شعار قسم مدونات

كيف تكون موظفا متكاملا؟

blogs العمل

في ظل ارتفاع تكلفة العمالة، تسعى الشركات اليوم إلى استقطاب رأس المال البشري المؤهل والذي تتجاوز منفعته التكلفة المستنفذه في سبيل الحصول عليه واستمراره، وتضحي بتكاليف تعاقدية لاعتقادها بأن التكلفة المضحى بها سيتم تعويضها وبقدر أكبر من خلال العائد المحقق من إنتاجية الموظف، وتبني المؤسسات والشركات هذه التقديرات، والتي هي وجهة نظرها على قدر كبير من الصحة من خلال المستندات والمقومات التي يعرضها طالب العمل.

ونظرا لما تقتضيه المصلحة، تعد نظرية الوكالة أقرب ما يجسد هذا التعاقد من حيث أن الشركة هي سلسلة أو مجموعة من التعاقدات بين مجموعة من الأطراف، يسعى كل طرف من خلالها لتحقيق مصلحته الخاصة به من خلال تحقيق مصلحة الشركة، فهدف صاحب العمل تحقيق العائد، وعليه فيبرم العقد مع الموظف الذي هدفه تحقيق الراتب، بينما تتدخل الدولة لتحقق الدخل من الضرائب والرسوم، وللبنوك نصيب من ذلك من خلال فرضها للفوائد والأرباح، وكل ذلك من خلال استمرار حياة المنشاة، وبالتالي وفي ظل هذه المصالح يسعى رب العمل لاستقطاب الكفاءات الحقيقة بأقل تكلفة ممكنة لتحقيق عائد ضمني اقتصادي يمكن قياسه انتاجيا من خلال عدد أو كمية، ومحاسبيا من خلال الفرق بين تكلفة الموظف وما تم تحقيقه من إيراد عمل الموظف.

لا يمكن تجاهل الإيراد غير المباشر والذي يساهم به موظفي أقسام الخدمات الإنتاجية أو الإدارات غير الربحية والذي يصعب نوعا ما ربطه أو قياسه بالإيراد المحقق للشركة، وهنا يقع الكثير من الخلاف بين أصحاب العمل وموظفي الأعمال الإدارية غير الربحية (أو المكتبية) بقضية الإنتاجية والجدوى من عمل الموظف وبالتالي يصبح من الضرورة بمكان أن يكون الموظف مؤهلا وقادرا على القيام بأكثر من وظيفة طالما أدرجت ضمن مجال مهنته المبنية على أساسه العلمي والعملي.

الموظف هو كتلة أو مجموعة من الموارد والمقومات والتي يجب استثمارها بالشكل الأمثل، فكلما كانت تكلفة الموظف قليلة نسبيا تجاه المنفعة التي يستطيع تقديمها أو يتم استثمرها

ما أن يبدأ الموظف بالعمل حتى تتجلّى الصورة بالوضوح وتبدأ الفجوة بالظهور بين ما تم تقديمه من مستندات ومقومات وشهادات ومعدلات عالية وزمالات مهنية عند التعاقد، وبين الواقع العملي للموظف، فلم يعد الآن كافيا أن يكون الموظف حاملا لشهادات عليا وزمالات دولية أومتوقوقعا على تخصصه بالكامل أو متبحرا في تخصص دقيق لا يستطيع الإبحار خارج حدوده، فقد تكون تكلفة التوسع الزائد بالتخصص أكبر من المنفعة المرجوة، فجهل الموظف بإعداد تقريرعن عمله أو إنتاجيته عن مدة محددة لاتخاذ قرار محدد، ينسف له عمله ويصنع عنه نظرة مهتزة أمام الآخرين، عدا عن الإحراج الداخلي المتوالد للموظف ذاته، وعدم مقدرة الموظف الموهل أكاديميا على تحويل النصوص إلى أرقام والأرقام إلى حزمة من الرسوم البيانيه تجعل من ذلك عائقا أمام الترقية، عداك عن عقدة "الفينيشنك" أو تقديم المنتج (تقرير، خطاب…) بشكل نهائي ومعتمد، والتي تمثل عقبة عند الكثير، لاجئا إلى موظف آخر ليضع لمساته الأخيرة عليه ويضفي جزءا من نظرته للشكل والمضمون ومن ثم إعادته له.

