شعار قسم مدونات

فن التخلّي.. بهذه الطريقة يمكنك النجاح في حياتك

blogs الفراق

مفترقات طرق، هكذا هي الحياة لو أردت أن أسميها، حياتنا هي عبارة عن مفترقات طرق متعددة وطرق ملتوية، نمضي في هذه الحياة منذ أن نعي هذه الحياة وحتى موتنا ونحن نمر بمفترقات طرق، أمام كل مرحلة جديدة ندخلها في حياتنا وفي كل سبيل نسلكه، هناك مفترق طريق ودعناه وتركناه خلفنا واخترنا طريقا جديدا لا يشبهه البتة. كثيرة هي المفترقات في حياتنا، نقف أمام نشعر بالعجز عن الاختيار، بين ماض متمسكين بذكرياته نأبى فراقه ونخشى انقطاعه، وبين مستقبل مجهول نخشى الإقدام عليه.

ندرك في طيات أنفسنا أنه لا من الإقدام فربما هناك مستقبل زاهر ينتظرنا، وتبقى النفس معلقة بين الإقدام وبين الثبوت عما هي عليه، تدرك أن بقائك على ما أنت عليه خلاف الصواب، ولكن خوفك من التغيير ومن وعورة الطريق يدفعانك للخوف وتتشبث بما أنت عليه. تتغير الحياة وتتبدل يوما بعد يوم، ووقوفك دون التغيير يعني أن تبقى خارج منطق الحياة، تدرك أن التأخر عن التغيير سيزيد من التراكمات السلبية على نفسك وتصبح العملية معقدة وصعبة وشاقة، ومع ذلك تخاف من الإقدام. هنا في هذه اللحظة الفاصلة من حياتك عليك أن تختار يا صديقي، ولأن الاختيار صعب، عليك أن تتعلم فن التخلي.

سأخبرك الآن بسر يا صديقي، إن سر الراحة يكمن في فن التخلي، أن تتخلى عن الماضي الذي تتشبث به، الماضي الذي يكبلك ويؤذيك، تخلى عن ما يؤذيك، عن ما يؤرقك ويتعبك، عن الأفكار والأحلام التي لم تخلق لك، عن العادات التي تغلغلت في أعماقك حتى استحكمتك وصرت عبدا لها، أسر العادات التي تستحكمك وتتغلغل في أعماقك وتعيقك عن الحركة، تخل عن أسر الروتين القاتل الروتين الذي يدفعك ان تعيش في دوامة لا تنفك عنها سوى بالموت، وكأنك تعيش كآلة لا كإنسان.

كم نحن بحاجة لأن نتعلم فن "التخلي" أن نعي ما نحتاجه، وأن نعرف ما هو مؤقت وندرك ما هو مستمر، لا تغرنك البدايات ولا تخدعك الشعارات

تخل عن الأحلام التي لم تخلق لك، عن سفينة الحياة المثالية التي صنعتها في مخيلتك وأرسيتها في أوهامك ولم يكن لها أي حقيقة في دنيا الواقع، تلك الأحلام التي تكبلك عن رؤية الحقائق، إنها الإصبع الكبير الذي يحجب عنك الرؤية، الزجاج الأغبر الذي يمنع عنك رؤية الأشياء الجميلة التي حولك، إنه الضباب الذي يضيع بوصلة حياتك. تخل عن الذين حولك، عن الأصدقاء الذين يعيقون مسيرتك، ويحرفون بوصلتك عن مسارها.

إنه سر النجاح أن تعرف الأشياء التي يجب أن تتخلى عنها والأشياء التي يجب أن تحتفظ بها، كثيرة هي المعارك التي ناضلنا من أجلها وخضناها بجسارة، كثير هم الأشخاص الذين ضحينا بجهدنا ووقتنا وأيامنا لأجلهم، وأتعبنا أنفسنا ونحن نلهث خلفها، كثيرة هي الأشياء التي حاربنا الكون ووقفنا بوجه الجميع في سبيلها، كثيرة وكثيرة هي الأشياء، الأشياء التي ضخمناها ثم عاد جميعها إلى حجمه الطبيعي في نهاية المطاف، ثم تساءلنا هل كانت جميعها بحاجة لتلك التضحيات.

كم نحن بحاجة لأن نتعلم فن "التخلي" أن نعي ما نحتاجه، وأن نعرف ما هو مؤقت وندرك ما هو مستمر، لا تغرنك البدايات ولا تخدعك الشعارات، كم هي الأشياء التي قلت أنك لن تتخلى عنها، بل كم هم الأشخاص الذين ادعوا أنهم لن يتخلوا عنك ووعدتهم أنت بالأمر نفسه، بإمكانك أن تكتشف ذلك بنفسك، من هم الأشخاص الذين كانوا في حياتك قبل خمس سنوات، ثم من هم أصدقاؤك قبل ثلاث سنين، من هم أصدقاؤك منذ سنتين، ومن هم أصدقاؤك الآن، ثم اسأل نفسك، من هم أصدقاؤك بعد سنتين، وكن صادقا مع نفسك كم بقي وكم ذهب، ربما ستذهلك الإجابة وربما لا، كم هي الأشياء التي بقيت إلى الآن، ستكون خيبتك الكبرى عندما تتخلى الأشياء عنك لأنك لم تقدر ولم تملك شجاعة التخلي عنها.

نخاف جميعا من المستقبل، لأننا نطمح بالماضي القديم وننسى أنه مضى ولن يعود للأبد، أو لأن المستقبل مجهول نخشى القدوم عليه لكن المستقبل المجهول قد لا يكون بذلك السوء الذي تصوره لك نفسك. نعم طريقك الجديد قد يكون شاقا وطويلا ومعقدا وصعبا، ولكنه بالتأكيد سيكون أفضل من بقائك على ما أنت عليه، ولتدرك يا صديقي أخيرا أن أيامك تمضي وعمرك ينقضي، وأن جدار روحك الذي انقض وانهار وقضيت وقتا طويلا في البكاء على أطلاله ومحاولة استعادته وانتظار هبة من السماء تعيده، كل ذلك الوقت الذي قضيته في البكاء، كان وقتا كافيا لأن تبني جدارا جديدا أكثر متانة وجمالا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.