شعار قسم مدونات

كيف نستفيد من لقطات التغريبة الفلسطينية لمواجهة الاستيطان الإسرائيلي؟

blogs مسيرات العودة

لم يكن من أحمد إلا أن يتركَ الخلاف مع أبو عايد، وهو أحد وجهاء قرية فلسطينية مُهجَّرة منذ العام 1948، لما بعد العودة من مسيرة دعا فيها الفلاحون الخروج للتصدي للهجمات الإنجليزية على أهالي مدينة عكا، واستشهاد ثلاثةً منهم، كما روى مسلسل التغريبة الفلسطينية، تعالى أحمد على جراحه المحلية باحتراق محصولاً زراعيًا من الذرة والقمح تضمنه من صاحب الأرض، وسار في طريقه لعكا، شعر هنا بقرب الوطن وأن من يحمل فاسا ومجرفة، هو من يحمل الوطن على كفيّهِ ولا يستكين، على غرار من ارتدوا الطربوش والبدلات والسيارات الفارهة أنذاك.

في الثلاثينيات من القرن الماضي وبريطانيا تمهد شيئًا فشيئًا الطريق لبناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين تحقيقًا لوعد بلفور الصادر عام 1917م، هذا الوعد أعطى من لا يستحق لمن يملك، والخطاب الصهيوني قام على متطلبات الوعد وسار في تعزيز هذا الخطاب الذي لم يحمل إلا تشريعًا لبناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية في فلسطين والسيطرة على كل المقدرات الفلسطينية، وذلك بما يخدم الاستراتيجية الصهيونية التي جاءت في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، والتي دعت للهجرة اليهودية من أوروبا وإعادة أمجادهم وتاريخهم على أرضٍ احتسبوها مهدًا لهم وميعادًا كما جاء في كتابهم التوراتي.

ولم تكتفِ الحركة الصهيونية بإبادة كل ما هو فلسطيني في العام 1948، وبناء المستوطنات والمستعمرات الصهيونية على حساب المئات من الأراضي التابعة للقرى الفلسطينية، بل سعت لتوسعة الرقعة الاستيطانية على كامل فلسطين التاريخية والجزء المتبقي منها ما بعد عام 1967، لذلك سعت الحكومات الصهيونية المتعاقبة على أخذ الاستيطان والسيطرة على الأرض مدعمةً ذلك بالعديد من القوانين الأساسية لشرعنة العملية الاستيطانية وسلب الأراضي، وكان ذلك بالاعتماد بشكلٍ أساسي على الخطاب الصهيوني الذي شكَّل الاستيطان ومصادرة الأراضي الركيزة الأساسية في سبيل تعزيز قوميتهم محط أقدامهم.

الكيان الصهيوني يمرُ اليوم في مرحلة الاستيطان الاستعماري، الذي يهدف لحسم الصراع مع الأمم الأصلية على الأرض، والذي من شأنه أن يحقق ركائز الخطاب الصهيوني، المتمثل في خلق قوميةٍ يهودية

وقد عمل الكيان الصهيوني بعد العام 1967 على بناء المستوطنات على كامل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتعزيز تواجدهم من خلال البؤر الاستيطانية لفرض الطابع اليهودي على الأرض، تبعًا للسيطرة العسكرية على المناطق استكمالاً للمشروع الصهيوني، والذي حسم أراضي عام 1948 لصالحه وفرض سيادته عليها، والمستمرة لهذا اليوم.

وأصبحت الحكومات الإسرائيلية التي نشطت في السبيعينات والثمانينيات قبيل اتفاق أوسلو تُسرِّعُ من الوتيرة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، من أجل خلق الهوية الصهيونية والانتماء للمستوطن على الأرض، كما جاء في الخطاب الصهيوني، دون الاكتراث بما حاول فيه الساسة الفلسطينيين من الحدِّ من العملية الاستيطانية ومصادرة الأراضي، وهذا ما أوجد وثيقة أوسلو من أجل ذلك، إلا أن الحكومة الصهيونية أنذاك لم تكن بمنأى بأن تتخلى عن استراتيجيتها المتعبة في التوسع على الأرض الفلسطينية، وتعزيز بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية على كامل محافظات الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

والدولة التي أُنشأت من خلال حرب خاضتها مجموعات صهيونية وسرعان من تحولت لمسمى دولة لكسب الدعم الدولي من السلاح ولوازمه، لن تتخلى عن مشاريعها الهادفة لإقامة كيانهم وتعزيزه من خلال العملية الاستيطانية، والتي لم تستطع القوانين الدولية والمعاهدات من الحدِّ منها، والتي اقتصرت على ردِّ فعلٍ مروسٍ بشعار المنظمة الدولية صاحبة الشأن، لذلك وإلى هذا اليوم الحكومة الصهيونية تشرِّعُ خلال العام الواحد آلاف الوحدات الاستيطانية الهادفة لطمس الهوية الفلسطينية تاريخيًا وثقافيًا، وإحلال هويتهم المزيفة على الأرض.