لقد تبخرت اليوم فوبيا الشهادات والزمالات التي تكسب الشخص برستيجا عاليا، ولعل قليلا من التقنيات البرمجية البسيطة من إكسل وورد قد تحل أزمة كبيرة لدى الشخص ذو الكفاءة العادية أو الخبرة القليلة، فلغة الأرقام اليوم أصبحت المعيار الذي تقارس من خلالها الأشياء، وتبنى عليها القرارات، مع عدم نكران ضرورة الشهادات العلمية والزمالات المهنية وأنها هي الأساس الذي يبنى عليه ما بعده، ولقد أصبحت الثقافة المعرفية والحس المهني والمهارات التقنية الجانبية وسرعة البديهة لأصحاب الخبرة المهنية القليلة ضرورة ومتطلب يوازي إلى حد ما المؤهل الاكاديمي بالأهمية بل قد يكون أكثر من حيث ضرورة.

ففي حال انتهاء العمل الخاص بالموظف المبني على شهادته العلمية، يمكن تكليفه بعمل آخر ضمن مهنته طالما لديه المهارات الجانبية التي يمكن توظيفها واستثمارها بشكل أمثل، ولعل مقولة ( يجب أن تعرف من أين تؤكل الكتف) أفضل تعبير عن الحالة الضرورية والتي يجب توافرها بالموظف، فالشهادة العلمية والخبرة المتوسطة إضافة لمعرفة شئ عن كل شئ والاطلاع والانفتاح على المعارف والتجارب والسفر والمتابعة للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية لما يجري حولنا إضافة لحسن الالتزام الأخلاقي، كل ذلك ينصهر في بوتقة الشخصية ليتولد موظف ذو شخصية قيادية ناضجة ذات تأثير قادرة على جذب الآخرين عملا وشخصيةً، ليتم الانتقال من طلب للوظيفة إلى عرض الوظيفة على هذا الشخص، فكثيرا من الأحيان نجد أن الشخصية تصنع الإثبات أو الدليل، ولعلنا نجد أن هناك موظفين من خلال شخصيتهم المميزة والتي انصهر بها ما ذكرته آنفا، نجد أن رأيهم مسموع وكلمتهم تحتوي على كثير من المصداقية والقوة والتأثيرعند الآخرين.

من المعلوم أن أي عملية إرسال لا قيمة لها مالم يقابلها عملية استقبال مناسبة على الوجه المطلوب، وطالما أن العلاقة التعاقدية بين طرفين وبالتالي فإن الموارد المتاحة والتي يتميز يها الموظف سوف تضمر وتندثر مالم يتم استثمارها بالشكل الأمثل من قبل رب العمل، الذي يتوجب عليه فهم وإدراك مقومات الموظف حتى يتم مقابلتها بالمكان المناسب الذي يستطيع من خلاله الموظف إثبات قدراته وامكانياته إضافة لتطويرها، عليه فإن عملية استكشاف موارد الموظفين واستثمارها بالشكل الأمثل جزءا لا يتجزأ من نجاح الشركات، والإخفاق في ذلك يعود بتكاليف ضمنية اقتصادية على الشركات التي تتجاهل قياسها محاسبيا في يومنا هذا من تكاليف الهدر المالي والزمني والتوظيف العشوائي.

الموظف هو كتلة أو مجموعة من الموارد والمقومات والتي يجب استثمارها بالشكل الأمثل، فكلما كانت تكلفة الموظف قليلة نسبيا تجاه المنفعة التي يستطيع تقديمها أو يتم استثمرها، كان ذلك أدعى للاستمرارية والبقاء والارتقاء مهنيا، خصوصا في ظل الأزمات الاقتصادية، وبعبارة أخرى، كلما كثرة المقومات والمؤهلات والشهادات مع كثرة التجارب المتراكمة والإلمام التقني والمعرفي مع متابعة الأحداث في البيئة المحيطة بالموظف وكان كل ذلك ضمن إطار أخلاقي، مع حسن استثمار كل ماسبق كلما كان النجاح رائدا له، وطالما أن المخرجات الإنتاجية للموظف أكثر من مدخلاته كما ونوعا فهذا مؤشر إيجابي أنه على الطريق الصحيح، وطالما أنه يفضل استخلاص واستنتاج الأرقام أكثر من أخذها جاهزة، كلما كانت حجته وفهمه للأمور أكبر، ويمكن القول أن فهم الموظف للشئ مهم بينما فهمه لآلية الوصول للشئ هو أساس الفهم، وخير الارتقاء بالعمل وشرّه بالصوت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.