شعار قسم مدونات

مواقع التواصل.. عندما تقع الفتيات ضحية للابتزاز الأخلاقي!

blogs لابتوب

منذ أشهر وربما في آخر ثلاث سنوات انتشرت ظاهرة غريبة في الوطن العربي، أصبحنا نسمع عن فتاة تم ابتزازها من خلال شاب استغلها على مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلها تحول له الأموال حتى تحافظ على سمعتها، وعندما عجزت عن دفع الأموال خسرت كل شيء، وكما سمعنا عن شباب يتم ابتزازهم بنفس الطريقة، وإن كان ضحاياه من الفتيات الأكثر إيلام، والأكثر نجاح في سرقة الأموال، لم يكن خبر انتشار عمليات الابتزاز عبر الشبكة العنكبوتية بشكل عام ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بأكثر من حافز لدي في الوقوف عند هذه الظاهرة ومحاولة فهم كيف يقع الشباب والفتيات والمتزوجين والمتزوجات ضحية لهذا السلوك!، رغم انتشار قصص الابتزاز في معظم أرجاء الوطن العربي، بل أصبح هناك مواقع متخصصة لبعض الهواة ممن يقومون بعمليات الابتزاز من باب الفكاهة والضحك وأحيانا يطلقون مصطلح "الخاروف" على ضحية.

في محاولة لفهم هذه السقطة التاريخية في مجتمعاتنا العربية، قررت أن أمارس دور مبتز وأبحث عن ضحايا محتملين، وهل فعلا إن الموضوع سهل مع كل هذه الأخبار المشاعة، وضعت برنامج وخطة، حددت الأهداف والتي كان على رئيسها معرفة كيف يسقط الضحية في شرك المبتز!، وأين المنفذ الذي يمكن أن تصل إليه إلى ضحية؟، لا أنكر واجهتني معضلة أخلاقية في لعب الدور، وكان يجب أخذ بعين الاعتبار متى تنسحب من لعب الدور المبتز مع الضحية قبل أن تسبب له حرج أخلاقي، بعد متابعة بعض المواقع التي تحذر من مواقع الابتزاز تبين أن معظم العمليات تبدأ من موقع ألعاب أو تطبيقات ألعاب على مواقع التواصل الاجتماعي وليس على الموقع التواصل الاجتماعي الرسمي، دخلت إلى للعبة واخترت اسم يحمله كل الجنسين، وبدأت بممارسة اللعب وتحديد أشخاص من كلا الجنسين ذكور وإناث عشرة من كل جنس كهدف محتمل، يمكن استدراجه ومعرفة كيف يتصرف؟ وما مقدار الوعي لديهم؟

مفاتيح الابتزاز عبر موقع التواصل تبدأ من الفضفضة، فمعظم الفتيات التي كانت هدف محتمل كل ما تريده شخص تشعر أنه على خلق، ولديه أمانه عالية لتبدأ في الفضفضة معه عن مشاكلها

لم يكن اختبار الشباب صعب، وكانت النتيجة صادمة بنسبة لي، بمجرد الحديث مع شاب ولمدة ثواني وفي أحسن حالات الصمود كل ما احتجت إليه هو دقائق، وفي لحظة تذكرت الشاب الأردني أنوس أبو شلحة، وجاسم رجب وكيف ينجحون بإيجاد ضحايا من الشباب بسهولة، رغم انتشار عشرات إن لم يكن المئات من مقاطع "خرفنة" شباب على حساباتهم الخاصة، والحالة التي كانت تستحق الوقوف عندها هي الفتيات، حددت عشر فتيات كهدف وضحايا، وتم اختيار أكثر من أسلوب في الحديث مع كل فتاة على حدى، لن أقف عند صفات كل شخصية من شباب المستخدمة وكيف كانت رد الفعل الفتيات، ولكن سأقف أمام أكثر حالات جعلت الفتيات تستجيب بل تذهب أبعد مما تتوقع، تلك الشخصية التي تكون على غير ما تظهر به، ذلك الشاب الذي يبدأ باختيار ضحية بدون كلام، الذي يدخل للعب فقط، تعتاد الفتاة على وجوده في نفس اللعبة وفي أوقات تواجدها، وإذا ما دار الحديث بينهم يكون في اللعبة فقط، ويظهر ذلك شاب علامات التدين والأخلاق العالية.

سرعان ما تنقلب التعارف والاسم اللاعب إلى محط أنظار الضحية، ويصبح الحديث عن الأمور اليومية أمر معتاد، وعلى خلاف الجرأة الفتاة، فهناك من طلبت أن تخرج العلاقة من اللعبة إلى أحد مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك أو سناب شات أو ماسنجر، مبررة أنها لا ترغب بالبقاء في اللعبة لوقت طويلة وهي لا تلعب، مكتفية في الحديث على الخاص، ومن الفتيات من ينتظر منك الطلب الحصول على الفيس الخاص أو أحد الوسائل التواصل الاجتماعي.

سبع فتيات من أصل عشرة تم اختيارهم كهدف محتمل لتكون ضحية ابتزاز، وصلت إلى هذه المرحلة بدون مشكلة فقط ثلاث فتيات الوسيلة المستخدمة معهن فشلت في الوصول إلى حساباتها الخاصة، والعامل المشترك بين سبع فتيات هي مشاكل أسرية بامتياز، فتلك فتاة متفوقة في حياتها العلمية، وتدرس هندسة في احدى الجامعات المرموقة ووصلت إلى مراحل التخرج وهي لم تقم بأي اتصال حقيقي خارج نطاق صديقاتها في الدراسة، ولديها علاقة أسرية مفكك، وتلك فتاة طال بها العمر ولم تتزوج اقتربت من الثلاثين، تعمل وتساعد الأهل في مصاريف المنزل، وقامت بتدريس أخوتها وبعد أن تخرجوا واستقر بهم الحال وجدت نفسها وحيدة في بيت مع أم وأب فقط، وهي المعيل الفعلي والمباشر إلا في حالات معينة، مثل علاج أحد الأبوين، وبالإضافة إلى معاش تقاعدي لوالدها.

