شعار قسم مدونات

ازرع إنسانا.. تجني حضارة!

blogs مجتمع

تثبت العديد من التجارب الناجحة للدول أن الإنسان ثروة حقيقية، وأن الاستثمار في العنصر البشري له نتائج باهرة، لذلك تحولت الأزمات عبر التاريخ إلى دافع قوي لنهوض الكثير من الأمم من رمادها كطائر الفينيق، فإلى أي مدى تكمن أهمية الإنسان في وصفة صنع الحضارة؟

 
ألمانيا، اليابان، كوريا الجنوبية، سنغافورة، أمم صنعت من المستحيل واقعا، ورسمت للعالم صورا ثلاثية الأبعاد للنجاح والتقدم، وقدمت أيضا دليلا قاطعا على أهمية الإنسان في صنع المعجزات، ازرع إنسانا تجني حضارة، معادلة بسيطة في ظاهرها، صعبة في تجسيدها على أرض الواقع، لأنها تحتاج لأسس ومعايير دقيقة ونظرة استشرافية للسلطات الحاكمة، فمن البديهي أن تنعكس السياسات والقوانين على بيئة الإنسان وتنشئته الاجتماعية، فالدولة تعتبر آلة تصنيع للنماذج البشرية، قد تصنع إنسانا سويا يحترم القانون بالفطرة كما قد تصنع مجرما عربيدا يدوس على القانون بالجزمة القديمة، وتجارب الدول المتخلفة والتي تقتات من ثروات آيلة للزوال ولا يملك حكامها رغبة حقيقية في التطور أخرجت للعالم نسخا مشوهة من الإنسان، وأثبتت أن التطور لا يبنى على مساحة الدول أو الثروات الطبيعية وآبار من البترول أو الخلود في السلطة.

ومن هنا يمكن أن نعتبر أن الإنسان هو اللبنة الأساسية ورقما ثابتا في معادلة النجاح، واستثمار الإنسان تكون بدايته عادة من المدرسة التي تزرع فيه الأخلاق والقيم، واحترام القانون وحب الوطن وتقديس العمل، وتعليم جيد سينتج تلقائيا أجيالا تساهم في نهضة الوطن، وهذا ما يفسر تخصيص الدول المتقدمة لميزانيات ضخمة لتطوير لتعليم وهيكلته، لأن التعليم في الدول المتحضرة ليس أداة لصناعة مستقبل فرد، التعليم قاعدة بناء مستقبل أمة، فإذا وضعت جيلا على الطريق الصحيح فأنت وضعت بذلك وطنا على الطريق الصحيح.

الدول المتطورة لا تملك عصا سحرية بل تضع في أجندتها دائما مشروعا لبناء الإنسان، مشروع أخلاقي وعلمي واقتصادي، ومن هنا يتضح أن التطور ليس قضاء وقدر، بل هو منهج وأسلوب حياة

ومن جهة أخرى للفساد علاقة مباشرة بتخلف الدول أو تقدمها، فالدول الأقل فسادا هي الأكثر تطورا والأكثر عدالة والعكس صحيح، لذلك فالنظام الحاكم في أي دولة متخلفة يتفنن في تحطيم الإنسان ويخوض حربا قذرة على المبادئ والأخلاق والوطنية، ويهدف إلى تحويل الشعب إلى قطيع من الأغنام يسوقه أينما أراد، فالتخلف يضمن استمرارية الأنظمة الفاسدة، والتأسيس لنهضة الأمة في نظر الحاكم الفاسد هو كتابة للسطور الأخيرة في تاريخ حكمه.

الدول المتطورة لا تملك عصا سحرية بل تضع في أجندتها دائما مشروعا لبناء الإنسان، مشروع أخلاقي وعلمي واقتصادي، ومن هنا يتضح أن التطور ليس قضاء وقدر، لأنه منهج وأسلوب حياة، وهو أيضا قضية شعب وسلطة رشيدة، وحصيلة جمع بين العمل والعقل والضمير، فمن أراد أن يبني دولة متقدمة عليه أن يؤسس لوطن لا سلطة فيه إلا للحق، وطن يحرسه الضمير وتقوده المبادئ، وطن تطلب فيه المناصب أصحابها، ولكي تبني دولة متقدمة يجب أن تبني فكر الإنسان وأخلاقه أولا، وبعدها سيكون التقدم متوراثا بين الأجيال، فالإنسان هو الذي يصنع الحضارة وليست هي من تصنعه.

وفي الختام يجب أن نعرف أن الدول التي لا تحترم الإنسان ولا تستثمر في الطاقة البشرية ستواصل طريقها بثبات نحو الهاوية، وفي الحديث عن الجزائر باعتباري جزائري المولد والجنسية، أعرف جيدا أن النظام يعيش بعيدا في عليائه، ويسد آذانه منذ عهود عن كل صوت يصدح بالحق ويدعو لمشروع أمة، ويقتل الأمل والحلم في كل ثانية، فالجزائر التي يهرب أبناؤها في رحلات الموت يوميا بحثا عن الحياة، ثروتها البشرية تتلاطمها الأمواج، أو تستفيد منها دول تقدر القيمة الحقيقية للإنسان، والجزائر تحولت إلى أرض بور كل إنسان يزرع فيها يذبل ويموت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.