شعار قسم مدونات

العرب ليسوا ضحية.. بل لديهم ما يكفي من العنصرية!

blogs العنصرية

نعيش في مجتمع نستيقظ فيه وننام فيه على أخبار أكثر ما يشدنا فيها هي العنصرية الممَارسة ضدنا نحن العرب وبالأخص المسلمين منا، سواءا كنا صغارا أم كبارا، ذكورا أم إناثا، أطفالا أم شبانا أم كهولا. أول ما يخطر في بالنا هو أننا ضحية هذا المجتمع، وضحية هذا العصر، وضحية الأفكار والمعتقدات التي عبّأها الإعلام -وبخاصة الغربي- في عقول أولئك الذين هم ضدنا وضد عرقنا وضد ديننا وضد عاداتنا وتقاليدنا وكل ما يمت بالصلة لنا.

منذ أيام وقعت مشكلة بيني وبين شخص في محطة (البنزين) كنت أنا من بدأها، كان يصرخ في وجه العامل الذي كان يكتب له بدوره فاتورة غسيل سيارته في مغسلة المحطة، والذي جعل الدماء تغلي في عروقي هو نعته له بالنهاية بكلام قبيح يعكس قبح داخله وخارجه والنفَس الذي يخرج منه، والعامل المسكين مطأطئ الرأس لم يفهم شيئا سوى أنه قد أهين و.. أمامي! .. لم أتذكر عندها ولم يخطر في بالي حينها سوى ما قاله نيلسون مانديلا: (ليس حرّا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة) وطبعا ديننا يأمرنا بالإيجابية دوما والفاعلية والمبادرة لتغيير الموقف نحو الأفضل، فجعلنا نمسك زمام التغيير إن استطعنا عبر أفعال أو أقوال أو نوايا قلبية، المهم أن نخطو خطوة ولا نكون متفرجين لا أكثر.

 

ويتجلى ذلك فيما قاله حبيبنا رسول الله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وهذا ما حاولت فعله، فأنا لم أقصّر فيه لا من قريب ولا من بعيد وحاولت أن أغير هذا المنكر بلساني قدر الإمكان وإن كنت أعلم أني لست مسؤولة عن تربية البشر لكن على الأقل كي أُرضي ضميري وكي يشعر العامل أني لا أوافق هذا الإنسان على تصرفه، وأن أُنعش كرامته التي أهينت وهذا ما قد حدث بالفعل، مع العلم أني لم أتحدث سوى بالاحترام والمنطق وحقوق الإنسان!

تتعرض المرأة في مجتمعاتنا العربية لكم هائل من الامتهان بدافع من العنصرية والاستضعاف والثقافة السائدة والعادات والتقاليد ولا أحد يتكلم

ثمّ ما إن ركبت السيارة حتى جاءتني ضحكة ما لبثت أن ارتفعت وأن أشغّل سيارتي كي أنطلق، وأخذت أضحك كأني خرجت للتو من مستشفى الأمراض العقلية! شعرت بتمثيلنا نحن العرب الذين لا نبرع بشيء كبراعتنا به،  نطالب بحفظ كرامتنا وحقوقنا ونحن الذين لا نراعي حقوق البشر الأقل منا في أي شيء، فلو كان هذا العامل ثري أو ذو منصب أو ابن عائلة معروفه في المكان الذي يعيش فيه هل كان سيستطيع أمثال هذا الذي صرخ فيه أن يفعل ما فعل! بالطبع وبلا تردد (لا)، فلغة المال تحكم، ولغة القوة تحكم، ولغة المنصب تحكم، تحكم ضمائرنا الهشة التي تفشل مع أول اختبار حقيقي لها.

إذا تعرض أمريكي عنصري لفتاة مسلمة ونعتها بأبشع الصفات بدأنا بتغيير صورة "بروفايلنا" في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت نشرات الأخبار بتداول الخبر على مدار الساعة، ونحن الذين تتعرض المرأة في مجتمعاتنا لأبشع من ذلك بكثير بدافع من العنصرية والاستضعاف والثقافة السائدة والعادات والتقاليد ولا أحد يتكلم. لو شخص عنصري غربي أبيض أساء لشخص أسود نبدأ بشعارات العدل والمساواة وحقوق الإنسان، ثم نجد ممن يعيش بيننا لا يسمح لابنته أن تصادق فتاة للونها، أو أصلها، أو جنسيتها، معتبرا نفسه وابنته أرفع مقاما منها، ونعامل الخدم بيضا وسودا باستخفاف واستعباد وذل. وقد شاهدت منذ أيام قلائل مقطع فيديو متداول يظهر فيه شخص من دولة عربية يضحك على سائقه ويطعم الجمل بالقرب من وجه هذا السائق المسكين ويصوره ويضحك على رد فعله، والسائق المسكين يتلوى محاولا الابتعاد عنه لكن لا يستطيع لضيق المكان والناس تتداول هذا المقطع كشيء مضحك وهو المضحك المبكي!

