلابات كوسيلة للتداول على السلطة وإن كان متفهما لهذا الانقلاب وللسياق الذي جاء فيه، كما رفض حزب تواصل بقوة الانقلاب على الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 2008 وتصدر القوى السياسية المناهضة له.

ثالثها: الانتماء الوطني، ولم يكن هذا مجرد موقف نظري، بل سعى أهل تواصل إلى بلورة مواقف ورؤى من القضايا الوطنية، فجاءت وثيقة "إصلاح قبل فوات الأوان" ووثيقتهم حول "الرق" ووثيقتهم حول "الوحدة الوطنية". وقد تم تنزيل هذه الوثائق في مواقف واضحة من القضايا الوطنية وفعاليات وأنشطة في هذا المجال، لعل من أهمها تأسيس "جهاز المكافحة الرق" تابع للحزب، وتصدر العديد من شخصيات الحزب وقادته في العمل الحقوقي وفي مقاومة الاستبداد.

مكاسب انتخابات 2018.. ورهانات المستقبل

يمكن القول إن هم ما خرج به حزب تواصل من هذه الانتخابات أمور ثلاث:
أولها: أن أهم مكسب للحزب هنا ليس هو النتائج المتحصل عليها على أهميتها، وإنما هو كون تواصل ظهر وهو ينافس حزب النظام في جميع دوائر الوطن؛ فلئن كانت مفاجأة انتخابات 2013 هي نتائج الحوضين ولعصابة، فإن مفاجأة هذه الانتخابات هي نتائج الشمال والجنوب. وهذا يعطي مؤشرا واضحا على التمدد والتوسع، وعلى التحام الشعب الموريتاني حول المشروع التواصلي.

وثانيها: هو أن حزب تواصل؛ رغم أنه لم يكسب مجلسا جهويا واحد، إلا أنه سيكون حاضرا عبر مستشاريه في 11 مجالسا جهويا من أصل 13 هي مجموع المجالس الجهوية. كما أنه أيضا على الرغم من أنه لم يكسب سوى 9 بلديات من أصل 2019 بلدية إلا أنه أيضا سيكون حاضرا في حدود 100 عبر مستشاريه. وهذا يعني إن هذا الحزب بات حاضر في الشأن العام للبلد وممثلا في كافة الدوائر الوطنية.

ثالثها: هو تَوَحُّدُ المعارضة الموريتانية بكافة أطيافها ومختلف أطروحاتها الفكرية والسياسية تحت لواء حزب تواصل. وهي سابقة في تاريخنا الوطني.

المعارضة الموريتانية تواجه نظاما هشا يترنح في لحظاته الأخيرة؛ بعد تصدع أغلبيته وصراعاتها البينية وتشكل أقطاب داخلها، وهذا ما أدى لفشل النظام في فرض ما يريد في الحوارر الهزيل سنة 2016
المعارضة الموريتانية تواجه نظاما هشا يترنح في لحظاته الأخيرة؛ بعد تصدع أغلبيته وصراعاتها البينية وتشكل أقطاب داخلها، وهذا ما أدى لفشل النظام في فرض ما يريد في الحوارر الهزيل سنة 2016
 

وانطلاق من هذه المكاسب يمكننا القول إن حزب تواصل وقوى المعارضة السياسية اليوم تمتلك عدة نقاط قوى، يمكن أن تمثل دعامة أساسية في فرض التحول الديمقراطي سنة 2019، ومن أهم هذه النقاط:

أولها: كثرة الدوائر التي نافست عليها المعارضة الموريتانية بشكل عام وتواصل بشكل خاص؛ رغم إغراء المال وإرهاب الدولة، وهذا يؤكد على أمرين: أحدهما: أن الشعب الموريتاني قد نفض يديه من هذا النظام وغسلهما سبع مرات إحداهن بالتراب، والثاني: أن هذا الشعب ملتف حول مشروع المعارضة ويعلق عليه الآمال في إخراجه من المتاهة.