ولم تكن المتزوجة ولديها مشاكل أسرية بأفضل حال، فزواجها مع وقف التنفيذ، بوجود الزوج خارج حدود الدولة التي تسكنها لأكثر منذ ست سنوات، ولا تلتقيه إلا أيام معدودات لا تصل إلى شهر كل سنتين أو ثلاث، ولديها ثلاث من الأطفال، أو تلك التي تزوجت وتفضل أن تجلس على مواقع الألعاب على الجلوس مع زوجها، الذي تشعر أنها بيعت له ولا تريده زوجا، مفاتيح الابتزاز عبر موقع التواصل تبدأ من الفضفضة، إن المبتز رجل ليس غبيا، وأصبحت على يقين أنه شخص ليس مجرد من الأخلاق فقط، وإنما خبير نفسي، معظم الفتيات التي كانت هدف محتمل كل ما تريده شخص تشعر أنه على خلق، ولديه أمانه عالية لتبدأ في الفضفضة معه عن مشاكلها وخصوصيتها، والحقيقة أن سبب هذه الفضفضة مشكلة اجتماعية وأخلاقية تبدأ من التربية والأسرة، وأن التفكك الأسري الذي يعصف بالمجتمعات أخطر على المجتمع من ما كنت تصور.

معظم الفتيات هدف محتمل لمبتز، فلا يوجد فتاة في الوطن العربي لا تعاني من مشاكل أسرية أو اجتماعية، لا يوجد فتاة لا تبحث عن شخص تثق به، خاصة مع ضياع الثقة داخل الأسرة
معظم الفتيات هدف محتمل لمبتز، فلا يوجد فتاة في الوطن العربي لا تعاني من مشاكل أسرية أو اجتماعية، لا يوجد فتاة لا تبحث عن شخص تثق به، خاصة مع ضياع الثقة داخل الأسرة
 

شباب يسقطون بسهولة بدون عناء، ويعود ذلك لعدة أسباب، أهمها عدم المقدرة على الزواج، وغياب القناعة، وانتشار الفساد الأخلاقي في المجتمع، مع وجود الفن الهابط الذي أصبح يقدم مجموعة من عارضات الأزياء على أنها الفتاة ونموذج الذي يجب أن تحلم به كزوجة، وغياب دور الأسرة في الرقابة والتوجيه، تعد عوامل أساسية في بناء نموذج للشاب العربي، والحال ليس بأفضل بين الفتيات، فظلم الأسري على الفتاة تحت مسميات عدة، واستغلال الفتاة من أجل تحقيق مصالح خاصة للأب وبعض الأخوة، والادعاء أن الزواج المبكر للفتاة يضر بها وعليها إنهاء دراستها قبل كل شيء، ثم إيجاد وظيفة تحميها من غدر الزمان وظلم الزوج المفترض، وصولا إلى تطفيش كل من يتقدم لها، بحجة أنها متعلمة، ولديها عمل دائم، وعليه يجب أن يكون مهرها خيالي وشروط الزواج تعجيزية، وتعامل الفتاة في الكثير من الحالات على أساس سلعة، وعلى عكس الشباب تجد أن الفتيات تكون ضحية شخص وثقت به، عكس الشباب الذي يقدم نفسه ضحية لك فتاة تقترب منه إلا من رحم ربي.

بعد تجربة عملية معظم الفتيات هدف محتمل لمبتز، فلا يوجد فتاة في الوطن العربي لا تعاني من مشاكل أسرية أو اجتماعية، لا يوجد فتاة لا تبحث عن شخص تثق به، خاصة مع ضياع الثقة داخل الأسرة، فالأسرة لم تعد تلك الأسرة التي تستوعب الفتاة، وتقف لتحافظ عليها كما في الماضي، تحت مسميات مختلفة منها الحداثة والمساواة والتحرر، وفي ظل استمرار النظر المزدوجة للفتاة على أنها أقل من الرجل إذا خدشت كسرت عكس الذكر، الذي ما زال يقال عنه لا يعيبه شيء، أصبح واضحا سبب وجود ضحايا الابتزاز الإلكتروني من الشباب أكثر من الفتيات، في حين أكثر من يدفع الأموال ويخسر هو الفتاة التي تخشى على سمعتها أكثر من الشاب.

قد يكون البحث الذي أجريته غير دقيق من ناحية علمية، ويفتقر إلى أسس ومقومات البحث السليم، وعلى الأغلب لا يمكن تعميم نتائج تجربة خاصة في حالة لم تصل إلى مرحلة تسمح بابتزاز إلكتروني، فالانسحاب بعد الحصول على الهدف من البحث والوصول إلى كيف تقع الضحية؟ وأسباب الوقوع؟ تحققت في وجهة نظري، وأصبحت على يقين أن توعية لوحدها غير كافية في ظل التفكك الأسري، والانحلال الأخلاقي المصاحب للوضع الاقتصادي السيء، ومحاولة عولمة الدول العربية، ونشر الثقافة الغربية بدون أخذ أفضل ما في الغرب من اكتشافات وبحث علمي، والاكتفاء بأخذ أسوأ ما بها من مظاهر خارجية. اعتذر لك من كان عينة بحثية في اختبار، سواء من أخبرتهم بعد انتهاء البحث، ومن لم أتمكن من إخبارهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.