ونحن الذين خرج من بيننا بلال ابن رباح رضي الله عنه والذي عيّره ذات مرة أبو ذر بقوله: يا ابن السوداء فلما بلغ الرسول ما حدث قال له: (يا أبا ذر أعيّرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)، ولو خرج ورأى ما يحدث في أيامننا هذه لرأى الجاهلية التي تدمي القلب على جميع الأصعدة.

يتقدم لخطبتها شاب فتقول أمه أريد البيضاء وليست السمراء، والأم نفسها تكون سمراء! فتنظر ماذا تعلّق على هذه الظواهر المرضية المتفشية في مجتمعاتنا. يشتكون في الدول الأوروبية من تعامل الشعب والحكومات مع بعض اللاجئين بسوء وأنا سمعت قصص وشهدتها بأم عيني لتعامل لاجئين مع بعضهم البعض، روى لي أحد اللاجئين كيف أن جار له يذهب إلى أكثر من جمعية خيرية كي يحصل على مساعدات بطرق عدة فهو يكدسّ الفرشات التي جمعها من هذه الجمعيات في غرفته وإن أتى لاجئ جديد لا يشفق عليه ولا يساعده ولو بواحدة، هذا عداك عن المدافئ الصغيرة والملابس وغيرها..، ثم بعد ذلك نشعر بالظلم لأن بعض الدول لا تستقبلنا كلاجئين ولا يتعاطفون معنا ونحن بيننا وبين بعضنا آثرنا الأنا عن النحن وكأننا ملائكة بين بعضنا ثم نشكو من قسوة الغريب.

أصبح التافه يتكلم لأنه صاحب مال، وأصبح الظالم يعطي مواعظ عن العدل لأنه صاحب منصب، وخُلط الصالح بالطالح والحابل بالنابل، ثم نحزن إن عاملونا في المطارات بعنصرية
أصبح التافه يتكلم لأنه صاحب مال، وأصبح الظالم يعطي مواعظ عن العدل لأنه صاحب منصب، وخُلط الصالح بالطالح والحابل بالنابل، ثم نحزن إن عاملونا في المطارات بعنصرية
 

ثم نأتي لعائلاتنا وأسمائها التي نحملها جيل بعد جيل، كل جيل يفخر بها وكأنه هو من اختارها خاصة لو كان ابن عائلة معروفة، أو قبيلة كبيرة تجده لا يستطيع إلا أن يشعر بالتعالي وإن كان داخليا على من هو دونه (إلا من رحم ربي طبعا) وإن حدث موقف قال لك من هو كي يحدّثني هكذا ابن الفلاني! نسي من أنا! ونسينا ما جاء في الحديث الصحيح: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة).

 

ديننا العظيم إنما جاء لإنهاء العنصرية وإرساء مبادئ العدل والإيخاء والتآلف بين الشعوب منذ ما يزيد عن ألف سنة، ألم يقل جل في علاه 🙁 وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لم يقل ان أكرمكم عند الله هي العائلة الفلانية، ولا القبيلة الفلانية، ولا الجنسية الفلانية، ولا لون الجلد الفلاني، ولا العرق الفلاني، التقوى هي أساس المفاضلة وليست مقاييس أيامنا هذه، أيام الجاهلية الحديثة التي أصبح فيها أساس المفاضلة المال والجاه والمنصب والعائلة. أصبح التافه يتكلم لأنه صاحب مال، وأصبح الظالم يعطي مواعظ عن العدل لأنه صاحب منصب، وخُلط الصالح بالطالح والحابل بالنابل، ثم نحزن إن عاملونا في المطارات بعنصرية أو في بعض الدول الأجنبية، ونحن الذين نعامل بعضنا بما هو أسوء بكثير لمعاملتهم معنا.

 
نحن لم نحكم العالم حين كنا نفخر بعروبتنا وأجناسنا وأصولنا، نحن سدنا العالم حين جاء الإسلام فوحّد صفوفنا وساوى بيننا وألّف بين قلوبنا، فرُفعت القيود الدنيوية وحلّت محلها مشاعر الإنسانية والفطرة السليمة؛ عندما قال سيدنا عمر بن الخطاب: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله) كان مدرك تمام الإدراك ما يقول، وهو الذي عاش الحياة بالإسلام وبغير الإسلام، وعلِم أشد العلم قيمة هذا الدين العظيم وأثره في تغيير الإنسان نحو الأفضل والأرقى والأجمل، وهذا ما نحتاجه في هذه الأيام المعاصرة المجنونة الماجنة، نحتاج الدين الحقيقي وليس فقط شعارات رنانة وديانة متوارثة دون فهم واستيعاب وإدراك لكل ما فيها.

وصدق الشاعر حين قال:

 

نعيب زماننا والعيب فينا.. ومال زماننا عيب سوانا

وكن حذرا أن تسترسل معهم ومع أقاويلهم وإشاعاتهم بأننا ضحية فنحن يا عزيزي صدقني لدينا فيما بيننا ما يكفي من العنصرية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.