شعار قسم مدونات

"الجنرال الدموي".. هذه هي خطوات السيسي القادمة لترسيخ حكمه

blogs السيسي

لم أكن يومًا من أولئك الذين تصيبهم المفاجأة وتأخذهم الدهشة عند كل مشهد جديد، ومشهد هنا المقصود به جزء من المسرحيات السابقة التجهيز والتأليف والرديئة الإخراج من أحلاف الثورة المضادة تجاه الربيع العربي المستهدف والمكلوم والثورة المصرية المتآمر عليها، لألطم الخدود وأشق الجيوب ويكاد يخر مغشيًا علي عندما أرى ما يصنفه البعض من هؤلاء الذين يطلق عليهم "نخبة" أو الغالبية من القاعدة الجماهيرية لثورة 25 يناير دليلًا آخر على هزيمة الثورة.

 

وأشير هنا إلى تلك المسرحية الهزلية والتي تحول فيها المخلوع مبارك بكل هيلمانه وجبروته الذي كان عليه قبل ثورة يناير إلى مجرد كومبارس ناطق في ظل الانقلاب العسكري عند حضوره للشهادة في محاكمة الرئيس المنتخب "محمد مرسي" ورفاقه في ما يعرف بقضية اقتحام الحدود وفتح السجون في يوم 28 يناير 2011، فمتى قامت ثورة ولم تستهدف ومتى خرج شعب ليطالب بحريته وحقوقه ولم تتآمر على أحلامه وتطلعاته القوى الخارجية التي تمثل الديمقراطية وامتلاك الشعوب لزمام أمورها تهديد مباشر لمصالحها واستنزافها لثروات ومقدرات تلك الشعوب المقهورة، فكما الثورة نتيجة حتمية لتراكم الظلم والقهر والطغيان، فالثورة المضادة تاريخيًا لم تستسلم من الجولة الأولى أبدًا ومراحل الثورة الفرنسية أولى الثورات في التاريخ الحديث خير دليل.

تلك القضية الملفقة التي تمخضت بدورها عن قضية التخابر مع "حماس" وهي نفسها حماس التي تستقبل القاهرة وفودها بصفة رسمية في عهد الجنرال الانقلابي حتى وإن كان استقباله لتلك الوفود للضغط على الحركة خدمًة لأولاد العم في "تل أبيب" وإمعانًا في المحاولة لتركيع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والتي أصبحت كابوسًا حقيقيًا مزق شمل حكومة النتن ياهو وجعلت الجيش الذي لا يقهر في وضع الدفاع والاستنفار والخوف بصفة شبه مستمرة.

 

السيسي يكابد ويحارب الزمن من أجل تعديل الدستور ويعد العدة منتظرًا الضوء الأخضر من كفلاءه في الخارج وعلى رأسهم ترمب الغارق في مشاكله والمشتتة إدارته

والقضية نفسها تدين فيلسوف عصره وأوانه عبد الفتاح السيسي والذي تولى منصب مدير المخابرات الحربية يوم 3 يناير 2010م وظل في المنصب حتى يوم 12 أغسطس 2012م، أي أن أحداث القضية المزعومة تمت إبان توليه المسؤولية المباشرة عن كل ما يخص أمن مصر العسكري ومراقبة حدودها فإذا كانت عين الجيش عمياء فما بالك بباقي جسده، أوليس من الأولى محاسبة من أهمل قبل حساب من أخطأ هذا لو كانت الأحداث قد جرت بالفعل كما يزعم النظام العسكري وهو زعم ينافي العقل ويجافي المنطق وتلفظه الحقائق.

لا يعنيني كثيرًا ما دار وسيدور في تلك المهزلة، فالقوم "العسكر" لديهم هاجس وعدو مؤكد ومحتمل وشماعة أخطاء في الوقت نفسه وهي جماعة الإخوان المسلمين ومشتقاتها داخل مصر وخارجها، لذا من الطبيعي والحتمي أن يستدعوا من في القصور ومن في القبور أيضًا للشهادة ضد الإخوان المسلمين ومن يمت لهم بصلة أيًا كان نوعها، ولدينا في مصر تهمة التعاطف مع الإخوان على وزن وشاكلة الثلاثي الخليجي المحاصر لقطر (السعودية والإمارات وتابعهم في البحرين) ابتكروا تهمة التعاطف مع قطر، ولا عجب في هذا فالجماعة (حلف الثورة المضادة) يشربون من نبع التآمر والدسائس ذاته.

 

وبالعودة لمهزلة المحاكمة تعجب الكثيرين من دخول المخلوع مبارك قاعة المحكمة واقفًا على قدميه ووصفوا هذا بالانتصار للمخلوع والثورة المضادة وهو من كان يدخل محمولًا على سرير طبي إبان محاكمته، ففي كلتا الحالتين كان يتصرف مأمورًا لا آمرًا من قبل العصبة العسكرية ودولتهم العميقة وإن كان الفارق هذه المرة كون دخوله مستندًا على نجليه هو الهزيمة في حد ذاتها فمن كان يخطط ليكون وريثه في حكم مصر أصبح بالكاد عكاز يتوكأ عليه المخلوع ليؤدي المطلوب منه، فالسيسي في هذا اليوم وكأنه يقول للجميع ها أنا ذا قد قضيت على من خلعته الثورة من الاتحادية ومن وضعته أصوات الثوار في سدة الحكم.

