شعار قسم مدونات

هل نسلنا العربي يسير نحو انتكاسةٍ في ذكائه؟

blogs التعليم

يعتمد نمو الذكاء البشري على تنمية مناطق مهمة في الدماغ مثل القشرة الجبهية، واللوزة، والحصين، وجذع الدماغ. تنمو مناطق الذكاء لدى الطفل عند تعريضه للمثيرات البيئية التي تنمي هذه المناطق. وتعد السنوات الأولى وحتى الخمس سنوات فترة حرجة وخصبة لنمو الذكاء، بحيث يمكن تنمية الذكاء أضعافاً مضاعفة عن أي فترة أخرى لاحقة، كما نحتاج إلى جهود مضاعفة لتعديل الأخطاء التي تحدث في هذه الفترة الحرجة – إذا أمكن التعديل.

وعند حديثنا عن أهمية هذه الفترة نحتاج أن نلتفت إلى العناية التي أحاطها الله بنبيه الكريم "محمد" صلى الله عليه وسلم "نموذج الكمال البشري" عندما تربى في البادية في سنواته الأربع الأول، لنتفكر ما أهمية المثيرات التي تعرض لها في هذه الفترة وما مدى تأثيرها في الدماغ؟ وفي أي بيئة ينشأ أطفالنا اليوم؟

أولاَ: يحتاج الطفل إلى تشغيل حواسه من خلال تعريضه لمثيرات بيئية تشجعه على التأمل لتنمية منطقة مهمة في نمو الذكاء وهي منطقة جذع الدماغ Brain stem، فكلما تأمل الطفل وشغل حواسه الخمس فأرسل بصره إلى السماء، واستمع إلى تغريد الطيور، وتفحص ورقة الشجر بيده الناعمة، واستمتع بشم النسيم العليل، وتفاعل بحواسه ومشاعره مع القطة أو الكلب أو الغنمة، كلما نمت هذه المنطقة الحرجة والهامة في نمو الذكاء، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في نشأة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بين أحضان الطبيعة.

ماذا يحدث لمنطقة الجذع في أدمغة أطفالنا اليوم؟
علينا تجهيز رف خاص للطفل في البيت لوضع مثيرات بيئية متجددة تجذب الطفل إلى التأمل مثل الأصداف، نجم البحر، فراشة محنطة، أقمشة مختلفة الملمس

إن نشأة الأطفال في حجرات مغلقة وعدم إعطائهم الفرص لتشغيل حواسهم يؤدي إلى تراجع هذه المنطقة، وأما إذا التقف الطفل الصغير الهاتف الجوال بين يديه فستنتكس هذه المنطقة تماماً، فلا يعود يلتفت إلى حواسه، وتفقد المثيرات الحسية بريقها، وتصبح عملية التأمّل لديه صعبة جداً في المستقبل، ويصبح قليل الصبر، محدود الرؤية، سطحي المشاعر، وهذه الظاهرة بدأنا نتحسس ثمارها مع الأسف.

ما الحل؟
1- عدم إعطاء الهواتف بتاتاً إلى أطفالنا وإخفائها عنهم.
2- توفير مثيرات حسية داخل البيت، مثل عصفور كناري، قطة منزلية، سلاحف بحرية، سمك ملون، كتكوت، ببغاء، .. الخ.
3- وضع الثمرة بين يدي الطفل ليتأملها ويشمها ويتذوقها مثل الفراولة والبرتقالة والخيار والطماطم وغيرها.
4- تشغيل مناظر طبيعية على شاشة التلفاز أو على اليوتيوب تحتوي على صوت البحر، صوت العصافير، تستخدم للاسترخاء وإثارة الحواس ما استطعنا.
5- أخذ الطفل – مرة أسبوعياً على الأقل – إلى أماكن في الطبيعة ليتجول بين أحضانها ويتأمل ونتأمل معه، وإذا كان الطفل بدأ في الكلام نلفت انتباهه إلى عظمة الخالق الذي أوجد وصوّر ولوّن وأكرمنا بكل هذا الخلق لنسعد ونشكر، ونفتح حوارات تأملية معه، وإذا تيسر وجود البحر بقربكم فإنه وسيلة عظيمة للتأمل ونمو الذكاء إذا استغل بالشكل الصحيح بدون تواجد الأجهزة الإلكترونية عند الذهاب إلى هذه الأماكن.
6- تجهيز رف خاص للطفل في البيت لوضع مثيرات بيئية متجددة تجذب الطفل إلى التأمل مثل الأصداف، نجم البحر، فراشة محنطة، أقمشة مختلفة الملمس، كتب مصورة عن الطبيعة، وردة، ورق شجر، أحجار ملونة، عدسة مكبرة، وما يجمعه من رحلاته الاستكشافية.
7- إذا كان الأهل يملكون حديقة فيجب حمل الطفل وهو لا يزال صغيراً والتجول معه بداخلها لإثارة حواسه، ولو كان الجد أو الجدة – أو غيرهم من الأقارب والأصدقاء – يمتلكون حديقة نقوم بالعمل ذاته عند زيارتهم.
8- تجهيز حوض للعب بالرمل والطين لتشغيل حواس الطفل وتقوية عضلاته، مع توفير أدوات الرمل بن يديه وابريق الماء البلاستيكي.

