شعار قسم مدونات

التنورة لا تملك العضلات!

blogs المرأة، حجاب

يُقال للمرء أنتَ رجل فيشعر بالخُيَلاء، بينما تكره المرأة أن يقال لها أنت امرأة، مع أن كلا الجملتين حقيقة. إن المرأة التي تتحجج بنظرة المجتمع وترفض واقعها وتردد بأسى: "ليتني كنت رجلا!" تستحق الشفقة، أما التي تقول: "صحيح أنني خلقت أنثى لكن عقلي عقل رجل"، فتلك تستحق القتل تعزيراً رمياً بالرصاص! لماذا تصر وتستمر المرأة في الاعتقاد بأنها مهما بذلت فإنها لن تدرك الرجل، وكأن كل تنافس معه مفض لنتيجة حتمية هي تفوقه هو، وترى بظن يغلب عليه التأكيد أن السبب في كل هذا هو أنها امرأة، والحل في اعتقادها ولكي تلحق به هو أن تصير مثله أوأن تشبهه على الأقل.

يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى: "بدلا من أن يحاول دعاة تحرير المرأة محو الاختلافات البيولوجية والنفسية والاجتماعية بين الرجل والمرأة يجب أن يبذلوا جهدهم للحيلولة دون تحويلها إلى ظلم وتفاوت اجتماعي أو إنساني". وهذا بالفعل ما يجب فعله اليوم والآن أمام هذا العالم السائل الذي تمايعت فيه المقاييس وانقلبت فيه الموازين، في وسط اتُّهِمت فيه الأنوثة وصارت على المحك، حاجزاً أمام الطموح والتطلع، ثِقلا وحِملا، بل وشيئا أقرب للعيب منه إلى الطبيعة، في وقتٍ أصيبَت فيه النساء بحمى اللحاق بركب الرجال وتفويت ركبهنّ الخاص. لماذا إذا وكيف وما السبيل لعودة الطبيعة؟

الخوف من الأنوثة!

إن أمنية – ليتني كنت رجلاً – ليست وليدة اليوم، بل كانت وتوارثتها النساء حتى اليوم، ملكات وأديبات ونساء عاديات تمنين هذه الأمنية لأجلّ فك الحصار الذي خنقتهن به الذكورة، وعملنّ من أجل ذلك ولكنهنّ لم يتمكنّ أبدا من الإفلات من نون النسوة. يذكر التاريخ أسماءً عدّة لعملاقات الأدب النسوي اللاتي تسترنّ بعباءة ذكورية، وذلك لضمان الإفلات من مقص الرقيب ووصول العمل الأدبي إلى القرّاء وتفادي رفض المجتمع لأنهنّ نساء. جورج إليوت، جورج صاند، كيوربيل، جيمس تبتري وغيرهنّ، كلهنّ نساء تبنينَ أسماء رجالية لتكون مسافة أمان بينهن وبين المجتمع، اليوم صارت أنواع التمويه أكثر تعددا، ولا تتمثل في الاسم فقط.

وحش المجتمع هو من فعل هذا بهن، فتكره الإناث أنوثتهن لأنهن لا يرين منها إلا الضعف وقلة الحيلة والرتبة الثانية وما يليها. يضِعهن أمام مفترق وهمي، مفترق القوة والأنوثة

إن الاعتقادات التي رست في العقول بأن القوة رجل، والتغيير رجل، والتحكم رجل، والمظالمُ التي تقع على النساء حول العالم هي السبب في خوف المرأة من أن تكون على سجيتها وفطرتها. ولأن العالم اليوم لا يكره الضعيف وحسب بل ويجعله يكره نفسه. لكن هل الأنوثة وجه آخر للضعف؟ وهل الطريق إلى القوة هو أن تنقسم التنورة لتصير بنطالا؟ 

وبغض النظر عن كل مسميات وصيحات الموضة، هل شكل المرأة عائق أمام قوتها؟ هل اللباقة في اللباس والطلة الأنثوية تجعلك مستضعفة وقليلة حيلة؟ ثم هل تخلى الرجل عن حلاقة ذقنه وربطة عنقه المعقدة لأنه بهذا سيكون رجلا "أكثر"؟ ومن ثم هل تظن المرأة أنها تتجمل لأجل نفسها أم لأجل الرجل؟ تتأنق الأنثى لأنها أنثى، لأجلها هي، ثم تأتي الأسباب الأخرى بعد ذلك. وتبقى الأنثى في الطريق الخطأ إن ظنت أن سبيل الشجاعة والقوة يكمن في أن تصبح رجلا، سواءً كان ذلك لباسا وهنداما أو سلوكا أو لهجة. 

