شعار قسم مدونات

المساواة.. تحرر وتنوير أم تصدير أزمة؟

blogs مجتمع

يكثر الضجيج في بلادنا (بلاد العالم الثالث) عن مسألة المساواة بين الرجل والمرأة بحمولة غربية غريبة فإلى أي مدى هذا الضجيج بريء!؟ إن تصدير مسألة المساواة والمناصفة وكذا تحرير المرأة وهلم جرا من المصطلحات والمفاهيم، ليست كما يسميها أبناء المدرسة الاستعمارية، الذين قد يحملون حقدا دفينا للإسلام، في "إطار استيراد وتصدير (القيم الكونية)". إنما هي محض تصدير أزمة ممنهج إلى الدول والمجتمعات المسلمة، لأنه لا ينم حقيقة، عن رفض مسؤول لواقع المرأة المتأزم، وقومة ضد كل أشكال الحيف والانتقاص من حقوق المرأة، بأي مبرر من المبررات وهذا ما تؤكده الممارسة على أرض الواقع.

 

ويتجلى أيضا بوضوح في الخطأ التاريخي والسياسي عند هؤلاء من يسمون أنفسهم مدافعين عن حقوق المرأة ويتصفون بالعقلانية ويتوسلون التحليل العلمي داخل مجتمعاتنا. ويرجع سبب وصفي لأفكارهم وممارستهم، التي تنطلق من أفكار بالخاطئة تاريخيا وسياسيا؛ إلى توجيههم لمعركة المرأة عكس اتجاهها الصحيح، ضد الظلم والفساد والاستبداد، وما يترتب عنه من هضم لحقوق الناس ومن بينهم المرأة. بل نجدهم من خلال أنشطتهم وتحركاتهم يبعثون رسالة مفادها؛ أن النضال من أجل تمكين المرأة وتحسين أوضاعها هو معركة ضد الدين والهوية، بزعم أن الإسلام يضطهد المرأة يحط من شأنها ويهضمها حقوقها، وهذا خطأ تاريخي ندعوهم عبره، من أجل تصحيحه إلى قراءة لقضية المرأة في الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي، قراءة موضوعية لا قراءة متحاملة على الإسلام.

إضافة إلى ما سبق ذكره، ما يجهله متبنو هذا التوجه من أبناء مجتمعاتنا، أن تصورهم وتشخيصهم الخاطئ لقضية المرأة قد يضعف الحركة النسوية، وذلك بعزلها عن المجتمع وقيمه الثابتة ويعطيها مواقع هامشية في المعركة الحقيقية ضد الظلم والفساد والاستبداد الجاثم على صدور أبناء الوطن امرأة ورجلا، والتي الفوز والانتصار فيها كفيل بتحقيق العدل على كل المستويات للمجتمع، فانحطاط المرأة بانحطاط الأمة، ونهضتها بنهضة الأمة ككل.

إن تغييب المرأة وتهميش دورها في عملية التغيير الشامل لهو بمثابة جناية في حق مستقبل الإنسانية ككل

لكن يمكن القول أن إعطاء المرأة حقها ومكانتها في المجتمع، كما أرادها لها الله، يمر عبر الاشتغال على جبهات أو بالأصح مسؤوليات، تكون المرأة المسلمة أكبر مشارك ومساهم في الاشتغال عليها حاملة لا محمولة. وسبب وصفي للجبهات المطلوب الاشتغال عليها بالمسؤوليات؛ لما لهم من أهمية ومحورية في إعطاء إجابة حقيقية صادقة بريئة في قضية المرأة، ولما ينشئه الشعور بالمسؤولية من أثر إيجابي في الفعل، بل وإن من أوجه المقاومة التي يمكن أن تقف أمام مشروع النهضة في المستقبل كما يحددها الفكر السياسي للإمام عبد السلام ياسين؛ كل ما له علاقة بالتفريط العملي والسلوكي في الشعور بـ "المسؤولية". ويعلق الإمام ياسين في كتاب العدل على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". ويقول فيما مضمونه أن تكرار كلمة "مسؤولية" في الحديث تسع مرات رغم صغر حجمه، إنما هو ليرسخ عندنا المعنى العميق الساري في كل مناحي الحياة في الدنيا والآخرة "للمسؤولية". ونذكر هنا بعضها ليس على سبيل الحصر ولكن بما يسمح به المكان والحويصلة.

مسؤولية تجاوز القراءات الفقهية، المذهبية الضيقة، وما حصل عليه في المدونات الفقهية، مما كان وليد عصره وبيئته، فيه ما أدى دوره الفعال التنويري في تلك المرحلة. وفيه أيضا ما خدم غايات وأهداف متأثرا بالعض والجبر في ظل اعتزال بعض العلماء الشأن العام وقتل وعزل آخرين والاقتصار على من وال الاستبداد، ما أدى إلى انتقال العالم الإسلامي من أنوار الاجتهاد إلى ظلمات التحجر الفكري والروحي. ولن يتم هذا التجاوز إلا عبر تجديد للدين، باعتبار الحاجة إلى التجديد حاجة عامة تهم النساء والرجال على حد سواء، وإن كان الأمر هنا أشبه ما يكون بالخاص بالمرأة.

