شعار قسم مدونات

الهجرة نحو أوروبا بين الأمل والألم

blogs - الهجرة

مما لا شك فيه أن كل شخص منا يسعى للاستقرار في وطنه، يحضر للتجمعات العائلية.. يحتسي كوباً من القهوة في المساء رفقة أصدقائه.. يخرج في نزهة مع والديه.. يمضي يومه في العمل ليرجع في الليل إلى بيته، ليجد أمه في استقباله محضرة له الأطباق التي يحبها.. عندما يمرض يجد إخوته وأقاربه بجانبه فيزيده ذلك قوة وعزيمة.. لكن ماذا إن كان الوطن الذي تعيش فيه هذه السعادة هو الذي يجبرك على التخلي عنها؟

إن أغلب الأشخاص الذين هاجروا من أوطانهم لم يكن ذلك حُباً في الغربة، ولكن هروباً من المُرّ الذي ذاقوه في أوطانهم، وبحثاً عن إمكانيات وفُرص عَجزت بلدانهم أن تحققها لهم. إن أكثر البلدان التي عانت في الآونة الأخيرة من الهجرة هي بلداننا العربية وذلك راجع لعدة أسباب، على رأسها تردي الأوضاع السياسية وانعدام الحريات. الشيء الذي يزيد من رغبة البعض في الهجرة نحو الدول الغربية باعتبارها دول أكثر استقراراً وديمقراطية، كما أن تدني مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار مقارنةً بالرواتب الهزيلة، لا يمكن إلا أن تزيد الشخص سخطاً على الوضعية المزرية التي يعيشها.

ولعل أكثر أنواع الهجرة التي تعاني منها البلدان العربية والتي لها وقع سلبي على مستوى التنمية والاقتصاد، هي هجرة الأدمغة وذلك راجع إلى العروض المغرية التي تُقدمها الدول الغربية. حيث أنها تُتيح فُرصاً للشغل للكفاءات وتُشجع على البحث العلمي. الشيء الذي يزيد من شهية الشخص ويُغريه بأن يعيش في هذه البلدان. لكن ماذا لو سعت الدول العربية إلى تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي؟ هل كان الناس سيُضحون بسعادتهم قرب عائلاتهم ليهاجروا إلى بلدان هم غرباء عنها حاملين معهم خيبات الأمل؟ أليس الوطن أحق بأبنائه؟

إن الهجرة دليل على فشل الأوطان العربية في الاحتفاظ والتمسك بأبنائها، بل أكثر من ذلك فهي تبيعهم دون مقابل، في الوقت الذي يجب عليها أن تحتضنهم بين ذراعيها وتُقدم لهم الرعاية والأمان.

إن الأحداث التي عاشتها الدول العربية في الفترة الأخيرة من حروب وانتهاك للحقوق والحريات، لم تترك فُرصاً أخرى للشباب سوى الهجرة إلى بلدان أوروبا. حيث يُصورها الإعلام على أنها دُولاً أكثر ديمقراطية تسعى لتوفير ظروف عيش جيدة لمواطنيها، وبالتالي فهي بمثابة المأوى الذي سيلجؤون إليه هروباً من الظروف القاسية والوضعية المزرية التي طالما أرخت قساوتها عليهم.

الحقيقة أنه ما من أحد يختار الابتعاد عن المكان الذي وُلد وترعرع فيه.. المكان الذي عاش فيه ذكرياته مُحاطاً بأُناس يحبهم ويحبونه.. يشاركونه نفس اللغة نفس الدين نفس العادات والتقاليد.. لكنه وفي ظل الظروف القاسية التي يعيشها فهو مجبر على التخلي عن كل هذه الأشياء الجميلة ليهاجر نحو الخارج بحثاً عن حياة أفضل وغد أجمل، وبحثاً عن بصيص من الأمل في إيجاد حقوقه الطبيعية كإنسان حتى ولو كلفه ذلك الابتعاد عن الوطن والأهل والأحباب، وشعوره الدائم بالغُربة والتمييز العنصري في بعض الأحيان.

إن الهجرة دليل على فشل الأوطان العربية في الاحتفاظ والتمسك بأبنائها، بل أكثر من ذلك فهي تبيعهم دون مقابل، في الوقت الذي يجب عليها أن تحتضنهم بين ذراعيها وتُقدم لهم الرعاية والأمان. كما أن من واجب الحكومات تثمين شعوبها من خلال النهوض بمستوى التعليم والصحة وإصلاح القضاء وإدماج الشباب في سوق الشغل، وهذه الإصلاحات تستدعي إرادة سياسية قوية وكفاءات عالية ذات نظرة إصلاحية شمولية وجذرية تهدف إلى النهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وذك من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة والحد من ظاهرة الهجرة.

إن المهاجرين ليسوا سواء، فمن اختار الهجرة بطريقة شرعية ليس كمن ألقى بنفسه في قوارب الموت هارباً من خفر البحر.. أمله الوحيد أن يصل به القارب نحو الضفة الأخرى.. مناجياً ربه أن يكون البحر رحيماً به.. مُتمنياً ألا يواجهه شبح الغرق والموت.. راغباً أن يصل بأمان إلى ذلك العالم الذي لطالما اعتبره سبيله الوحيد للحرية والأمان وتحقيق الأحلام.. والحقيقة المُرّة أنه قد يصل أو لا يصل، هو يعلم أن هذه مجازفة قد تنتهي بالموت وخيبة الأمل لكنه في معركة لا يُريد أن يخسرها.. معركة تحت شعار أكون أو لا أكون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.