شعار قسم مدونات

وسامة وجاذبية وكاريزما.. كيف تسيطر الهالة بحكمنا على الأخرين؟

blogs تعارف

بمجرد أن رمقت عينك صورتي المرفقة بالمقال، قام دماغك بتكوين مجموعة معطيات وانطباع أولي عني، هذا الانطباع قد لا تشعر به وتستشعره بشكل محسوس، لكنه مخزن لا شك في دماغك بطريقة لا إرادية، سواء كنت ممن يعرفني شخصيا أو ممن رأني أول مرة، هذا التصنيف الذي قام به دماغك يقوم بعملية تحفيز إيجابي أو سلبي لتتقبل أفكاري أو لترفضها، وهذا ما يسمى بـ "تأثير الهالة halo effect".

كان أول من استعمل مصطلح تأثير الهالة، عالم النفس الأمريكي Edward thorndike حيث قام سنة 1920 بدراسة تحت عنوان "الخطأ المستمر في التقييمات النفسية" وبين كيف أن الضباط في الجيش غالبا ما ينظرون إلى قادة الجيش من خلال صفة واحدة محددة تطغى على جميع الصفات الأخرى. يبدو أن أدمغتنا تتفاعل بشكل تلقائي مع هذا التأثير، حيث نتأثر بصفة معينة (وسامة، قامة، ربطة عنق، صفة خلقيه أو خلقيه …) ثم نسقطها دون شعور على كل أحكامنا المتعلقة بذات الشخص. طبعا لا أحد يقول بتأثير مطلق، لكن مجرد التأثير النسبي يحول دون تحقيق الحياد في غالب أحكامنا.

وهكذا يمكن اعتبار هذا التأثير خللا في التفكير يجعل الإنسان يميل إلى استحسان جميع صفات شخص ما بسبب التأثر بصفة معينة. ولهذا الاعتبار يميل بعض المدرسين بشكل لا إرادي إلى منح درجات أكثر لأولئك التلاميذ الذين يجيبون على الاختبارات بخط جميل منسق. في نفس السياق، أوردت جريدة الوطن الكويتية قصة جميلة ومعبرة لرجل أجنبي يدعى “باتريك” الذي كان يدرس في مصر، وهو الذي كان يعمل إسكافي (مصلح أحذيه) في لندن، إلى أن قدم إلى مصر سياحة، فعرض عليه بعض المسؤولين العمل في المدرسة كمدرس، ورغم إخباره لهم بكونه لم يتلق قسطا كافيا من التعليم، أول تدريبا على التدريس يسمح له بأداء هذه المهمة، أقنعه هؤلاء بأن التدريس في البلاد العربية لا يحتاج إلى شيء من هذا، وأنه يكفي أن لغته الأم هي الإنجليزية.. إلى أخر القصة.

 

أكد مجموعة من علماء الاجتماع أن وسامة وجاذبية الشخص تساعده في الارتقاء في مساره المهني دون أي سبب يذكر: الجاذبية، الطول، الكاريزما، مع قدرات عاديه قد لا تقارن بقدرات أخرين متميزة

إننا هنا نتحدث عما يسمى "عقدة العيون الزرق" (أو عقدة الخواجات) وهو ما يدخل أيضا في إطار تأثير الهالة. السيد "باتريك" كانت له هالة سمحت له بأن يصبح مدرسا جيدا وذو كفاءة في التدريس، رغم عدم توفره على قدر كاف في المجال. ومن أقوى الهالات في مجتمعاتنا الشرقية، هالة رجل الدين، العلماء وشيوخ الطرق الصوفية يضربون بحظ وافر في هذا، وهذا ما يسمح لهم بالتأثير بشكل كبير ويجعل لكلامهم أثرا بليغا في نفوس المتلقين، فتجد كل مريدي طريقة معينة أو جماعة معينة يخضعون لتعليمات الشيخ بدون تحليل ولا تمحيص ولا تفكير.. حتى ولو كان الأمر يودي بحياة أبرياء أو.. إنه تأثير الهالة.

 

أكد مجموعة من علماء الاجتماع أن وسامة وجاذبية الشخص تساعده في الارتقاء في مساره المهني دون أي سبب يذكر: الجاذبية، الطول، الكاريزما، مع قدرات عاديه قد لا تقارن بقدرات أخرين متميزة إلا أن هذه الفئة الأخيرة لم تحظ بهذه الصفات الخلقية المميزة. وكما أن تأثير الهالة يحفز تلقي أفكار البعض إيجابيا فإنه يحول دون تلقي أفكار البعض الأخر، فتجد أن البعض الآن يمتعض بمجرد رؤيته للشخص الذي يحادثه بلحية طويلة عريضة ولباس سلفي مثلا، وكل ذلك يحول دون تحقيق الحياد.

طبعا تأثير الهالة لا يقتصر فقط على الشكل، فالسلطة مثلا تكسب الإنسان هالة معينة وهذه يستفيد منها رؤساء الدول والقادة، القوه أيضا تكسب الإنسان هذه الهالة وهي حالة أبطال الرياضة، وكذلك الحال بالنسبة للشهرة وهو حال الفنانين.. وفي كل هذه الحالات، بفعل تأثير الهالة التي تحيط بكل هؤلاء، نرى العوام يمجدون هذه الفئات، ويصفونهم بمحامد الأخلاق التي ربما ليست من شيمهم حتى يرفع الزمن الستار عنهم من خلال فضيحة جنسية أو أخلاقية.

خلق الإنسان ضعيفا، لا يلبث أن يتأثر بالمظاهر والزخارف البائدة، وقد صور القران الكريم عدة مشاهد بينت كيف أثرت هالة بعض الأشخاص في محيطهم، من أهم هذه المشاهد حديث الوحي عن قارون في سورة القصص "فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ" 79 القصص فتجاورت كلمة "زينته" مع كلمة "قال" أي أنهم بمجرد أن انبهرو بهالة الزينة قالوا يا ليت. ولهذا حث الله سبحانه وتعالى المؤمنين على الالتزام بالحياد ما أمكن، وعدم الانبهار بالمظاهر فقال: “لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ” ال عمران 196 كما بين سبحانه أن في ميزانه لا وجود للشكل ولا للمظاهر كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" رواه مسلم. والخلاصة، أن عليك أن تعلم أنك تتأثر بشكل تلقائي ولا إرادي بتأثير الهالة، وعليه احرص شديد الحرص على عدم إصدار حكم بشكل مسبق التزاما بواجب الحياة. ثانيا اعمل على الاستفادة من هذا التأثير وذلك بأن تجعل ملابسك أنيقة وكلامك أنيقا وأفكارك أنيقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.