شعار قسم مدونات

هل يجوز لمسلم الزواج بغربية غير مسلمة؟

blogs زواج

الكلمة المفتاح في العنوان هي "غربية". فَلَو كان السؤال: هل يجوز الزواج بكتابية؟ لكان الجواب بنعم بنص القرآن "الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ". لكن أليس الغرب بأهل الكتاب؟ وإن لم يكونوا، فمن هم بالضبط؟ تكمن مشكلة المسلمين الكبرى في التعامل مع الغرب أننا لم نطور علم "استغراب" يدرس الغرب ويرصده كما طور الغرب علم الاستشراق لفهم الشرق عامة والإسلام خاصة. وظلت معظم فهومنا للغرب اما ترجمات لكتاباته وعلومه أو استعمالا لمفاهيمه ومنهجياته في التحليل رغم تحيزاتها. وزاد من تيهنا الفكري جمود تعاملنا مع مرجعيتنا الكبرى، القرآن والسنة، وحصر فهومنا لهما عند تفاسير غطت جوانب منهما باقتدار لكن غفلت، بحكم نسبية الفكر الإنساني ومحدودية عطائه، عن الكثير وخاصة في جانب العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وتكمن مشكلة رؤيتنا للغرب أنها وقفت عن التطور منذ أيّام الحروب الصليبية واحتكاكنا معه في الأندلس. فضلن رؤيتنا للغرب على أنه الغرب المسيحي المندفع وراء الصليب والكنيسة رغم التحولات الهائلة في العالم الغربي تجاه الدين عموما والكنيسة خصوصا وتجاه رؤية الإنسان الغربي للكون ولعلاقته به خاصة من بعد الثورة على الكنيسة واخراج الدين عموما من دائرة التأثير في الحياة العامة ثم وأد ما تبقى من آثاره في الحياة الخاصة للإنسان الغربي.

فبثورة الغرب على مفاهيم الدين، قبل ثورته على الكنيسة، دخل في مرحلة تيه فكري ومحاولة اعادة ترسيم المُطْلَقات والإجابة على أسئلة كانت مسلمات من قبيل: من اين جئنا؟ ما دورنا؟ ما علاقتنا ببعضنا وبالطبيعة؟ وتناسلت النظريات التي حاولت إعطاء تفسيرات أو اجابات عن هذه الأسئلة والتي دارت في معظمها في إطار مادي محض حاولت استعمال العلم في مقابل الدين والغيب والخرافة.

واعتبر الإنسان نتاج تطور ظرفي من الأميبة والقردة العليا ونظر إليه في جانبه الحيواني وفسرت تصرفاته بالرغبات والشهوات. وتطور الفكر الغربي بالإنسان من رؤيته كمركز للكون إلى تسويته بالطبيعة وسائر الكائنات ورؤيته من خلال طبيعته البيولوجية فقط. وقد تطورت حيات الإنسان الغربي الخاصة والعامة في إطار مادي ايضا يرى المجتمع غابة يكون البقاء فيها للأقوى فقط وتغيب عنه مفاهيم مطلقة غير مادية كالعدل والمساوات والحرية، وهذا مجال نقاش في مقال آخر بأذن الله. قد تكون هذه المقدمة طويلة شيء ما لكنها ضرورية لفهم الغرب ومفاهيمه الحالية.

 

المجتمع الغربي اليوم بعيد كل البعد عن مطلقات المسيحية أو اليهودية وما يوجد به من مظاهر مسيحية لا تعدو فلكلور تاريخي علماني هو الأخر

فالإنسان الغربي الآن يعيش في سيولة فكرية وعقدية الثابت الوحيد فيها هي النسبية والتغير. وإن كان من مطلقات كلية في الغرب الآن فهي المطلقات الفلسفية المادية التي تحدثنا عنها من قبل. وهذه المطلقات تعتبر اليوم معتقدات لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. لكن ما عاداها وما دونها يعيش في حالة سيولة مادية مطلقة. فبسبب غياب مطلقات متجاوزة صلبة تحدد دور الانسان الغربي وعلاقته بنفسه ومحيطه والاخر، فالمطلق الوحيد هو النسبية والتمركز حول الذات. فتصبح بهذا كل الامور نسبية. فما كان محرم بالأمس قد يكون حلال اليوم وبالعكس. وتصبح المنفعة الفردية هي الفصل في تعريف ما يجوز وما لا يجوز أو ما هو حلال وما هو حرام. ومن هنا تنشأ لدينا ظاهرة كثرة القوانين وتغولها في الغرب، وسنعود لهذا الموضوع أيضا من بعد. ولعل الأمثلة الآتية تقرب صورة السيولة الفكرية والمرجعية للإنسان الغربي:

