شعار قسم مدونات

لكم جبرانكم ولي جبراني

blogs لبنان

لكم جبرانكم الذي تلعنونه بألسنتكم وتمقتونه بقلوبكم، وحين يجيء موعد الانتخابات النيابية، تجدّدون له الثقة وتوّلونه عليكم. ولي جبراني الذي تبرّأت منه كنيسته ورفضه قومه لأنّه رفض سلاسلكم التي تقيّد الضعفاء وتزيد بؤس البؤساء.

 

لكم جبرانكم التافه الجاهل الفاسد الحاقد العنصري، الذي أسّس مدرسة جديدة في الوقاحة عزّ نظيرها، والذي جعل من الغباء إمامًا يقتدى به، والذي أمعن في انتهاك كل حق وخير وجمال. ولي جبراني العبقري الذي أسّس مدرسة في النبوغ والإبداع، والذي تلقّف الجمال حيث وجده، والذي تحيّز في إبداعه للحقّ، فخلدت أعماله عبر الزمن، وكانت منهلًا لكل الظامئين.

 

لكم جبرانكم المُتَفَرنِسُ والمُتَأَمْركُ والمُتَصَهْيِن، والذي يرطن بكل الهجانات. ولي جبراني العربي البشرّاني (نسبة الى مدينة بشري، مسقط رأس جبران خليل جبران، في شمال لبنان) الذي عرف أن قدسية اللسان الذي يحوي الضاد في أبجديته لا تقلّ قدسية عن ذلك الوادي الذي ألهم النسّاك والزهّاد والأولياء والقدّيسين، والذي ألهب إبداع المبدعين.

 

لكم جبرانكم الذي لم يترك شبرًا من جبال لبنان إلا جعله رهنًا لجشع أصحاب الكسّارات التي لا تني تنهش الجبال الخالدة نهشًا. ولي جبراني الذي ذاب حبًّا بتلك الجبال وبغاباتها وأوديتها وينابيعها، فتفجّرت قريحته مدادًا مجّد الخالق وبديع صنعه.

 

لكم جبرانكم بنفاياته العضوية والبشرية من أقلامٍ مأجورة وإعلام مزوّر. ولي جبراني الذي لم يتعصّب إلا للحق، والذي أبغض أشدّ البغض كل المرائين والفريسيين والكتبة الكذبة.

 

جبرانكم سوف يلفظه التاريخ، وسوف تنساه الأجيال. وجبراني سوف يظلّ خالدًا في سجلّات النور وفي تواريخ الإشراق التي تلهم وترشد وتحيي

لكم جبرانكم يفاخر بوقاحة بالطائرات واليخوت التي اشتراها من عرق ودماء الكادحين والمتعبين والمعذّبين. ولي جبراني الذي لم يَحتَجْ إلى طائرةٍ لكي يحلّق عاليًا في سماء الفكر الراقي والأدب الرفيع والفنّ الخالد، ولم يَحْتَجْ إلى سُفُنٍ ولا مراكب لكي يبحر في محيطات العرفان والعشق، والذي انحاز للمهمَّشين والمهشَّمين.

 

لكم جبرانكم الطائفي المتقوقع الذي لا يفوّت الفرصة لإثارة النعرات المذهبية والعنصرية بين أبناء الوطن الواحد. ولي جبراني الكوني الذي عبر من الطائفة والدين إلى الإنسان والإنسانية، والذي نهل من الثقافات على اختلاف مشاربها.

 

لكم جبرانكم الوصولي الانتهازي، الذي تبوّأ أعلى المناصب دون مؤهلّاتٍ تخوّله لذلك، سوى صلة النسب التي تربطه برئيس البلاد. ولي جبراني العصامي الذي شقّ طريقه وسط ضيق العيش وقسوة الظروف وصعوبة الحياة، والذي، رغم أنّه لم يحتلّ أي منصبٍ مرموق في المهجر ولا في الوطن، فإنّ مكانته أرفع من المناصب، وقيمته السامية أهّلته للدخول في سجلّ العظماء الخالدين من بني البشر.

 

لكم جبرانكم رمزًا للفساد المستفحل في الطبقة السياسية، التي أغرقت الوطن في الديون العامّة التي ولّدت الثروات الهائلة لأهل السياسة والمحيطين بهم، على حساب بؤس الوطن والمواطن، المتروكَيْن لمصيرهما. ولي جبراني رمزًا للنقاء الذي تجلّى في نثره وشعره ولوحاته الفنية التي عرفَتْ كيف تحاكي روح الإنسان.

 

لكم جبرانكم الذي صار نمط معيشة لوطنٍ كان مفخرةً لأبنائه المقيمين والمهاجرين، والذي كان مصدر اعتزازٍ للعرب أجمعين باحتضانه لمضطهدي الرأي وبكونه واحة منعشة فريدة في هجير الصحاري المحيطة به، والذي بفضل جهود جبرانكم وأمثاله أصبح يغرق في النفايات والإهمال. ورغم كل هذا، فإنكم تآخيتم مع جبرانكم هذا، وأصبحتم لا تطيقون العيش دونه. ولي جبراني سفيرًا فوق العادة للثقافة اللبنانية العربية الأصيلة، ومنارةً للكلمة الطيّبة التي تبني النفوس وتغذّي الأرواح الظمأى. ورغم كل هذا، فإنّكم نبذتم جبراني وراء ظهوركم وهجرتموه كقدوة في سلوككم، مع أنكم لا تكفون عن التشدّق باسمه بمناسبةٍ وبغير مناسبة.

 

لكم جبرانكم الشعبوي، صاحب الخطاب المثير للغرائز والنعرات والأحقاد، الذي يعمد إلى تكريس حالة هيمنة الطغمة الحاكمة والمستأثرة بخيرات البلاد وبنعيم الجاه والسلطان. ولي جبراني الشعبي، الذي خاطب الزهور والطيور، ووقف في وجه استبداد الكهنوت روحيا وزمنيا، وفي وجه جبروت كل المتاجرين بأوجاع الناس من ذئاب المال والسلطة.

 

جبرانكم سوف يلفظه التاريخ، وسوف تنساه الأجيال. وجبراني سوف يظلّ خالدًا في سجلّات النور وفي تواريخ الإشراق التي تلهم وترشد وتحيي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.