ثانيها: قدرة المعارضة على فرض مستوى من الشفافية على العملية الانتخابية؛ رغم جيوش المزورين وتنوع أساليب التزوير وامتلاك حزب الحاكم لأدوات التزوير (السلطة، والقبيلة، والقوى الأمنية والعسكرية، والمال، والتحكم في اللجان المشرفة على الانتخابات…). فقد تمكنت المعرضة بممثليها في المكاتب ولجانها أمام مراكز التصويت من إفشال العديد من عمليات التزوير؛ رغم ما ووجه به أفرادها من الإرهاب الذي وصل في بعض حالته إلى طرد الممثلين ومنعهم من الدخول والاعتداء على المناضلين بالشتم والضرب.

قوى المعارضة الموريتانية اليوم تقف على أرضية صلبة، وتواجه نظاما مهزوزا بفعل الصراعات والاستقطابات الحادة داخله، وقد تآكلت شرعيته بسبب الوضع المعيشي الصعب

ثالثها: الالتحام والاتحاد بين مختلف قوى المعارضة، وتناسي خلافاتها السياسية ومطامحها الجزئية؛ ومؤشر هذا الالتحام هو حجم التحالفات التي وقعت بين قوى المعارضة في الشوط الأول والتي أعطت نتائج إيجابية تمثلت في انتزاع بلديات هامة ومنافسة النظام بقوة في مناطق كانت حكرا عليه، وفي حصول هذه الأحزاب على النسبة الكافية من الأصوات التي تحميها من الحل، بحكم القانون الذي ينص على أن أي حزب لم يحصل على نسبة 1 في المائة من أصوات الناخبين في البلديات يتم حله. ومن مؤشرات هذا الاتحاد أيضا هو إعلان جميع قوى المعارضة بل ونزولها للميدان في الشوط الثاني من أجل دعم بعضها البعض. وهذه هي أكبر نقاط القوة في نظري لدى المعارضة. فكل من له أدنى معرفة بالتاريخ سياسي الموريتاني، يعرف أن أكبر خلل عانت منه المعارضة الموريتانية في الماضي هو التشظي وطغيان النظر الحزبي على تشكيلاتها في اللحظات الحاسمة في المسار السياسي للبلد.

رابعها: هو أن المعارضة الموريتانية تواجه نظاما هشا يترنح في لحظاته الأخيرة؛ بعد تصدع أغلبيته وصراعاتها البينية وتشكل أقطاب داخلها، وهذا ما أدى لفشل النظام في فرض ما يريد في الحوار الهزيل سنة 2016 وإلى عجزه عن تمرير مشروع تغيير الدستور عبر غرفة مجلس الشيوخ (التي تم حلها لاحقا)، ثم بعد ذلك الاستفتاء الهزيل على مشروع تغيير الدستور الذي قاطعه الشعب الموريتاني، وأخيرا خروج العديد من قادة الحزب الحاكم على موقف الحزب في الانتخابات الأخيرة، وتَرَشُّحِهِمْ من أحزاب أخرى وعدم انصياعهم لأوامر رئيس الجمهورية الذي أمرهم بسحب لوائحهم. وهذا كله يؤشر على ضعف النظام وعلى أنه بدأ يفقد السيطرة الكلية على أغلبيته.


خامسها: قوة موقفها الأخلاقي الرافض للنهج الأحادي وللفساد والاستبداد والساعي لفرض التحول الديمقراطي.

وبالمجمل يمكن القول إن قوى المعارضة الموريتانية اليوم تقف على أرضية صلبة، وتواجه نظاما مهزوزا بفعل الصراعات والاستقطابات الحادة داخله، وقد تآكلت شرعيته بسبب الوضع المعيشي الصعب للمواطنين وتردي الخدمات العامة، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منه البلد والتي تزداد سواء يوما بعد يوم، وتدهور الصحة والتعليم، وانتشار البطالة بين صفوف الشباب وحملة الشهادات، والفساد المالي والإداري الذي جعل الأموال والوظائف دولة بين مجموعة محدودة من المواطنين، وجعل القطاع العريض من سكان البلد يعاني من الحرمان والتهميش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.