مع خروج المرأة للعمل وارتفاع معدلات العلمنة في الغرب، اتجهت الأمهات إلى التعويض عن الرضاعة الطبيعية بالاصطناعية كسبا للوقت وكذلك للحفاظ على شكل الجسم. وخرجت هذه العادة من النطاق الخاص إلى أن أصبحت شبه مسلمة. وأصبح المجتمع ينظر للأمهات اللواتي يرضعن ابنائهن من خلال الثدي نظرة ازدراء تدل على الوضع الاجتماعي المتدني أو عدم عمل المرأة أو اعتنائها بشكلها وجمالها. ومع تطور الزمن وظهور دراسات تشجع على الرضاعة الطبيعية بدأ المجتمع يتحول تدريجيا نحو الرضاعة الطبيعية وانقلبت نظرته لمن يستعملن الرضاعة الاصطناعية. وفي الغرب الآن حرب تخوضها الأمهات من اجل حرية إرضاع ابنائهم عبر الثدي في الأماكن العامة دفعت احدى عارضات الأزياء هذه السنة إلى حمل ابنها وإرضاعه وهي تقوم بالعرض.

ومن المجالات الإنسانية التي لم تسلم من تأثير المرجعية المادية والسيولة العقدية، علاقة الرجل بالمرأة. فمع ازدياد معدلات العلمنة والفردانية وارتفاع معدلات الاستغراب، تحول المجتمع الغربي من وحدة كاملة إلى جماعات متفرقة؛ جماعة العمال، جماعة الأطباء، الحرفيين وحتى جماعة الرجال والنساء. هذه جماعات غير مؤطرة مؤسسيا غالبا لكن موجودة بفعل الواقع والقانون أحيانا. ولعل هذا، في نظري، أحد أسباب انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي في الغرب. فالعلاقة بين الرجل والمرأة تعتبر علاقة بين فردين من جماعتين مختلفتين؛ أي أنه يصبح وكأنه زواج أو علاقة مختلطة خطرة قد ينشأ عنها ابناء وقد تؤدي إلى اندثار الحدود بين الجماعتين. ومن ثمة فالعلاقة داخل الجماعة الواحدة أسلم وأسهل وأقرب.

 

لكن حتى هذا المعطى يتعرض لرجة قوية تحت تأثير أنواع اخرى من العلاقات الجنسية: كالعلاقات المفتوحة، والعلاقة مع الأطفال والعلاقة مع الحيوانات وآخرها العلاقة مع الدمى الجنسية الذكية. ولأن أخذ تطبيع الغرب مع شذوذ العلاقة بين الجنسين زمن ليتحول إلى واقع معترف به مجتمعيا، فالتطبيع مع الكثير مما ذكرنا آنفا سار ويسير بخطى أسرع. وعدم وجود قوانين تحمي العلاقات مع الأطفال والحيوانات والدمى لا يعني اننا لن نراها على أرض الواقع قريبا. واذكر أن حزبا تأسس أظن في الدنمارك كان برنامجه الوحيد تغيير قانون ممارسة الجنس مع القاصرين ليبيا معاشرة من هم في سن الرابعة فما فوق.

ومن المثالين السابقين نقترب إلى طبيعة حياة الإنسان الغربي وسيولتها. فالمجتمع الغربي اليوم بعيد كل البعد عن مطلقات المسيحية أو اليهودية وما يوجد به من مظاهر مسيحية لا تعدو فلكلور تاريخي علماني هو الأخر. وواقع حال الإنسان الغربي بعيد كل البعد عن أي تأثير للدين المسيحي أو اليهودي. إنما يدور في بوتقة العلمانية المادية بمفاهيمها ومطلقاتها وسيولتها. فما هو دين الغرب اليوم؟ قد نختلف في تسميته. لكنه قطعا ليست المسيحية أو اليهودية. وهل يجوز للمسلم الزواج من الغربية الغير مسلمة؟ في نظري، وأنا لست بفقيه، بغض النظر عن الإحصان وهو شرط هنا، فإني أظن أنه لا يجوز. لكنه موضوع مفتوح للنقاش والبحث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.