شعار قسم مدونات

هذه هي الأسباب الحقيقية للفساد في اليمن

blogs اليمن المدمر

قالت بلقيس: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ". قال الرب، عز وجل: "وكذلك يفعلون". يتبين لنا من ذلك القول مدى حكمة الملكة بلقيس ملكة مملكة سبأ آنذاك. وتأخذنا الحاجة اليوم إلى مثل حكمتها. ونريد واصفاً يصف لنا اليمن، ويصف الحالة القائمة عليها خصوصاً وأننا بتنا نمر بظروف صعبة، وكأن الأفواه كممت، والناس أجبروا على السكوت، واعتلى الباطل، وباتت الحقيقة في مهب الريح. وفي ضل الهوان والذل في المجتمع لم يتبقى سوى قول الملكة بلقيس، وحكمتها ورصانتها، بل كل ما ذكره عنها القرآن، فأنها هي التي وصفت الملوك حق الوصف. 

مرت على الحرب باليمن أربع سنوات لازمها فساد كبير. وتبين أن السعودية لم تعمل جاهدة لإنهاء الحرب في اليمن كما وعدت. وترى السعودية ومعها الإمارات بأن الحوثي بات في حالة ضعف ويزداد ضعفاً كل ما مر به الوقت. من هنا اتجهت الدولتين لتسخير قوى الهدف منها تنفيذ مطامع واهداف أخرى. وتُركت الحرب تدار بالآونة الأخيرة ما بين شرعية ركيكة في بنيتها وعدو آخر تريانه السعودية والإمارات ضعيفاً. وحالة سيئة تبدو بها الشرعية حيث تحكم خارج عاصمتها بل خارج بلادها، ويتكفل بدحرها حزام أمني موالي لإحدى دول التحالف. من الرديء التحدث عن مناطق محررة، فالمحرر بات أحوج إلى التحرير. ومن الغرابة أن تجد بلاد تحررت من مليشيات واعطيت لمليشيات أخرى، وبلاد تخلصت من جماعات فاسدة، وبدلت بأخرى أفسد منها، وحياة سيئة مماثلة لتلك التي تم التخلص منها. هناك مليشيات في صنعاء تشبه تماماً تلك التي في عدن، وما تشهده صنعاء من سوء حال يلازم عدن. 

اتت الإمارات تمثل دور الغاصب المستبد، بل تحاول أن تكون بريطانيا الزمن الحالي. وعندما اشتد ساعدها قليلا باتت الإمارات تبحث عن النفوذ، وتحاول مقارعة السعودية في ذلك

لذا يجب قراءة الأوراق مرة أخرى لعلنا نفهم ونعي اللعبة بشكل صحيح. من الممكن القول بأن العاصفة في بادئ الأمر كانت عاصفة حقيقية لتحرير البلاد من مليشيات غاصبة، ولكن تبين في نهاية الأمر أن العاصفة جاءت لتعصف بالبلاد اولاً، ومرادها هو الاستحواذ والنفوذ داخل اليمن ثانياً. هذا ما اظهرته الحقائق تباعاً. فيعيدنا ذلك الى وصية الملك عبد العزيز آل سعود التي حذر فيها من يمن موحد. ما يعني أن السعودية لن ترضى عن يمن مستقر وقوي وموحد مهما بلغ الأمر. ولكن اختلفت السبل ولم تعد على ما كانت عليه، فاليوم غير أمس وأمس الأول. بضرب المثل لو كان اليمن ينعم بالوحدة او مستقر أو وجدت فيه دولة قوية على الأقل، كانت المعادلة ستتغير ولربما زال الخطر الذي ضلت السعودية تشعر به، ويذوب كما يذوب الثلج، وستنتهي من كابوس ضل يهددها. 