هل الأنوثة وصمة عار؟

لماذا تبقى الأنوثة وصمة عار في القرن الحادي والعشرين؟ بعد 1400 سنة ويزيد من كون النساء شقائق الرجال ولهنّ مثل الذي عليهن؟ بعد مئات القوانين التي سنّت منذ شريعة حمورابي لأجل حفظ حقوقها، لماذا تعود المرأة لتجني على نفسها بطرق ملتوية ملتفة لتخنق ذاتها بدل أن تحررها، لتقول: بالرغم من كل ذلك أنا أرى أن الرجل لا زال في مرتبة أعلى وأريد أن أكون مثله، رجلاً، إن لم تقل أنثى اليوم هذا صراحةً فهي تثبته بأفعال وسلوكيات ومظاهر ذكوريّة بحته، بدءًا باللباس وتغيير نبرة الصوت، لتصبح مسموعة يرتج لها المكان، وانتهاءً بمشية ولهجة لا يمكن أن تكون لأنثى. هكذا يسئن لأنوثتهنّ ويكرهنها ويصرن بشخصيات هجينة تحتار أين تنتمي.

فهل هو المجتمع ثانيةً؟ المجتمع الذي لا يزال يزغرد لعشرة أولاد من بطن واحدة ويكاد يلطم لمولد خمس بنات؟ المجتمع الذي يكني الرجل باسم ولدٍ وإن لم يكن له من الذرية غير البنات؟ المجتمع الذي يزوج بنت الخامسة عشر ويأبى تزويج الولد حتى يشتد عوده ويصير رجلا؟ تكون بنت فلان ثم زوجة فلان ثم أم فلان ثم جدته، وأين هي؟ هي لا تبِين، مُخبّئة خلف الألقاب والكنايات.

وحش المجتمع هو من فعل هذا بهن، فتكره الإناث أنوثتهن لأنهن لا يرين منها إلا الضعف وقلة الحيلة والرتبة الثانية وما يليها. يضِعهن أمام مفترق وهمي، مفترق القوة والأنوثة ثم إن اخترنَ فسيخترن القوة التي يرين لها وزناً في عالمهنّ ويستغنين مكرهات بلا شك عن فطرتهنّ. لماذا؟ لأن العالم يكره الضعيف ولا يؤذيه بقدر ما يكره الضعيفة ويمتهنها.

ليست حلبة مصارعة لنرى من الأقوى هي أم هو، لكن على كل الإناث في العالم أن يدركن حجم القوة التي بداخلهنّ، وأن إدراكهنّ القاصر للأنوثة هو ما جعل الأنوثة في نظرهن حاجزا وقيدا
ليست حلبة مصارعة لنرى من الأقوى هي أم هو، لكن على كل الإناث في العالم أن يدركن حجم القوة التي بداخلهنّ، وأن إدراكهنّ القاصر للأنوثة هو ما جعل الأنوثة في نظرهن حاجزا وقيدا
 

إناث قويات

"اليد التي تهز المهد، قادرة على هز العالم" هكذا قال نابليون ذات مرة واصفاً قوة المرأة. فمن قال أن الأنوثة ضعف وقلة حيلة؟ قوة السيدة مريم كلها أنوثة. صبيةً ثم أماً ثم صدّيقة، هل كانت هذه إلا صفات مريم؟ خديجة التاجرة -رضي الله عنها – هل خرطت التجارة والسوق رقة وعطف الأنثى في قلبها؟ يمكن الجمع بين القوة والأنوثة.. نعم، ولا ضرورة لصنع عضلات مفتولة ولا لمشية منصوبة الأكتاف، لا داعي للعن التنانير والفساتين، لأن قوة الأنثى في قلبها وروحها، في صبرها وعطائها، قوة تمتزج بالحب، تكتسي بالحكمة، وتتفجر بالعطف. قوة لا قسوة فيها، قوة تشبه قوة مريم تحمل طفلها أمام العالمين، تشبه قوة خديجة تتحمل جزء كبيراً من إشعاع الوحي في لحظاته الأولى تصدق وتؤمن بما سمعت دون ريب وشك، قوة زوجة موسى صفورة تتحمل أعثار الطريق وتنتظر جذوة من رأس الجبل لينتهي الليل، كانت قوة لا مرئية بل محسوسة. فكيف لحكمة المرأة أن يفوتها أنها تستهين بقوة عظيمة كقوة الأنوثة، وتبدلها بقوة يُخمدها فيروس زكام؟ يقول الكاتب الأمريكي جون ستاينبيك: "أثق أن المرأة قوية، خاصة إذا كان قلبها مفعم بالحب، وأعتقد أن المرأة المحبة لا يمكن هزيمتها". 

ليست حلبة مصارعة لنرى من الأقوى هي أم هو، لكن على كل الإناث في العالم أن يدركن حجم القوة التي بداخلهنّ، وأن إدراكهنّ القاصر للأنوثة هو ما جعل الأنوثة في نظرهن حاجزا وقيدا. إن الأنوثة لا تحرّم الـ "لا"، ولا تمنعُكِ من فعل وقول ما تحبين، هي ليست حاجزا بل سبيلا لتكوني على طريقتك. أنوثتكِ لا تنفي قوتكِ وقوتَها لا تنفي رجولتَك، نحن في خطوط متوازية تسير معا. وسنبقي على أمل ريلكه حياً ونشيد بمقولته الجميلة "يوما ما سيأتي زمنٌ تكون فيه كلمة أنثى ليست عكس الذكر وحسب، بل شيئا قائما بذاته، شيئا يوصف بكلمات لا تهدف إلى التحديد والشمول بل إلى الحياة والوجود".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.