شعار قسم مدونات

الإخوان المسلمون.. ليس أكثر من مجرد حزب!

blogs الاخوان المسلمين

تحت تراب هذه الأرض الملايين من جثث بني البشر، وكان ثمن هذه الجثث حضارات وعلوم ودول وتاريخ، منها ما زال له أثره القوي المسيطر، ومنه ما لا نعرف عنه إلا علومه أو قصته، ومنها ما اندثر ولم نعد نعرف عنه حتى اسمه. وعلى مر الزمن، كانت قد انهارت دول وحضارات وعلوم وحتى أديان، وذلك حسب صلاحيات كل منها للزمن الذي هي فيه، فمنها ما وجد ليبقى سنة، عشر، ألف، أو إلى الأبد. ولما صرنا نتحدث من زمان قديم عن وجود حركات وأحزاب قامت كل في وقتها، فهي ستكون المثال الأضعف أمام نظيراتها من الدول والحضارات التي انهارت وتلاشت، وذلك لانتهاء صلاحية استخدامها، فما الحركات والأحزاب إلا جزء بسيط يتبنى فكرة واحدة أو اثنتين مما تقتضيه هذه الحضارة، أو هذه الدولة، أو هذ الدين.

فنرى كما في عصرنا أحزاب سياسية في بذرتها كالديموقراطي والجمهوري والعدالة والتنمية، ونرى الديني منها كالحركة الصهيونية والحركة التبشيرية والإخوان المسلمين وغيرها، وهذا من بعض ما أفرزه القرن العشرين الميلادي. ولو رجعنا إلى تاريخ البشرية، سنرى أن مفهوم الحزب والجماعة وغيرها كان موجوداً بشكل أو بآخر في كل زمان ومكان، ولا ضير من ذلك، طالما أن هناك هدفاً يخدم فكرة، وهذه سنة لا بأس بها من سنن التاريخ! وكانت كل هذه المقدمة هي تمهيداً لفكرة بسيطة أردت أن أطرحها في هذا المقال وذلك توضيحاً لفكرة هي أبسط بكثير من أن نعقدها كما عقدها وضخمها غيرنا في أزمان سابقة، ثم اكتشفنا نحن من بعدهم أن كل جهودهم كانت في المكان الخطأ، ولم تكن أكثر من مضيعة وقت، وكان علينا لزاماً أن نتعلم منها ونسترشد بها قبل أن تذهب أعمارنا هباء خلف ضجيج لا مكان له في عملية الخلافة للبشر على هذا الكوكب.

فأن تكون أنت صاحب الفكرة، وتبحث عمن يخدم فكرتك من الأحزاب والجماعات، هي الأصوب لك كإنسان حر عملي يريد النهوض. 

"الإخوان المسلمون يريدون تغيراً في نظام الحكم"، "الإخوان المسلمون يسببون اتساع ثقب الاوزون"، "الإخوان المسلمون سبب غرق قرى لأنهم كثفوا نزول المطر"، .. إلى آخر هذا المضحك المحزن من الأفكار التي ليس لها أي اعتبار، لا لها ولا لصاحبها في عمارة الأرض المنشودة والتي لأجلها خلق البشر… الإخوان المسلمون وغيرهم ممن قبلهم ومن بعدهم ومن هو ليس موجود أصلاً بعد من نظائرهم، ليسوا إلا تطبيق عملي لفكرة واحدة فقط من الأفكار العظيمة التي تتبعها كالدول والحضارات والعلوم والأديان، فليسوا هم الدين الإسلامي، وليسوا هم من وكلهم الله بنصرة الدين وحدهم، وليسوا هم أهل الجنة وحدهم، وليسوا ملائكة وليسوا أنبياء ولا أربابا. ففكرتهم قامت من مئة عام، وصعدت وهبطت على مدار هذه الفترة على حاجة السوق البشري والإنساني لهم، وأن رأى هذه السوق بأن هناك بضاعة ستخرج في يوم من الأيام أفضل وأوفر وأخدم منها فستنتهي هذه الفكرة كما انتهى غيرها، وعادي جدا!

يقول أحدهم متحدثا عن نفسه: "انضممت الى تنظيم الإخوان المسلمين منذ أن كان عمري ستة عشر عاماً، وأنا الآن قد تجاوزت الثلاثين، وما زلت سالكاً في التنظيم ولم ولن أتركه طالما أن لم أجد ما يدعو إلى تركهم من شذوذ في الأفكار أو الأفعال أو المنهج العملي، لكن بدايتي كانت موفقة جداً في أن جعلتني أصبر على وجودي معهم، ولم يصبر غيري، ذلك أنني عرفت بأنهم بشر وليسوا ملائكة، وأنهم يخطئون ويصيبون، وأنهم ليسوا الإسلام دين محمد، وأنهم يخدمون فكرتي التي أؤمن بها، ولست أنا من يخدم فكرتهم، ولذلك طالما أن هذه الشروط لم تزل تتوافر، فلا ضير في وجودي بينهم، فهم وسيلة وليست غاية". الكلمات الأخيرة من كلامهم هي ما أثار اهتمامي، فأن تكون أنت صاحب الفكرة، وتبحث عمن يخدم فكرتك من الأحزاب والجماعات، هي الأصوب لك كإنسان حر عملي يريد النهوض، أما أن تكون ضمن مجموعة أياً كانت وأنت خادم لفكرتها وأنت غير مؤمن بها بكل كيانك، فهذا أول خطوات الاستعباد، وهذا أول خطوات الدمار. الحزب أو الجماعة أو الحركة، ليست أكثر من وسيلة تحقق بها جزءاً من أفكارك وإيمانك بمنهج وعقيدة وعلم ودولة وحضارة، وليست غاية أو هدفاً أبداً، وإن كان هذا الحزب والجماعة في يوم من الأيام قد صار نهجهم خارجاً عن النطاق العام لخدمة البشرية، فإنها سوف تنقرض لوحدها دون أن يسبب ذلك أحد، وسينقرض معها كل من يؤمنوا بنهجها إن بقوا متمسكين بحبالها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.