تقوية اللغة الأم وتشغيل الحواس من الأُسُسِ التربوية الهامة في نموّ ذكاء الطفل في سنواته الأولى، والواقع يسير نحو العكس في عالمنا العربي مع الأسف
تقوية اللغة الأم وتشغيل الحواس من الأُسُسِ التربوية الهامة في نموّ ذكاء الطفل في سنواته الأولى، والواقع يسير نحو العكس في عالمنا العربي مع الأسف
 

ثانياً: لتنمية ذكاء أبنائنا يجب بناء شجرة لغوية في الدماغ يفكر من خلالها، هذه الشجرة هي اللغة الأم التي يتحدث بها مع نفسه ويفكر بها، تعد السنوات الخمس الأولى سنوات حرجة جداً في بناء هذه الشجرة، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم في البادية "أفصح البيئات اللغوية". يجب تعريض الطفل إلى أكبر قدر من اللغة الأم في هذا السن، وما نراه اليوم من تفضيل من قبل الأمهات في تعليم اللغة الإنجليزية على حساب اللغة الأم سيؤدي إلى ضعف الشجرة اللغوية الأصلية، مما يؤدي إلى ضعف التفكير وبالتالي ضعف الذكاء لأن الإنسان يفكر بلغته الأم.

ما الحل؟
1- يجب تقوية اللغة الأم من خلال الحديث بها وإعطاء الأولوية لها فيجب أن يتعلم الأصفر قبل Yellow، والشجرة قبل Tree.. وإلا ستضطرب الشجرة اللغوية وتنشأ مهلهلة، ولا بأس بتعلم اللغة الإنجليزية ولكن الشرط تمكين اللغة الأم أولاً.
2- اهتمام الأم بفتح الحوارات الذكية مع طفلها، وصدق المثل الذي يقول" الأمهات الثرثارات ينجبن أطفالاً أذكياء"!.. فيجب أن تنتبه الأم أن هذه فترة حرجة يجب أن تثرثر فيها مع طفلها ما استطاعت لينمو ذكائه.
3- قراءة القصص ووضع ميزانيات خاصة لإثراء مكتبة الطفل أسبوعياً.
4- استماع الطفل إلى جزء عم من القرآن الكريم بشكل عفوي يومياً، وبدء حفظ قصار السور بحسب طاقته وبحب وعفوية.
5- وضع أناشيد في البيت بشكل يومي تتجدد في كل فترة.
6- مشاهدة الأفلام الكرتونية الهادفة التي تتحدث باللغة الفصيحة.
7- الافتخار باللغة العربية وتمجيدها فهي لغة القرآن الكريم ولغة نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

تقوية اللغة الأم وتشغيل الحواس من الأُسُسِ التربوية الهامة في نموّ ذكاء الطفل في سنواته الأولى، والواقع يسير نحو العكس في عالمنا العربي مع الأسف، فإن لم نعِ ونَنشُر الوعي ستَنْشَأُ أجيالٌ منحدرةُ الذكاء عن آبائها وسنُسألُ عنها يوم القيامة. فهلّا عدنا لإيقاظ الفطرة والاعتزاز بالهوية لنحفظ ملكات أبنائنا؟ ماذا تريدون أن تفعلوا لنشر الوعي؟.. شاركونا آراءكم وأفكاركم الإيجابية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.