شعار قسم مدونات

"تسقط بس".. قراءة في فقه الثورة

blogs - revolution

"تسقط بس" أيقونة الثورة السودانية المنشودة التي أصبحت الهتاف المحبب للمحتجين من الشباب السوداني. يواجه السودان احتجاجات لم يُر لها مثيل من قَبل، إلا في ثورة 21 أكتوبر المجيدة التي أنهت عهد الرئيس إبراهيم عبود وهو حكم عسكري صرف شبيه بحكم البشير الذي يواجه إرهاصات ثورة تعد شبيهة بثورة 21 أكتوبر المجيدة. ضرب الشعب السوداني بهذه الثورة في ذلك الوقت أروع مثال في الوعي السياسي الاحتجاجي ومطالبته بالتغيير ودعوته للديمقراطية وسيادة حكم القانون.

هذه الثورة المجيدة أصبحت أيقونة للشباب السوداني الذي يتغنى بها في كل محفل سياسي، داعياً إلى ثورة على غِرار ثورة 21 أكتوبر المجيدة، وفي هذا الحراك يتخذون منها محفز ينطلقون منه إلى تحقيق الثورة. ومؤشرات الأحداث تدل على أن هذه الاحتجاجات تركت شرخاً كبيراً بين الحكومة أو النظام الحاكم وبين الشعب الذي ضاق صدره ونفذ صبره من الوعود الكاذبة التي ما برح الحزب الحاكم على اطلاقها متى ما تعرض إلى أزمة. وذلك داعياً الشعب إلى الصبر واعداً له بالإصلاح الاقتصادي والسياسي في أقرب وقت ممكن.

هذه الوعود تركت أزمة عدم ثقة بين الحكومة والشعب، من أجل ذلك شهد الشارع السوداني حِراك عَفوي في بادئ الأمر تطور إلى تبني بعض الجهات هذا الحراك، وأصبح له تنظيم تقوده القِوى السياسية المعارضة مطلقتاً عليه "تجمع المهنيين السودانيين" كجسم يستوعب ويستقطب الشباب الذي يقود الاحتجاجات الآن. القِوى السياسية المُعارضة جعلت هذا الجسم بمثابة ظل لها تقود به الشباب الذي أصبح لا يثق كثيراً في الأحزاب السياسية المعارضة، والتي يضعها في خانة النظام الحاكم من حيث أولوية التغيير.

قيام الفترة الانتقالية يُعد بمثابة فرصة لجميع القِوى السياسية والشبابية أن ترتب صُفوفَها لخَوض غمار الانتخابات الرئاسية التي ستأتي بنظام ديمقراطي يُرضى الجميع

الأجسام الشبابية التي تُنتجها الثورة المنشودة تُعد من الأهمية بمكان، لأنها ترفد البيئة السياسية السودانية بتنظيمات جديدة. هذه التنظيمات تساعد على تجديد الحياة السياسية وتُعطيها فِعل المدافعة والحراك، وهذا يصب في مصلحة السودان الذي يُعد من الدول المتأخرة من حيث الفكر السياسي. أصبح الخطاب السياسي خطاباً تاريخياً، والذي يتمثل في الأحزاب التقليدية العاجزة عن الخروج من جلباب الخطاب السياسي، الذي اشتهرت به منذ خمسينات القرن الماضي. ذلك الخطاب بمثابة خطاباً سلطوياً يصدر من أعلى هرم الحزب ولا يُنَاقش ويستدعي التسليم خطاب يفتقد إلى الديمقراطية التي تدعو إليها الأحزاب والقوى السياسية في حد ذاتها.

 من أجل ذلك شهدت تلك الأحزاب انقسام في صفوفها واستقال العديد من الشباب لوجود تضييق وعدم وجود الرأي والرأي الآخر، وهذه من أسباب التي تستدعي قيام تنظيمات شبابية جديدة فيها براح للرأي والرأي الآخر. لا شك أن الشباب فَهِم الدرس السياسي الذي قرأه جيداً في كتب التاريخ، وهو الآن يَعي تماماً الخطوة المُقبلة من حيث انجاح وانجاز ثورة سلمية تأتي بنظام حُكم ديمقراطي من جيل التقدميين من الساسة. هؤلاء الساسة يُمثلون تطلعات الشباب لا يهم من أي مكان من السودان يأتون ولا من أي تنظيم، ولكن المهم أن تكون نظرتهم تجديدية في إدارة حكم البلاد.

ولا شك أن الشباب يُريد اسقاط التنظيمات والأحزاب السياسية، وقيام تنظيمات جديدة تُحرك دُولاب الحياة السياسية بعد الثورة التي ستكون ثورة ضد النظام السياسي التاريخي، الذي كان يتأرجح من فترة حكم ديمقراطي قصيرة إلى فترة حكم عسكري طويلة. "تسقط بس" خطاب في ظاهره إقصائي يرفض أي تسويات مع النظام الحاكم مما يُشكّل عقبة في طريق التغيير. النظام الحاكم مُتمسك بطرحه الاصلاحي والشباب متمسكون برؤيتهم في اسقاط النظام، مما يؤدي إلى ظهور بوادر دكتاتورية منذ بداية الثورة المنشودة وهذا لا يخدم مصلحة الجميع.

من الواجب في هذا الوقت أن يُحكّم العقل والنظر للأمور بموازين الضياع في غياهب الثورة المُخرّبة، والاتجاه إلى السلمية والحوار الجاد والخروج بحل يُرضي جميع الأطراف. ينتج من هذا الحوار إنشاء ائتلاف يُشكل حكومة انتقالية ائتلافية برئاسة عمر البشير مدتها عام حتى قيام انتخابات2020 وهذا يُعد خياراً يقود إلى قطع الطريق على أي حِراك يقود إلى الخراب وإراقة الدماء وحفظ الأمن وعدم تشتت الدولة. المثال أمام الجميع من الدول التي هَبّت عليها موجة الربيع العربي، لم يتغير في سياستها سوى قيام حكومات لم تُلبي أشواق وتطلعات الشعوب في شيء.

 

قيام الفترة الانتقالية يُعد بمثابة فرصة لجميع القِوى السياسية والشبابية أن ترتب صُفوفَها لخَوض غمار الانتخابات الرئاسية التي ستأتي بنظام ديمقراطي يُرضى الجميع. وأيضاً قيام تنظيمات وتجمعات سياسية شبابية جديدة تُشكل مرحلة جديدة من التاريخ السوداني. هذه المرحلة الجديدة التي تضع بناء قوي في أساس السياسية السودانية، وتقوم على تقوية الحياة الاجتماعية ووضع تشريعات تتناسب مع الوضع السياسي والاجتماعي الراهن، وهكذا تُبنى الدول وتُصنع السياسات والعلاقات الدولية

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.