شعار قسم مدونات

الصداع النصفي.. صديقي الذي لم أختره!

blogs - thinking

الصداع النصفي.. هذا الاسم له وزنه وتاريخه الطويل المليء المتنوع – تاريخه وحاضره حقيقةً – وأثره وقوة وقِعه على النفوس والأبدان، لافتة بسيطة وراءها طريق طويل من المعاناة والألم وفقدان متعة الحياة كثيراً كثيراً. حتى النطق به متعب للناطق والسامع، لكني لم أنوي التحدث عن الصداع النصفي المرض العضوي؛ بأسبابه وأعراضه ووسائل علاجه وتجنبه أو تقليل عدد نوبات الإصابة به وكيفية التعايش معه كأمر مسلَم به في حياة المصابين به، فقد اهتمت كل المواقع الطبية والعلمية وحتى النفسية به، وهذا طبيعياً جداً فهو ذو شأن عظيم في كل مجالات الحياة وعلى كل المستويات.

إنما حديثي اليوم عن الصداع النصفي الصديق وهو مشكوراً صديق قديم مُخلص جداً ليّ. تحياتي إليه في المقام الأول وهو يرافقني الآن وأنا أتحدث عنه وإليه، وعلى وجه الدقة فهو يرافقني منذ سنوات لا أتذكر عددها بالضبط ولكنها كثيرة بالتأكيد. الصديق الذي لا يتخلى في معظم المواقف؛ فإذا كانت مليئة بالفرح والبهجة وأصوات الموسيقى الصاخبة والتجمعات المرهقة.. أتاك على التو يُخبرك بأنك في المكان الخطأ وتمارس الحياة التي لن تُسعدك إلا للحظات؛ فعُد سريعاً إلى منزلك برفقة صديقك القديم والأبدي، وصارعه أو أحِبّه واستسلم لسطوته الدائمة.

ورغم محاولة الهروب منه بكافة الطُرق التي تعرفها وتحصنك كذلك ببعض الوسائل للوقاية منه، والاستعانة بمعظم الطرق التي تصده على الفور في حالة حضوره، إلا أنه صديق قديم مُخلص لأقصى حد.

كما تُريد.. فأمامكما ما يكفي من الوقت فهو صديق ثقيلةُ زيارته وممتدة إلى عدد لا بأس به من الساعات، ولا راد لشأنه إلا أن يمل فيذهب ويتركك بعدما ينتهي منك فلا مفر منه ولا غالب له إلا الله. أما إذا كانت تلك المواقف تتمتع ببعض الحزن والضغط النفسي والعصبي فهو أكثر حضوراً في هذه عن سابقتها فكما يُقال الصديق وقت الضيق، والوجود وقت الحزن والضعف أكثر شهامة منه وقت الفرح. هذا الصديق يُدرك هذه الأمور جيداً، فمجرد أن تشعر ببعض الضيق أو الحزن تعلم أنه سيوافيكِ في الحال ليزيد ضيقاً على ضيقك أو ربما ليشغلك عن نفسك ويأخذنك من حزنك وضيقك للاهتمام به، وبهذا تكون قد أدركت كم أن بعض الحزن لا ضير منه مُقارنةً بألم الصداع، فترضَى بحزنك وتتقبله.. وهي إحدى حِيل الصديق ليقوم بدور المعلم والواعظ فتُحبه أكثر!

وربما كذلك بدون أسباب أو مقدمات أو أي دواعي لحضوره، فقط كجهاز إنذار لحماية جسدك أو عقلك أو قلبك؛ كأنه يُنبهك بأن شيئاً غير طبيعياً أصاب أحدهم.. فانتبه! أحد منهم ليس على ما يرام فتفقّد راعيتك؛ ربما أهملت جسدك بعض الشيء، ربما تناولت طعاماً غير صحياً استدعاني في الحال، أو أنك متكاسل هذه الأيام وأنك بحاجة إلى الرياضة وبعض التمارين لتحميه من الأمراض وتعفي نفسك من ضيف ثقيل مثلي! ربما تثاقلت على عقلك بأفكارك اللعينة وخُططك الغير منطقية وأحلامك المُرهقة بعض الشيء، وأشياء كثيرة لم يطقها عقلك فاستدعاني أتوسل إليك لترفق به، ولا شك بأن توسله ونُصحه من نوع خاص جداً عكس تماماً كل التوسل الذي نعرفه!

وربما ألم ًبقلبك تتجاهله وتتعايش معه فتزايد عليه، فالقلب لا تُرضيه هذه الطريقة في بعض الأحيان فيأتيك بهذا الصديق العنيف ولا زلت جاهلا ً تماماً ما العلاقة بينهم وكيف يتواصلا بهذه القوة والاستمرارية.. ثم يأتوك بكل هذا الهجوم الذي يكاد يسحقك في معظم الأحيان! ورغم غضبه منه مراراً وتكراراً، ورغم محاولة الهروب منه بكافة الطُرق التي تعرفها وتحصنك كذلك ببعض الوسائل للوقاية منه، والاستعانة بمعظم الطرق التي تصده على الفور في حالة حضوره، إلا أنه صديق قديم مُخلص لأقصى حد، لا يتخلى بهذه السهولة! هو ورغم كل شيء أكثر الأصدقاء تمسكاً بك برغم نفورك الدائم منه، ويبدو أنه لا نية لديه للتخلي أو الابتعاد، وكيف التخلي وقد رافقك أغلب سنين عمرك!

مهما بلغ ضجرنا من أمراضنا وجزعنا من آلامها، أحياناً كثيرة فهي طبيعتنا البشرية لا شك، نُحب الراحة والحياة بهدوء وسلام واسترخاء ولا نسعد بالابتلاء بلا شك وإن صبرنا عليه ورضينا به. لكن هناك تآلف غريب يحدث بين المرء ومرضه، حين نسمع اسم المرض الذي يُرافقنا ونتناول الحديث عنه، نتحدث بلطف وتعود كمن يتحدث عن صديق قديم – عزيز ربما – سيء الطباع، لكنه آلفه وتعود عليه وفَهم تماماً كيف يتعامل معه، فلا يكره أحدهما الآخر! وهذا ما يدهشني حقاً حوله.. ربما هو لطف الله ورحمته بنا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.