شعار قسم مدونات

عندما غرق السيسي في 60 دقيقة!

blogs السيسي في 60 دقيقة

لا أدري لماذا قفز إلى مخيلتي الشهيد "سليمان خاطر" وأنا أتابع لقاء الجنرال المتصبب عرقًا في مواجهة سكوت بيلي مقدم برنامج 60 دقيقة على قناة CBS الأمريكية، ولمن لا يعلم البرنامج بدأ بثه في 24 سبتمبر عام 1968م وله مصداقية واسعة لدى المشاهد الأمريكي، في البرنامج ولأول مرة يُتهم جزار رابعة والنهضة بطريقة مباشرة وفي حضوره وعلى الشاشة أمام الملايين بأنه ديكتاتور يداه ملطخة بدماء المصريين.

 

وشعرت بأن سليمان خاطر -رحمه الله- وكأنه يجلس بجانبي صارخًا بكل قوته هذا الذي يخاطبونه بالرئيس لا يمثل مصر، فأنا مصر وشعبها الذي أريقت دماءه بأيادي عسكرها بغير ذنب ونهبوا خيراتها بغير حق وأذاقوا أهلها العذاب والقهر عن سبق إصرار وعمد وأغرقوها في الفقر والقمع والتخلف ليعيش مرفهًا متنعمًا من تنازلوا عن الأرض ومقدرات الشعب في البر والبحر ليرضى عنهم من رفعوهم بقوة السلاح والدسائس والمؤامرات والمال القذر على رقاب العباد، والمقابل أن يحنوا هم رقابهم لكفلائهم وأن يركعوا مصر ويرهنوا قرارها وسيادتها حسب ما توسوس لهم أهواءهم وأحقادهم قبل مصالحهم.

ربما لأن سليمان خاطر هو رمز وتجسيد للمواطن المصري البسيط بكل ما يحمله الوصف من معاني، صاحب الحق والأرض والمحب والمدافع عن الوطن دون انتظار المقابل، وربما لأنه دفع الثمن مرتين مرة بدمائه والثانية عندما باعها المخلوع مبارك رخيصة لإرضاء العدو القابع والجاثم على أرض وشعب فلسطين المحتلة، وما أشبه الليلة بالبارحة بالأمس المخلوع مبارك كنز الكيان الاستراتيجي من قامت ضده الثورة واليوم الجنرال الدموي من قام بالانقلاب على الثورة وعمل جاهدًا على تصفية مكتسباتها الواحدة تلو الأخرى والذي وصفته صحف الكيان بأنه هدية السماء لإسرائيل.

 

حاول النظام الانقلابي منع بث المقابلة وجاءت الرياح بما لا تشتهي سفن السيسي وساعده عباس كامل ثم قامت القناة بالتأكيد على بث المقابلة في موعدها وروج لها عبر برومو أقل ما يوصف به أنه كان كالقنبلة

وبات القاصي والداني يعلم علم اليقين بمدى التعاون الوثيق بين الانقلابي وتل أبيب حتى قبل انقلابه كما أعلنت مصادر عدة من داخل الكيان الصهيوني وكما أكد السيسي بنفسه بأنه كان على اتصال مستمر بالبنتاجون الأمريكي والفارق ليس كبيرًا ولا شاسعًا بين واشنطن وتل أبيب عندما يتعلق الأمر بأمن الكيان المحتل ورغباته ودأبه على وأد أي تجربة حكم قد تهدد مصالح الكيان وبقاءه وافتئاته على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

حلت ذكرى رحيل "سليمان خاطر" منذ 33 عامًا غداة لقاء الجنرال والذي أكد فيه وبصورة قاطعة وواضحة لا لبس فيها تعاونه الوثيق مع عدو الأمس صديق اليوم لعسكر "كامب ديفيد" والعدو الأزلي للشعوب العربية ولتثبت الأحداث والوقائع أن لا فرق بين المُغتال السادات والمخلوع مبارك والمنقلب السيسي من ناحية إخراج مصر من معادلة الصراع العربي-الصهيوني حول الحق الفلسطيني والعربي فالأول فتح الباب بتوقيعه لاتفاقية سلام مع كيان لا يضع السلام في حساباته والثاني مكن الاتفاقية وحول عقيدة المؤسسة العسكرية المصرية 180 درجة وسلم زمامها للحليف الأمريكي وبالتبعية لطفله المدلل في فلسطين المحتلة والثالث يعمل بأقصى جهده وطاقته لتحويل بوصلة الشعب المصري بأكمله عن العدو القابع على حدوده الشرقية والذي لا يدخر جهدًا لإبقاء مصر أكثر من غيرها في وضعية اللاحياة واللاموت.