وكذلك عبر اجتهاد إسلامي حقيقي منفتح – فالإسلام بما هو دعوة للعالمين لا تعيش بعيدا عن الناس هو انفتاح – نابع من الكتاب والسنة يستهدي بأخلاق القرآن وبالمنهاج النبوي وعلم التزكية، "لعلاج الأعطاب البشرية المكدودة المترنحة على شفير النهاية المأساوية" كما عبر المفكر إدريس مقبول في كتابه "ما وراء السياسة" اجتهاد نتساءل معه فيجيبنا عن ماهية الأزمة التي تعاني منها المرأة المسلمة؟ ما جذورها؟ أين تلك النهضة التي أبرزت أم المؤمنين "خديجة" وأعطت أول شهيدة في الإسلام "سمية بنت الخياط"؟ أين اللاتي جادلن عن حقوقهن فأنزل الله تعالى القرآن يفصل في خصومتهن؟ من هبط بالمرأة إلى واقع الجواري في القصور؟ أو بتعبير آخر أشمل، ما هي الانحرافات التربوية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفقهية التي عاقت مسيرة المرأة نحو التحرر من الدونية والعبودية لغير الله نحو بناء الذات؟

اجتهاد تكون فيه المرأة أول مشارك، وصاحب حصة الأسد، فتخرج من التفقه فقط في أحكام النساء للتتطلع إلى ما وراء ذلك، وأكبر، إلى لعب الدور المحوري في عملية التغيير الشامل. فتغييب المرأة وتهميش دورها في عملية التغيير الشامل لهو بمثابة جناية في حق مستقبل الإنسانية ككل. اجتهاد في غيابه أدت المرأة ثمنا باهظا، حيث وجدت نفسها سجينة أعراف مبنية على فقه سد الذرائع، عوض أن تتمتع بالحقوق المكفولة لها بالكتاب والسنة؛ فللمرأة المسلمة حقوق سلبها إياها فقه منحبس، وتقاليد رجعية، فالمرأة في الإسلام حرة في اختيار زوجها، وفي إلزام خاطبها بشروط تضعها هي بما فيها عدم التزوج بأخرى، وطلب الطلاق، والعمل، وكذا التصرف بالاستقلالية في مالها… والمرأة في نظر الشرع ليست كما يقول بعض نقصاء العقل من ذكورنا أنها: ذلك الكائن المسؤول عن الخطيئة الأصلية، حليف الشيطان ضد الإنسان. وهي أفكار لا تمت للمسجد بصلة.

علينا وضع قضية المرأة ضمن السياق الشعبي الهوياتي الإسلامي، وفق أولوياتنا وثوابتنا وأبجدياتنا وأجنداتنا، لا وفق أجندات وتوصيات الأخرين. والتدرج بالمرأة نحو بناء الذات، فمعركة المرأة عندنا قد تكون مع المرأة وذاتها
علينا وضع قضية المرأة ضمن السياق الشعبي الهوياتي الإسلامي، وفق أولوياتنا وثوابتنا وأبجدياتنا وأجنداتنا، لا وفق أجندات وتوصيات الأخرين. والتدرج بالمرأة نحو بناء الذات، فمعركة المرأة عندنا قد تكون مع المرأة وذاتها
 

وعلى المرأة أن تتعرف حقوقها، وتطالب بالتمتع بها، لأن انتشال المجتمعات من براثين الاستبداد يتطلب مشاركة الجميع؛ النساء جنب الرجال تعاونا وتكافلا وتكاملا وتوجيها ونصحا ومنافسة في الخير. وهنا يأتي دور الحركات النسوية، والمثقفات من نساء الصالونات، عوض الانشغال بآية: "لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ" عن جهل أو كما يسميها "علي شريعتي" "نقاشات الإلهاء" لأنها تخرج بالمعركة عن المسار الصحيح، وعوض الدعوة إلى انتشال المرأة من براثن الرجل الفظ الذي لا يريد منها إلا خدمة وعفة وقائية فلسفتها سوء الظن وضامنها القفل (هكذا تعلم وهكذا يظن) إلى ما هو أنكل وأمر ليلقى بها فريسة سهلة بعد أن تم تزيينها والتخفيف عنها من بعض الملابس الساترة بين مخالب رجل، لتصبح مجرد متاع يتلذذ به.

ومن هنا ندعو أيضا الغرب إلى (اجتهاد) أيضا، فالدارس للمجتمعات الإنسانية عبر التاريخ إلى يومنا هذا، يجد أن المجتمعات نظرت إلى المرأة نظرات متباينة؛ تحكمت فيها عوامل كثيرة تاريخية واجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية ودينية. فالمجتمع الغربي الأن ومن يستهلك منه ينظر إلى المرأة نظرة تبضيعية، اتخذ المرأة بضاعة للتسويق والاستهلاك. كما أن على الحركات النسوية أن تكون واعية بما يحاك، وأن ترقى إلى التخلص من السردية المغلقة الغير بريئة المتغربة، المتخفية وراء مقولات تحرير المرأة المسلمة وكذا الكونية والعالمية. والخروج من المحاكات العمياء للغرب، إضافة إلى التيه القيمي الذي ينتج عنه، وتقودنا إلى المأساة الاجتماعية والأخلاقية التي تعاني منها المرأة في البلدان المتقدمة.

وكذا وضع قضية المرأة ضمن السياق الشعبي الهوياتي الإسلامي، وفق أولوياتنا وثوابتنا وأبجدياتنا وأجنداتنا، لا وفق أجندات وتوصيات الأخرين. والتدرج بالمرأة نحو بناء الذات، فمعركة المرأة عندنا قد تكون مع المرأة وذاتها، فالشق الذاتي أكبر من الموضوعي. هذه دعوة إلى الثقافة المناضلة الحقة كما يقول فيلسوف الشخصانية الإسلامية "محمد عزيز الحبابي" في "من المنغلق إلى المنفتح": "إن الثقافة المناضلة هي وحدها الثقافة الحقة، أما ثقافة التظاهر والمظاهر، ثقافة الأرستقراطية الفكرية، فمثلها كمثل حلي مزور، … فلربما تفسخت مقومات الثقافة وانقلبت ضررا على المثقفين وخطرا على مجتمعه،… إنها هراء وعبث".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.