شعار قسم مدونات

حكاية ثمانية أعوام من الثورات

blogs الثورة السورية

مرّت ثمانية أعوام كاملة على حلمنا الأول، صرختنا الأولى، تحدينا الأكبر الذي اكتشفنا به أننا نستطيع أن نجعل من بلداننا المقهورة واحةً للحريات والعدالة الاجتماعية، تخيلنا يومها أن تكون بلادنا بلا كُنى تلحق بها، فلا سوريا الأسد ولا مصر مبارك ولا ليبيا القذافي ولا يمن عبدالله صالح ولا تونس بن علي، كنا وقتها حالمين بالتغيير تملأنا طاقة عظيمة، نسترق الأخبار – كسوريين – كيف استطاع شباب تونس فعل هذا، كيف تحول حرق شخص لنفسه إلى حدث كبير كهذا، ما الذي تغير فالمئات من عالمنا العربي يموتون ولا أحد يكترث!

 

لحظة، أعرني سمعك قليلاً! هل ما زلت تذكر ذلك الشايب التونسي وهو يصرخ : بن علي هرب، بن علي هرب، لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة ويمسح بيده على رأسه حائراً في شوارع تونس وأجزم أنه سأل نفسه كيف استطاع الشباب فعلها ! إنها ثورة الياسمين يا عم! عيوننا مشدودة إلى القنوات الاخبارية، خبر عاجل يعلوها كان يقول: متظاهرون مصريون يغلقون ميدان التحرير في القاهرة، ما هذا ثورة ضد مبارك !عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية هتف الشباب المصري، ضُربوا بالرصاص الحي، سقط شهداء، علت الأصوات أكثر فالشعب يريد إسقاط النظام! سقط مبارك ولم يسقط نظامه!

 

يصرخ الليبيون عالياً يسقط حكم العقيد، فيلاحقهم زنقة زنقة ودار دار فهو قائد الثورات وهو الفاتح وزعيم زعماء أفريقيا، جاء الناتو مسرعاً فليبيا غنية بالثروات ولا يجب أن تضيع من أيديهم

ثورة الـ 18 يوماً لم تكن حازمة ضد أعدائها، أرخت لهم الحبل فتمادوا، انتخابات ديمقراطية لأول مرة في تاريخ مصر تأتي بمحمد مرسي رئيساً، الدكتور المهندس المتعلم والمثقف ذو المرجعية الإسلامية، حاول إصلاح ما أفسده الدهر، لكن لم يعطوه مجالاً فالاسلام السياسي كما يسموه لا يجب أن يحكم، أتى الأمر من مدن الملح، انقلبوا على الشرعية، تمَردوا! فأتوا بالسيسي رئيساً إلى الأبد! باع الأرض وباع نفسه مقابل حفنة من – شوالات الرز –فأضحت ثورة يناير الفرحة التي لم تكمل!

 

اليمن السعيد يقدم على الثورة، فالرجل الذي حكم البلاد لأكثر من عشرين عاماً عاث فساداً وأضاع البلاد، كانت ثورة سلمية بامتياز فتجد الثائرين في شارع والمؤيدين في شارع آخر كل منهم يفعل ما يراه صحيحاً لكن الأمر طال ويجب أن نُخرج حجة للانقضاض على الثائرين فلا ثورات ستنجح وأمراء مدن الملح على عروشهم!

 

اتفاق برعاية الأمراء يقضي بخروج آمن لعلي صالح من السلطة لكنه أبى وانقسمت البلاد، خرج الحوثيون ودُعموا من ايران تحالف معهم صالح حيناً وعاداهم حيناً آخر، فكر الأمراء كثيراً فكانت عاصفة الحزم التي ستدخل عامها الرابع دون أي جدوى. قُتل صالح على يد الأخوة الأعداء وعاش اليمن في مجاعة هي الأكبر والأعظم خلال المئة عام الماضية، فطيران الحزم في سمائهم يمطرهم موتاً والحوثي في الارض يقتلهم جوعاً وبدأ حلفاء الحزم بتقاسم النفوذ قبل أن يجلبوا السلام لليمن الذي ادعوا بجلبه!