نريد أن نفهم ما الذي جاء بالإمارات الى اليمن، هل جاءت لكي تتخلص من الحوثي أم أنها جاءت لكي تنافسه بميليشياتها؟ ونريد أن نتحقق من أنها جاءت لكي تستعيد شرعية هادي أم أنها تريد تقويضها؟ فإذا كانت تريد إعادة الشرعية، فلماذا لم تجعل هادي يعود لمزاولة عمله من داخل عدن؟ وإذا كانت قد أتت إلى اليمن للحرب ضد الحوثي حقاً فما الذي جعلها تشكل حزام أمني داخل عدن، وبضعة مدن لا يتواجد فيها حوثي واحد، وقامت لتشكل حزام أمني في سقطرى، فأين الحوثي وأين سقطرى؟. 

ولكي تتم الاجابة عن تلك التساؤلات من الضروري التعمق في قضية الإمارات مع الموانئ، ومع جزيرة سقطرى. أن العرقلة التي تحدث لهادي لسبب بسيط هو السبب الذي يعيق الإمارات من التقدم صوب حلمها. تحلم الإمارات بأخذ سقطرى عن اليمن، وسيطرتها عن موانئها، وترى الحلم فرصة، ولن تتحقق مرة أخرى في حال اوقفت الحرب ولذلك طال أمد الحرب. وتجد الإمارات ترحيب واسع من بعض أبناء الجنوب الذين يسمون أنفسهم غالباً "الحراك الجنوبي"، بوهم عبارة عن مليشيات تخدم الإمارات ضناً منهم أن الامارات ستحقق هدفهم وهو الانفصال. والواضح أن الإمارات لا تريد الانفصال أو الوحدة غير أنها وجدت أمامها كوكبة من البشر تستطيع تمرير مشاريعها من خلالهم. 

باتت الإمارات تمثل دور الغاصب المستبد، بل تحاول أن تكون بريطانيا الزمن الحالي. وعندما اشتد ساعدها قليلا باتت الإمارات تبحث عن النفوذ، وتحاول مقارعة السعودية في ذلك. وهي محاولة لإظهار القوة والاستعراض داخل بلد ضعيف. أما السعودية فقد تركت الفساد يجري مجراه داخل اليمن، دون تدخل بصفتها تقود عاصفة الحزم، وبالكاد تدخلت في حل الخلاف على جزيرة سقطرى عندما نشبت المظاهرات وقتها ضد محاولة الإمارات أخذها. يعد ملوك السعودية من الناس المعنيين بالفساد في اليمن، فهم السبب الأول له وللكارثة التي تحل على اليمن، فهم السبب في طول الحرب، والسبب في عرقلة الشرعية من ممارسة اعمالها، ما جعلها ضعيفة للغاية.

لم تتحقق المطامع حتى الآن، ولذلك لن تنتهي الحرب قريباً. ولكي تتحقق المطامع فالبلدين السعودية والإمارات بحاجة إلى رئيس غير هادي الذي لم يوافق على تمرير مشروع واحد من المشاريع التي تقوم بها الإمارات بالرغم من الضغوطات التي تواجهه بحجم كبير. بل يتحدث بأعجوبة من على البلاط الملكي بأنه لن يُسمح أن ينفذ حكم وراثي سلالي كهنوتي! لم تعد مسألة حرب وحسب.. فقد اصبحت الحرب عبارة عن لهث وراء مطامع في حال حُققت عجلوا بالتخلص من الحرب، وهذا ما كنا نخشاه، وقد تطول الحرب كما قال محمد بن سلمان بلسانه، وأمام الجميع: تأخر الحرب من صالحنا. قد يكون تأخر الحرب من صالحهم حقاً، ولكن ليس من صالح أطفال وناس كثيرون يقتلون ويأسرون، وآخرون يموتون جوعاً، والكثير في السجون، والأزمة عاصفة، والأسعار غالية والأسر لا تجد قوت يومها. الحرب ليست في صالح الأبرياء، الأبرياء الذين تحصدهم الحرب من قصف وضرب وقتل وأسر وإخفاء قسري. من المهم أن يشعر المقاتل بأنه يقاتل في وطن كل من فيه يحتاج إلى كلمة: انتهت الحرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.