والكيان الصهيوني يمرُ اليوم في مرحلة الاستيطان الاستعماري، الذي يهدف لحسم الصراع مع الأمم الأصلية على الأرض، والذي من شأنه أن يحقق ركائز الخطاب الصهيوني، المتمثل في خلق قوميةٍ يهودية، وتحقيق السيادة على الأرض من خلال بناء المستوطنات وتعزيز الحكم العسكري على الضفة الغربية بشكل كامل، لذلك فإن حماية المستوطنات العسكرية تأتي في سياق تطبيق الحكم العسكري على الضفة الغربية، وتشجيع المستوطنين للمجيء إلى المناطق الفلسطينية وتعزيز تواجدهم من خلال بناء البؤر الاستيطانية، فالحكومة الصهيونية تقدم الدعم المادي والمعنوي من أجل حسم الصراع مع الفلسطينيين.

الوحدة مطلبٌ أساسيٌّ للتصدي لهذه المشاريع الهادفة لزرع الكيان الصهيوني بشكل متين على الأرض، والذي فشل أساسًا في حسم الصراع كنتاجٍ صفري من خلال القتل المتعمد والمصادرة المستمرة للأراضي
الوحدة مطلبٌ أساسيٌّ للتصدي لهذه المشاريع الهادفة لزرع الكيان الصهيوني بشكل متين على الأرض، والذي فشل أساسًا في حسم الصراع كنتاجٍ صفري من خلال القتل المتعمد والمصادرة المستمرة للأراضي
 

وهدف الحكومات الصهيونية سواءً يمينية كانت أو يسارية، فإن السياسة واضحة في سلب الأراضي الفلسطينية وإحلال المستوطنات بدلاً منها، وهذا ما يخلق هويتهم على الأرض كما جاء في قانون القومية اليهودي المُشرَّعِ في العام 2018 بإقرار من الكنيست الصهيوني، هذه الحكومات مارست ومازالت تمارس الإبادة الثقافية الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأصلاني على الأرض، من أجل أن تحسم الصراع معهم وأن تصل للحسم الصفري بشكلٍ نهائي، لذلك انتهجت سياسة بناء المستوطنات لتشكيل حزامًا أمنيًا على الضفة الغربية والقدس وضمها بشكلٍ تدريجي مع بعضها البعض، بُغية فرض السيادة الإسرائيلية على الأرض، ومحاصرة الأمم الأصلية وطردهم من خلال سلب أراضيهم والتنكيل المستمر بحقهم.

والحماية من هذا الخطاب الصهيونية، والذي يسعى بشتى الوسائل أن يطبق بنود مشروعه على أرض الواقع، أن تسير القيادة الفلسطينية كما سار أحمد في المسلسل، وتتصدى للمشاريع الاستيطانية الهادفة لتهويد الأرض الفلسطينية، بعدما أصبحت مساحتها لا تتجاوز الـ 22 بالمئة، ولربما أصبحت 12بالمئة، في ظلِّ السيطرة العسكرية على الضفة الغربية بشكل كامل دون أي التزام بوثيقة أوسلو الموقعة عام 1993.

ودور أحمد كان في التغريبة الفلسطينية، بأنه تعالى على جراحه والذي لم يترك عايد الذي شاركه المسيرة، بأن ينزف على الأرض مضرجًا بدمائه لوحده، والذي حمله على الكتف ليهتف بعروبة فلسطين دون أي تهويدٍ لها، لذلك الوحدة مطلبٌ أساسيٌّ للتصدي لهذه المشاريع الهادفة لزرع الكيان الصهيوني بشكل متين على الأرض، والذي فشل أساسًا في حسم الصراع كنتاجٍ صفري من خلال القتل المتعمد والمصادرة المستمرة للأراضي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.