 

يصرخ الليبيون عالياً يسقط حكم العقيد، فيلاحقهم زنقة زنقة ودار دار فهو قائد الثورات وهو الفاتح وزعيم زعماء أفريقيا، جاء الناتو مسرعاً فليبيا غنية بالثروات ولا يجب أن تضيع من أيديهم، قُتل القذافي على يد شباب الثورة، ودخلت البلاد في غياهب التحزبات والدعم المشروط والتلاعبات السياسية ومصالح الأمراء، فأطيح بالمجلس الوطني وحكومة الوفاق وانقسمت ليبيا إلى تكتلات بشرية تتبع كل منها إلى دولة وتتلقى دعماً منها.

 

كانت ثوراتنا برئية حد الكفاية، وكنا عاطفيين في مجاراة الأمور وسُذج في أحيان كثيرة، لكنه القدر وقف مرة أخرى مع الظلمة

الله، سوريا، حرية وبس، اجاك الدور يا دكتور، خرجت سوريا من سباتها العميق، فالذي حُكم بالحديد والنار طيلة 40 عاماً لم يكن من المتخيل أن يستيقظ المارد فيه، هتف الشعب نريد إصلاحاً، نريد حرية وعدالة، نريد أن نحيا كراماً، فجائهم الرد بدون أي تأخير من فوهات بنادق الجنود، ومن سياط الشبيحة، واقتيدوا إلى المعتقلات، فلم يخرجوا منها، ماتوا هناك تحت التعذيب! هل تتخيل ذلك! نعم لقد فعلها الأسد.

  

ستة شهور كاملة لم يُرفع فيها سلاح من قبل الثائرين، صرخوا ونادوا عالياً – العالم الحر – لمساعدتهم على إحداث التغيير فوعدوا ثم وعدوا وأخيراً كذبوا، مجازر بالجملة حدثت بداية من حصار درعا مروراً بحمص وحماة وحلب والغوطة وانتهاءاً بالتهجير والتغيير الديمغرافي .ماذا فعلنا حتى يحل بنا كل هذا العقاب، مليون ونصف شهيد، كثيرون منهم تُركوا تحت الأنقاض وآخرون لم يستلم أهاليهم جثامينهم فكانت البلاد كلها قبراً لهم، عشرة ملايين مهجر داخل وخارج سوريا والعالم كله يتحدث عنا.

 

دخلت البلاد في حرب طاحنة بين قوات الثوار وقوات الأسد الذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط وفي كل مرة كان يتدخل أحدهم لانقاذه، فكان حزب الله أول المتطوعين تبعته ايران وأخيراُ كشر الدب الروسي عن أنيابه وأتى حاملاً الموت المكثف للسوريين. دخلت أمم الارض جميعها سوريا، تقاسموا الكعكة والنفوذ، فتجد أعلاماً أميريكية وفرنسية وتركية وايرانية وروسية ولبنانية ترفرف عالياً داخل حدود سوريا سايكس بيكو، ولا حل قريب، فالحل خرج من يد السوريين منذ زمن بعيد وبدأ اللاعبون يبحثون عن حل يحمي مصالحهم.

 

أرداوا قتل حلمنا، ووأده كي لا يهدد عروش الآخرين، كانت ثوراتنا برئية حد الكفاية، وكنا عاطفيين في مجاراة الأمور وسُذج في أحيان كثيرة، لكنه القدر وقف مرة أخرى مع الظلمة، لكن نعدكم أن ننصب المشانق في المرات القادمة قبل أن ننزل للشوارع في طلب الحرية !لم يزهر الورد الذي تفتح في حدائق القاهرة ودمشق وتونس وصنعاء وطرابلس ولم يتركوا لنا حصاناً نفتح به أبواب الحرية ولكنهم لن يستطيعوا أن يسرقوا الطريق منا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.