السيسي يقصد برسائله هذه الخارج وليس الداخل، فلم يعد هناك ما يقلقه من الداخل ومنبع عدم قلقه هذا ليس السيطرة أو التحكم المطلق مع عدم إغفال ثقل القبضة الأمنية وتغولها وتوحشها وهو ما يجعل المتابع يعتقد أن الشعب المصري صامت ومتقبل لما يحدث وهذا غير صحيح فالصمت هو صمت المتحفز الغاضب المجبر وليس صمت الرضا والقبول، لأن الجنرال قد قطع كل ما يمكن أن يربطه بالشعب ويبقي ولو على جزء صغير يمكن أن يستند عليه كظهير شعبي، فقد نكل بحكمته المعتادة وذكاءه المعهود المنقطع النظير بالجميع من القمة وصولًا إلى القاع، فكل فصيل شعبي أو سياسي وحتى طبقي قد أصابته نائبة وألمت به نازلة نتيجة لقرارات الغشيم المتعافي المختلفة، السياسية والاقتصادية وما تنتهجه توابعه في منظومة الحكم العسكري من وزارات وهيئات ومؤسسات تمشي في ركابه وتتخذه نبراسًا تهتدي به وتتزلف إليه وتتملقه قياداتها.

 

 وكما يقولون ذهبت السكرة منذ فترة وجاءت الفكرة، فبعد مرور أكثر من 5 سنوات على انقلاب يوليو 2013 المشؤوم لا مكان للوعود ولو أطلقت وتم التغني بها صباح مساء فلن يكلف أحد من الشعب المصري نفسه عناء سماعها فالأفعال دومًا أصدق من معلقات الكلمات، ولم يتبقى للسيسي إلا حلفاء الخارج والدائرة الضيقة من منتفعي الداخل والشعب خارج المعادلة فهو وإن تم إسكاته وقهره بقوة السلاح فسينتفض ضد حامله عاجلًا أو آجلاً فقد تم الطلاق حرفيًا بين معظم طوائف الشعب المصري وثقته في المنظومة العسكرية ومندوبها في سدة الحكم.

السيسي يقع الآن في وضع صعب فهو قد مارس فعل الخيانة من قبل عند انقلابه على الرئيس محمد مرسي ونظامه المنتخب، ويعلم علم اليقين أن المؤسسة العسكرية ستطيح به في لمح البصر لو لم يتمكن إقناع الكاوبوي الأمريكي وأتباعه بالموافقة له على تعديل الدستور
السيسي يقع الآن في وضع صعب فهو قد مارس فعل الخيانة من قبل عند انقلابه على الرئيس محمد مرسي ونظامه المنتخب، ويعلم علم اليقين أن المؤسسة العسكرية ستطيح به في لمح البصر لو لم يتمكن إقناع الكاوبوي الأمريكي وأتباعه بالموافقة له على تعديل الدستور
 

السيسي يكابد ويحارب الزمن من أجل تعديل الدستور ويعد العدة منتظرًا الضوء الأخضر من كفلائه في الخارج وعلى رأسهم ترمب الغارق في مشاكله والمشتتة إدارته، الغرب يهمه بالفعل أن تتخذ الديكتاتوريات والأنظمة القمعية المرتهنة لأمره وإرادته شكل النظام السياسي الصحيح، أي أن يكون لها شكل مقبول ومقنع قدر الإمكان وهذا ليتمكنوا من النظر لدوائرهم الداخلية والناخبين في بلدانهم وحتى يتمكنوا من دمج تلك الأنظمة في الأسرة الدولية ومنظماتها، وتهمهم مصر بشكل خاص أكثر من غيرها في المنطقة كونها على حدود كيانهم المفضل وطفلهم المدلل في فلسطين المحتلة وغيرها من العوامل الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية.

 

وبالعودة للجنرال فهو يعلم جيدًا أن الغرب لا يتردد لحظة في الإطاحة بمن تنتفي الحاجة إليه أو لا يؤدي ما يطلب منه، ولهذا يعمل بأقصى جهده وطاقته للقضاء على أي تهديد محتمل لاستمراره في السلطة مع الأخذ في الاعتبار أنه فعليًا يقع الآن في وضع صعب فهو قد مارس فعل الخيانة من قبل عند انقلابه على الرئيس محمد مرسي ونظامه المنتخب، ويعلم علم اليقين أن المؤسسة العسكرية ستطيح به في لمح البصر لو لم يتمكن إقناع الكاوبوي الأمريكي وأتباعه بالموافقة له على تعديل الدستور، وفشل في تمريره داخليًا ففي النهاية المؤسسة نفسها وبمشاركته هو شخصيًا أطاحت برأس النظام (المخلوع مبارك) لتمتص غضب الشارع المصري عملًا بنصيحة الأمريكان وحليفهم الأوروبي ولن تتردد في فعل هذا مرة أخرى لو أحست أن السيسي قد يهدد مصالحها ويغرقها معه لو فشل وخاب مسعاه وهو الملطخة يداه في نهر من الدماء ويعلم أنه غارق فيه لا محالة لو تم إبعاده عن سدة الحكم.

 

تلك هي معركة السيسي الحقيقة والبقية مجرد هوامش جانبية مهما تم تعظيمها وتضخيمها من قِبَل الإعلام والحلفاء والخصوم على حد سواء، نحن لسنا بصدد محاكمة هزلية أو قصة تعديل لبنود الدستور بل معركة حياة أو موت للجنرال الدموي، فهو بين نارين إما المرور والتعديل أو الإقصاء والتبديل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.