 

أراد السيسي من خلال اللقاء أن يظهر كما سولت له نفسه وأوهمه غروره ومتملقوه في صورة الزعيم المؤثر والقائد الملهم فقدم لمناوئيه والمتضررين من انقلابه وما أكثرهم خدمة لو ظلوا يواصلون الليل بالنهار لسنوات قادمة من أجل كشف حقيقة السيسي الدموية والديكتاتورية أمام الشعوب الغربية وفي مقدمتها الشعب الأمريكي والذي خاطبه سكوت بيلي بحرفية عالية لما نجحوا في توصيل عشر ما نجحت تلك الدقائق من حواره في كشفها وإثباتها.

حاول النظام الانقلابي منع بث المقابلة وجاءت الرياح بما لا تشتهي سفن السيسي وساعده عباس كامل فلم تكتفي القناة بالتأكيد على بث المقابلة في موعدها وروج لها عبر برومو أقل ما يوصف به أنه كان كالقنبلة، بل أجرت لقاء مع منتجة البرنامج ومقدمه أكدوا فيه حرص السيسي على إجراء المقابلة ظنًا منه أنها تضعه في مصاف القادة المؤثرين في المنطقة وعن محاولة الجانب المصري الحصول على الأسئلة مكتوبة مسبقًا قبل التسجيل وهو ما تم رفضه ومن ثم وافق الجنرال والذي ربما غاب عنه الفارق الشاسع بين الإعلام الخاضع لسلطته داخل مصر والإعلام المتسم بقدر من المهنية الذي يحترم مشاهديه ومتابعيه كما هو الحال في الخارج.

 

كانت 13 دقيقة مدة الحوار مع السيسي لكنها بمثابة توثيق لجرائم الجنرال الانقلابي وفضحته أمام المشاهد الأمريكي والغربي، 13 دقيقة أغرقته في عرقه وكشفت وجهه القبيح أمام العالم
كانت 13 دقيقة مدة الحوار مع السيسي لكنها بمثابة توثيق لجرائم الجنرال الانقلابي وفضحته أمام المشاهد الأمريكي والغربي، 13 دقيقة أغرقته في عرقه وكشفت وجهه القبيح أمام العالم
 

ليجد الجنرال نفسه في مهب الريح وتنهال عليه عاصفة من الأسئلة التي لم يختبرها من قبل حول عدد من قام النظام العسكري بتصفيتهم في مجزرة رابعة وما تلاها وعن رقم المعتقلين المرعب والمتزايد خلف القضبان من معارضي العسكر، ليتصبب عرقًا وهو من كانت لا تفارقه الضحكات والقهقهة في معظم لقاءاته واستعراض سيطرته على تابعيه من خلال توجيه الأسئلة لهم وإحراجهم ليظهر بصورة الملم بكل شيء وأي شيء مهما كان مجاله فهو الموسوعة الذي لا تخفى عليه خافية، لينقلب الوضع ويجد نفسه محاصرًا أمام إعلامي محترف أعد العدة وطاقم البرنامج جيدًا لانتزاع الإجابات من ضيفهم الثقيل بجرائمه وطغيانه والدماء التي تقطر من يديه وليس بخبراته وكفائته.

 

وفي احترافية قل نظيرها ردت القناة على أكاذيب السيسي عبر إبراز وتأكيد وتوثيق زيف ادعاءاته بأنه يحارب المتطرفين الإسلاميين فأشارت في فقرات البرنامج لاعتقاله لشخصيات من كافة التيارات السياسية واستضافت محمد سلطان المعتقل السابق والذي سرد بالتفصيل وحشية النظام في التعامل مع المعارضين والمعتقلين، وأندرو ميلر مسؤول الأمن القومي الأمريكي السابق الذي وصف حكومة السيسي بأنها أكبر حكومية قمعية في التاريخ المصري الحديث وأن استراتيجية السيسي لن تحد من الإرهاب بل ستدفع بالمزيد من المصريين للتطرف ونسف أكذوبة السيسي بأن جماعة الإخوان المسلمين تنتهج الإرهاب والعنف والتطرف بل وصفها بالاعتدال وأنها أكبر فصيل سياسي معارض.

نعم كانت 13 دقيقة مدة الحوار مع السيسي لكنها بمثابة توثيق لجرائم الجنرال الانقلابي وفضحته أمام المشاهد الأمريكي والغربي، 13 دقيقة أغرقته في عرقه وكشفت وجهه القبيح أمام العالم، 13 دقيقة قلبت السحر على الساحر لتجد من كان يعد العدة ويمني نفسه بالظهور على الساحة العالمية كقائد مؤثر في المنطقة قد تحول إلى متهم في ما يشبه المحاكمة المدعومة بالأدلة فقد كان المحاور يسأل والسيسي يجيب والمشاهد والضيوف يكذبونه ويوثقون جرائمه، 60 دقيقة لكنها كانت أكثر من كافية لتجعل السيسي يفكر ألف مرة قبل أن يقوم بمقابلة مماثلة مرة أخرى فقد لقنته CBS الدرس وأن ليس كل الإعلام CBC وليس كل مقدمي البرامج أحمد موسى، وأن الشعب المصري هو سليمان خاطر ومن هم أمثاله وليس السيسي وأزلامه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.